روسيا تخطو نحو تركيا على جثة العدو المشترك في أميركا، وهذه أصعب 3 ملفات بين أنقرة وواشنطن

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/01 الساعة 20:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/03 الساعة 07:31 بتوقيت غرينتش

في ليلة الخامس عشر من أغسطس/آب 2016، اشتعلت الشرارة الأولى للأزمة بين تركيا وأميركا، لكنها تتخذ الآن زوايا جديدة، وتعبر عن نفسها في أكثر من مكان.

العبارة الأكثر ظهوراً في مسار الأزمة هي تهديد أنقرة بإغلاق قاعدة "إنجرليك" العسكرية الأميركية الموجودة على أراضيها، نتيجة ما تراه سياسةً عدوانيةً تنتهجها الولايات المتحدة تجاهها، ويكرر المسؤولون الأتراك أن إغلاق القاعدة من المطالب التي ينادي بها الشعب التركي.

المحلل السياسي ديمتري رودينوف، رئيس مركز الدراسات الجيوسياسية بمعهد التنمية المبتكرة في موسكو، قدَّم القراءة الروسية للأزمة، وتساءل عن تأثير إغلاق القاعدة الأميركية على روسيا، في تقرير نشرته صحيفة Svabodnaya Pressa الروسية.

خلال مقابلة أجراها مع إحدى القنوات التلفزيونية التركية، كان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو قد قال: "نحن نحاول إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. ولتحقيق ذلك وتطبيع العلاقات، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات جدية فيما يتعلق بمدينة منبج وتسليم غولن والنظر في العديد من المسائل العالقة الأخرى. وعندما يتعلق الأمر بهذه المسائل، يطالب شعبنا بإغلاق قاعدة (إنجرليك) إذا أبت واشنطن التعاون معنا. في الأثناء، نملك المزيد من الأوراق الرابحة، التي من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة إلى التمسك بتركيا باعتبارها حليفاً، في الوقت الذي ننتظر فيه أن تتراجع واشنطن عن خطواتها الخاطئة".

ويكنُّ الشعب التركي بعض المشاعر العدائية لأميركا، في حين تشاركه السلطات الرسمية بأنقرة الشعور ذاته.

الخلاف بين أنقرة وواشنطن يبدأ من منبج السورية

وفيما يتعلق بمدينة منبج، قال جاويش أوغلو إن بلاده لم تطالب الولايات المتحدة الأميركية بالخروج من منبج في شمال سوريا؛ بل بإخراج المسلحين الأكراد منها. "الولايات المتحدة الأميركية تشعر بقلق؛ بسبب تعاونها مع وحدات حماية الشعب، ورهانها على هذا التنظيم الإرهابي"، على حد وصفه.

ويرى المحلل الروسي فلاديمير موجيغوف أن المسألة الكردية تعتبر من القضايا ذات الأولوية بالنسبة لتركيا. لكنها، ومن منظور أميركي، تعد جزءاً لا يتجزأ من علاقاتها بإسرائيل؛ نظراً إلى أن الأكراد يُعتبرون بمثابة الحليف الرئيسي لتل أبيب، وعدو بارز بالنسبة العالم العربي، وضمن ذلك تركيا. وقد أسهم ذلك في تعميق حدّة الصراع، والعجز عن العثور على حل يُرضي جميع الأطراف.

وازداد مع صفقة الأسلحة الروسية لتركيا

في أواخر أبريل/نيسان 2018، أعرب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن نيتهم إعاقة عملية تسليم الجيل الخامس من مقاتلات "إف-35" لتركيا. ويعزى ذلك إلى اعتقال السلطات التركية القس الأميركي أندرو برونسون، المتهم بربط علاقات مع الواعظ الإسلامي المعارض، فتح الله غولن.

ورداً على ذلك، هددت السلطات التركية بشراء مقاتلات "سو-57" الروسية بدل المقاتلات الأميركية.

في السياق ذاته، أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي ويس ميتشيل، أن شراء أنقرة منظومة صواريخ مضادة للطائرات طراز "إس-400″، سيؤثر سلباً على عملية تسليح تركيا بمقاتلات "إف-35" الأميركية، مع العلم أن عقد الشراء قد وُقِّع في سبتمبر/أيلول 2017.

