مهلاً! ليست الأردن وحدها وراء قرار رفع الضريبة.. السعودية وأمريكا والأونوروا لهم يد أيضاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/03 الساعة 12:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/03 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش

خرج الأردنيون إلى الشوارع هذا الأسبوع في واحدةٍ من أضخم التظاهرات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

كانت العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة شبه فارغة مع مشاركة الأردنيين في الاحتجاج على قانون مقترح لفرض ضريبة جديدة على الدخل، في وقتٍ يكافح فيه الشعب بالفعل لمواكبة زيادة الأسعار والزيادات المستمرة في الضرائب غير المباشرة حسبما أشار موقع ميدل إيست آي

ما سكب البنزين على نار غضب الأردنيين المحتدم هو القرار الصادر برفع أسعار الوقود بنسبة 5.5%، والذي سيؤدي حال تطبيقه إلى زيادة فورية في أسعار المواصلات العامة والكهرباء والطعام، لكنه وبعد احتجاجات واسعة خارج مقر رئاسة الوزراء، وهي منطقة غالباً ما تُمنع فيها التظاهرات نظراً لحساسيتها البالغة، لم يجد الملك بداً من إصدار قرار عاجل يوم الجمعة 1 يونيو/حزيران بتجميد زيادة الأسعار.

فوضى اجتماعية

أعلنت الحكومة التزامها بقرار الملك، وإن كانت قد لفتت إلى أن عدم زيادة الأسعار من شأنه أن يؤدي إلى تكبد خزينة الدولة فاتورة قدرها 16 مليون دينار أردني (أي ما يعادل 22.5 مليون دولار أميركي) في شهر يونيو/حزيران، بما سيجعل زيادة الأسعار أمراً لا مفر منه في الأشهر التالية.

ليس ثمة شك في أن الأردن يعيش حالة من الفوضى الاجتماعية بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، الأمر الذي يمكن أن يتصاعد بسرعة ليصل إلى درجة أزمة اقتصادية، بل إن الملك يمكن أن يجد نفسه، إذا ما استمرت التظاهرات، مطالباً بالامتثال لمطالب الشعب بإقالة الحكومة المتهمة بالفساد ورفع الأسعار وتبني سياسية تضر بمواطني الطبقتين الدنيا والمتوسطة.

قوات الأمن الأردنية من جانبها لم تحاول قمع التظاهرات أو الاشتباك معها، وبدا أن النظام وقياداته الأمنية يسعون إلى امتصاص الاحتقان الشعبي الناجم عن تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتدني الأجور، من خلال السماح بانطلاق تظاهرات منظمة تشرف عليها النقابات العمالية؛ بدلاً من أن تخرج التظاهرات بصورةٍ غير خاضعة للسيطرة بما يشكل تهديداً أكبر، كما حدث في تظاهرات الجنوب عامي 1989 و1996 والتي أجبرت الملك على الإسراع بتطبيق إصلاحات لاحتواء الموقف.

غير أن الهدف الأهم من احتواء الاحتقان الشعبي، هو رغبة الأردن في تمرير رسالة إلى اللاعبين الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، الذين كانوا من أبرز داعمي المملكة وقللوا من هذا الدعم في السنوات الأخيرة.

الدولة في مواجهة الاحتجاجات

لكن وعلى جانب آخر فقد سار التحرك الرسمي والحراك الشعبي العفوي على خطين متوازيين؛ إذ تصاعدت وتيرة الاحتجاجات التي تعم المملكة، واستمرت الإجراءات التصعيدية المعلنة من طرف النقابات المهنية، دون أن يقابلها أي خطوة رسمية متراجعة عن قانون ضريبة الدخل، والذي أعقبه بدء التظاهر الشعبي.

 وبين العناد الرسمي وتأجج الاحتجاجات التي بدأت منذ الخميس الماضي، تضيق الأفق تجاه السيناريوهات، التي من الممكن مواجهتها على الساحة الأردنية.

لا يعتقد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، بوجود سيناريوهات أخرى غير التصعيد الشعبي ومزيد من الاحتقان.

