تعقيدات سياسية جسيمة ستحدث إن وسّع ترمب صلاحيات سفيره المغرم بإسرائيل.. سفير أميركا قال رأيه بكل صراحة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/01 الساعة 20:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/03 الساعة 07:31 بتوقيت غرينتش

كشف مسؤولون أميركيون أنَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ينظر في منح سفير بلاده لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، مزيداً من السلطات على البعثة الأميركية القائمة بأعمال الشؤون الفلسطينية، وهو التحول الذي من شأنه تقويض الآمال الفلسطينية في بناء دولة مستقلة.

حسب تقرير وكالة أنباء Associated Press الأميركية، يمكن أن يكون لأية خطوة تقوِّض استقلالية القنصلية الأميركية العامة في القدس المحتلة -والمسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين- صدىً رمزي قوي؛ إذ توحي بإقرار أميركي بسيطرة إسرائيل على شرق القدس المحتلة والضفة الغربية. ورغم أنَّ هذا التغير سيكون من الناحيتين التقنية والبيروقراطية، فإنَّه قد تنشأ عنه تعقيدات سياسية جسيمة.             

في الوقت الذي تخلى فيه ترمب عن السياسة الأميركية المعهودة، بالتمسك بحل الدولتين لتسوية النزاع الشرق أوسطي بقتله كل الفرص ما عدا قيام دولة واحدة فقط، وكذلك استعداد إدارته لإزاحة الستار عن خطة طال انتظارها لإحلال السلام- فعل الفلسطينيون كل ما بوسعهم ما عدا قطع العلاقات مع واشنطن في ظل غضبهم الشديد من قرار ترمب نقل السفارة إلى القدس المحتلة.  

متحامل ويقف علناً مع إسرائيل

وتأتي هذه الاقتراحات في الوقت الذي يواجه فيه فريدمان -الذي يضغط من أجل إحداث تغييرات في القنصلية منذ تعيينه سفيراً لدى إسرائيل العام الماضي (2017)- استياءً متزايداً داخل الولايات المتحدة بسبب تعليقاته المُتحامِلة؛ وتأييده العلني للجانب الإسرائيلي على حساب منتقديها، وفق Associated Press.

وكان مسؤولون في الإادارة الأميركية قالوا إن السفير في القدس لن يعمل بشكل دائم في مكتبه الجديد، وسيقوم بدلاً من ذلك بتقسيم وقته بين القدس وتل أبيب.

وقد اقترح مشَرِّعٌ ديمقراطي بارز، الخميس 30 مايو/أيار 2018، أنَّه لا بد من استدعاء فريدمان؛ لخوضه سجالاً في السياسة الداخلية الأميركية لصالح إسرائيل؛ إذ صرح فريدمان لجريدة إسرائيلية بأنَّ الحزب الديمقراطي فشل في تقديم القدر نفسه من الدعم الذي قدمه الحزب الجمهوري لإسرائيل.  

وعلى مدى عقود، عملت القنصلية الأميركية في القدس المحتلة بشكل مختلف عن أية قنصلية أخرى حول العالم. فبدلاً من إفادة عملها للسفارة الأميركية لدى إسرائيل كانت ترفعه مباشرة إلى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، مانحةً بذلك الفلسطينيين قناة تواصل صريحة مع الإدارة الأميركية.

وكانت هذه الترتيبات سابقاً جلية قبل أن ينقل ترمب السفارة. وحتى وقت اتخاذ الرئيس الأميركي، في ديسمبر/كانون الأول 2017، قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب، لم تكن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وكانت القنصلية الأميركية في القدس تقدم خدماتها لرعاياها الموجودين هناك، وكانت تعمل كذلك كسفارة أميركية فعلية لدى فلسطين، التي تطالب بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولتها المستقبلية المستقلة.

سفارة جوار القنصلية

لكن منذ أن نقل ترمب السفارة إلى القدس مطلع مايو/أيار 2018، ازداد الوضع تعقيداً، فالآن الولايات المتحدة لديها سفارة في جزء من المدينة، ثم على بُعد 1.6 كيلومتر لديها قنصلية مستقلة؛ ما قد يسبب ارتباكاً حول أيٍّ منهما لديها الصلاحية الأعلى، إذا ما احتاج مثلاً مواطن أميركي المساعدة ولجأ إلى حكومة بلاده.        