وكان رفض واشنطن تسليم فتح الله غولن السبب الأكبر

تدهورت العلاقات بين واشنطن وأنقرة عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في يوليو/تموز 2016، حيث وجَّهت السلطات التركية أصابع الاتهام لفتح الله غولن، القاطن بالولايات المتحدة الأميركية. وقد طالبت أنقرة السلطات الأميركية في العديد من المناسبات بتسليمها إياه، إلا أن واشنطن لم تستجب لهذا المطلب.

أيضاً هدّد محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض لانتخابات الرئاسة التركية المرتقبة في يونيو/حزيران 2018، بإغلاق القاعدة نهاية العام (2018)، إذا لم تسلّم واشنطن الداعية المعارض فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.

التهديد التركي بإغلاق القاعدة مساوَمة معتادة

تعددت التهديدات التركية بشأن إغلاق القاعدة العسكرية الأميركية "إنجرليك"، حيث لا تعتبر التصريحات التي تواترت في الآونة الأخيرة هي الأولى من نوعها. وقد بادرت السلطات التركية بوضع قيود مقابل حرية الوصول إلى القاعدة، مباشرةً عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.

في هذا الصدد، أفاد المحلل السياسي إيغور ريابوف بأنه "لو لم تكن أنقرة على يقين بأن التهديد بإغلاق القاعدة العسكرية يمثل أداة ضغط سياسية قوية، لبادرت بإغلاقها منذ زمن بعيد".

وترتكز المطالب والشروط التركية، في كل مرة، على المساومة على طريقة البازارات السياحية. لكن واشنطن فطنت إلى سياسة تركيا؛ مما دفعها إلى عدم التفاعل والاستجابة مع مختلف مطالبها.

ولا يمكن اعتبار القاعدة العسكرية نقطة ضعف بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لا سيما بعد تجاهل واشنطن المطالب والتهديدات التركية. من جانب آخر، قد يمثل اتخاذ تركيا إجراءات متسرعة وغير محسوبة، خطوة محفوفة بالمخاطر. لذلك، من الممكن أن تستمر هذه المساومة إلى الأبد، ما يخدم المصالح الروسية.

والصمت الأميركي يعني الحفاظ على الصداقة

لا تستطيع الولايات المتحدة تلبية مطالب تركيا، حيث ترفض قطعاً الخضوع، في حين تتمسك بوضع قواعد اللعبة بنفسها. فعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بمسألة كوريا الشمالية، يمكن لترمب أن يخرج للملأ ويدَّعي أنه يمسك بزمام العملية.

لكنَّ الأمر جدّ مختلف مع تركيا، فصمتُ الولايات المتحدة يمكن أن يفسَّر على أنه سياسة آمنة تتبعها واشنطن رداً على تصريحات المسؤولين الأتراك.

.. وعلى هذا الجدارُ جيوسياسيٌّ ضد روسيا

حال وقوعه، يعد إغلاق القاعدة بمثابة هزيمة كبيرة تحمل في طياتها أبعاداً رمزية مختلفة. كما تعتبر خسارة جيوسياسية فادحة بالنسبة للولايات المتحدة، التي خططت لتعزيز مكانتها في تركيا عبر هذه القاعدة، إلا أن المحاولة الانقلابية حالت دون تحقق هذا المخطط.

وتحتل تركيا موقعاً استراتيجياً بارزاً في أوراسيا. وبالنسبة لواشنطن، أسهمت سلسلة القواعد العسكرية عبر تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان، في خلق جدار جيوسياسي ضد روسيا. ومن أجل ضمان استمرار هذا الجدار الجيوسياسي في العمل، تحتاج واشنطن إلى تدمير إيران. وللقيام بذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تركيا ضمن قائمة حلفائها.

والنصيحة لروسيا إذاً بالتحرك في اتجاه أنقرة

على الصعيد الاستراتيجي، من المهم بالنسبة لروسيا أن تكون تركيا حليفاً لها.

كما يمكن للتحالف بين تركيا وروسيا وإيران تغيير الوضع في الشرق الأوسط وبشكل جذري، وممارسة ضغط على الموقف الأميركي والإسرائيلي. ومن ثم، من الممكن إحلال السلام في المنطقة وتجنُّب حرب عالمية.

بناء على ذلك، يجب أن تتحرك روسيا كقوة أوراسية في هذا الاتجاه، لكن ما تفكر فيه الحكومة الروسية بالوقت الحالي لم يتضح بعدُ. وحسب رأيي، تعد هذه المسألة القضية الأساسية في الوقت الراهن.

تحميل المزيد