يعتبر عوض في حديثه لـ عربي بوست أن حكومة هاني الملقي بقراراتها الأخيرة سقطت سياسياً، ويتابع عوض، الذي شارك أمس في الاحتجاجات ولفته أن المحتجين من الفئات العمرية الشابة، التي تملك نفساً حراً، ورغبة حقيقية في التغيير، أن الاحتجاجات بدأت تأخذ طابعاً أضخم وأعنف خاصة في محافظات المملكة الأخرى خارج العاصمة، وهو ما يدعوه للقول: "إن مراكز اتخاذ القرار التي ترفض الاستجابة، والأمر سيزيد التصعيد الشعبي والتوتر على الساحة" ويتساءل عوض: هل ستصمد الدولة أمام الاحتجاجات المتتالية؟

 التفاوض بين النقابات والحكومة والنواب

الاجتماع الذي عقد أمس وجمع رؤساء النقابات المهنية ونواباً والجانب الرسمي ممثلاً برئيس الوزراء، لم يخلص لتحقيق مطلب النقابات الذي لأجله عقد إضراب الأربعاء الماضي؛ إذ أصر رئيس الوزراء هاني الملقي على رفض سحب مشروع قانون ضريبة الدخل، معتبراً أن مجلس النواب له الرأي الأخير في رفضه أو إقراره.

عن مخرجات الاجتماع، يقول رئيس مجلس النقباء نقيب الأطباء علي العبوس لـ عربي بوست: "ذهبنا للاجتماع بمطلبين: المطلب الأول الذي تحقق تمثل بإلغاء تعديلات على نظام الخدمة المدنية؛ بعد أن شكلت لجنة لتعديله والمفترض أن يتم إقرار هذا المطلب قبل عيد الفطر"، في حين أن المطلب الثاني المتعلق بقانون الضريبة لم يتم الاتفاق عليه؛ وتمسكت النقابات المهنية بموقفها بسحب مشروع قانون الضريبة، والجانب الحكومي لم يوافق على ذلك، وأبقينا باب الحوار مفتوحاً".

يؤكد العبوس، على استمرار النقابات المهنية في إجراءاتها التصعيدية، واستمرار دعوتها لتنفيذ الوقفة الاحتجاجية الأربعاء القادم لتحقيق المطالب وسحب القانون، مشيراً "في حال لم تستجب الحكومة لمطلبنا ستنفذ إجراءات تصعيدية أخرى".

الجانب الحكومي يبدو أنه قذف كرة في ساحة النواب؛ وتذرع بأن مجلس النواب من يملك رفضه أو إقراره، إلا أن كتلة الإصلاح النيابية، التي عقدت اجتماعات طارئة خلال اليومين الماضيين، ترفض الرد الرسمي جملة وتفصيلاً.

تقول الناطق الإعلامي باسم كتلة الإصلاح النيابية ديمة طهبوب، إن الخيار المطروح أمام النواب بخصوص القانون ليس رد القانون، بل تعديل السوء الموجود فيه فقط؛ إذ أن العرف القانوني في حال عودة القانون للنواب بعد ذهابه للأعيان هو التعديل فقط.

تعتبر طهبوب أن ذاك الإجراء ما هو إلا لعبة لتمرير القانون، مشددة على أن الحل الوحيد في يد الحكومة، التي تملك سحب مشروع القانون ما لم يناقشه النواب أو يصادق عليه الملك.

وتؤكد "نحن غير راضين عما يحدث، الملعب الحقيقي لدى الحكومة؛ لذلك يجري العمل على توجيه رسالة للملك الذي يملك أن يحدد ما هي القوانين التي يرغب بعرضها ونقاشها خلال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب".

الملك خلال ترؤسه اجتماعاً لمجلس السياسات الوطني يوم أمس، دعا الحكومة ومجلس الأمة إلى أن يقودا حواراً وطنياً شاملاً وعقلانياً للوصول إلى صيغة توافقية حول مشروع قانون الضريبة، بحيث لا يرهق الناس ويحارب التهرب ويحسّن كفاءة التحصيل.

ماذا بعد إضراب النقابات المهنية؟

ما بعد إضراب الأربعاء الماضي الذي دعت له النقابات المهنية، وقرار رفع أسعار الوقود، وبدء الاحتجاجات الشعبية وتصاعدها رغم الإيعاز الملكي بإلغاء القرار، يشرح المحلل السياسي بسام بدارين أن ما يجري على الساحة المحلية يعبر عن حالة احتقان اقتصادي شعبية، كنتيجة طبيعية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي وعناصر التشدد فيه.

يتابع لـ عربي بوست: إن المشهد المحلي يتأتى بسبب النمطية في الإصلاحات الاقتصادية، مشدداً على أن أية حلول تجاه منع التصعيد في الشارع، هي حلول تخديرية لا تعالج المشكلات الحقيقية، وأن تمسك الحكومة بنفس نمط الإصلاح سيدفع لاستمرار الأزمة واستمرار الإشكالات مع الشارع الأردني.

بدارين يؤكد على أن موقف الشارع الأردني تجاوز موقف النقابات المهنية وموقف الحكومة، وصار يتحدث عن إصلاح كامل لا يقتصر على سحب القانون، منوهاً أن نجاح إضراب النقابات خلط الأوراق على الساحة المحلية؛ إذ إن النقابات لم تكن تتوقع نجاح إضرابها وهو ما تسبب باختلاف الحالة المحلية وإرباك النقابات، وخضوعها للتفاوض وتعرضها لضغوط عنيفة، في الوقت الذي ينفي فيه العبوس تعرضهم لضغوطات مباشرة لتغيير مواقفهم.

 الاحتجاج الشعبي مستمر

رغم كل المعيقات التي حاولت الجهات الأمنية وضعها، للحيلولة دون وصول المحتجين لمنطقة الدوار الرابع حيث دار رئاسة الوزراء، يستمر المواطنون في احتجاجهم وما تزال الدعوات على صفحات التواصل الاجتماعي مستمرة على نحو عفوي في الدعوة والتنسيق لعقد تلك الفعاليات الاحتجاجية الشعبية.

الدور السعودي

اللاعب السعودي من جانب آخر طفا على السطح برأي مراقبين رأوا أن الرسالة التي تريد المملكة تمريرها هي أن الحفاظ على استقرارها يتطلب مواصلة الدعم والمساعدات، وليس تجاهل الأردن في أزمته الاقتصادية الحالية، ولا شك أن السعودية لا تستطيع التهاون مع أي توتر على حدودها؛ وهي التي لم تقبل بالتظاهرات في البحرين، ولن تقبل دون شك بالتظاهرات في الأردن، وإسكات هذه التظاهرات يتطلب الدعم اللازم من النفط والمال.

 سيما بعدما انتهت في يناير/كانون الثاني من عام 2017 حزمة مساعدات مدتها خمس سنوات مقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأردن، قوامها 3.6 مليار دولار أميركي، ولم تُعرَض على المملكة بعدها أي مساعدات أخرى، وهو ما يعد أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية الحالية.

إضافة إلى أن المعونة الأميركية للأردن، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار سنوياً،  تشكل حوالي 10% من الميزانية العامة للدولة، مهددة هي الأخرى بالإيقاف أو التقليص في أي لحظة في ظل حكم دونالد ترمب، الذي وصل إلى السلطة بشعاراتٍ تدمج منطق رجال الأعمال في السياسة. وازداد هذا الخطر بعدما عارض الأردن نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وتلقى الأردن تطمينات حول المعونة من وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، إلا أن الأخير عُزل من منصبه.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية الحالية هو تقليص المساعدات المقدمة من وكالة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية؛ ذلك أن ما يربو على مليونيّ لاجئ فلسطيني يعيشون في الأردن، بما يشكل خُمس سكان البلاد. وفي الأردن 10 مخيمات للاجئين، تتلقى تمويلاً ضخماً وخدمات من الأونروا، التي زادت أزمتها المالية من العبء الموضوع على كاهل الاقتصاد الأردني.

الأزمة السورية

ألقت أزمة اللاجئين السوريين بعبء كبير على كاهل الاقتصاد الأردني، وشكلت مصدر قلق بالغ لسلطات المملكة. فالأردن يأوي 656 ألف سوري فروا من الحرب؛ ويقدر المسؤولون الأردنيون أن الحكومة أنفقت 10 مليارات دولار لمواكبة تدفق اللاجئين.

وتشير تلك العوامل إلى أن الوضع الاقتصادي والسياسي في الأردن وصل إلى ذروته؛ وأن الحكومة لم تعد أمامها خيارات كثيرة، وأن شح المساعدات الأجنبية في الوقت الراهن وصل إلى درجة غير مسبوقة. في الوقت نفسه فإن الأردن يجد نفسه مجبراً على تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي بإدخال مزيد من الإصلاحات الاقتصادية وزيادة الخصخصة، بما يتسبب في زيادة العبء المالي على كاهل المواطن.

ويمكن أن تكون موجة التظاهرات الحالية حافزاً مهماً لكل من الولايات المتحدة ودول الجوار لتقديم مزيدٍ من المساعدات إلى الأردن للحفاظ على استقراره.

 

علامات:
تحميل المزيد