ولم يُتخَذ قرار نهائي حول أي التغييرات ستُستحدَث على تسلسل القيادة في القنصلية، وهو القرار الذي يزيده تعقيداً الوضع الفريد لها. ويتوقع مسؤولون أن يستقر الأمر على تولي السفارة، وعلى رأسها فريدمان، السلطة المطلقة على القنصلية. وتحدث هؤلاء المسؤولون تحت شرط عدم الكشف عن هويتهم؛ لأنه لم يُصرَّح لهم بمناقشة هذه المسألة علناً.

من جانبه، قال دان شابيرو السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، إنَّه سيُنظر إلى هذه الخطوة على أنَّها تقويض لمطالب الفلسطينيين بالسيادة وتطلعاتهم إلى إقامة دولة؛ نظراً إلى أنها توحي بأنَّ واشنطن تعتبر السلطة الفلسطينية خاضعة للولاية الإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، تساءل شابيرو: "لمَ تتوقع واشنطن أنَّ الفلسطينيين سيتواصلون معها عبر بعثتها الدبلوماسية لدى إسرائيل؟".

وأضاف شابيرو، وهو الآن باحث بالمعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي: "هم لا يريدون التعامل مع السفارة الأميركية لدى إسرائيل على أنَّها قناة تواصلهم. هم يريدون إيصال أصواتهم مباشرة إلى واشنطن".  

ووفق العادة، يرفع رئيس القنصلية، المعروف بالقنصل العام، عمله إلى السفير، الذي يملك صلاحية ممارسة "سلطات رئيس البعثة" على البعثات الأميركية كافة في الدولة. ولكن على مدار التاريخ، تمتع القنصل العام الذي يدير القنصلية الأميركية في القدس بسلطة رئاسة بعثته. وتُعد القنصلية الأميركية في هونغ كونغ الحالة الأشبه بالقنصلية في القدس؛ إذ لديها رئيس بعثة خاص بها والذي لا يعمل تحت إمرة السفير الأميركي في بكين.

وصرح مسؤولون بأنَّ فريدمان نادى بدمج القنصلية تحت مظلة السفارة الأميركية، رغم أنَّ الخارجية الأميركية استبعدت هذه الاحتمالية. وتشمل الاقتراحات الأخرى المطروحة السماح للقنصلية بالاحتفاظ بصلاحية إتمام الأعمال اليومية، في مقابل تولي السفارة مهمة تحديد التوجه بشأن القرارات السياسية الكبرى.         

يعوزه حسن النوايا               

وتعتبر القيادة الفلسطينية أنَّ فريدمان، وهو مناصر قوي لإسرائيل وذو علاقات وثيقة بحركة المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، يعوزه حسن النوايا في تمثيله الجهود الأميركية للتوسط من أجل التوصل إلى حل عادل للنزاع الشرق أوسطي. وأشار مسؤولون إلى أنَّه فيما يتعلق بمسألة القنصلية، فإنَّ فريدمان لديه حليف من داخل البيت الأبيض هو مستشار الأمن القومي جون بولتون.   

ولم يكن من الواضح تحديداً متى ستُستَحدَث هذه التغييرات، لكن أحد المسؤولين قال إنَّ الإدارة الأميركية تنتظر لحين مغادرة القنصل العام الحالي، دونالد بلوم، القدس خلال الصيف، ربما في شهر يوليو/تموز 2018.  

وبغض النظر عن أية تغييرات، ستظل القنصلية الأميركية في القدس نقطة التواصل الأساسية بين واشنطن والسلطة الفلسطينية والفلسطينيين، وضمن ذلك من هم في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يسعون للحصول على تأشيرة سفر أو غيرها من الخدمات التي تقدمها القنصلية.   

وذكرت الخارجية الأميركية، في بيان لها: "تستمر القنصلية العامة بالقدس في مباشرة عملها كبعثة مستقلة، مع عدم تغيير اختصاصاتها، وذلك من موقعها التاريخي في طريق أغرون".

وأوضح مسؤولون أنَّه يُحتمل استحداث هذه التغييرات عبر إصدار ترمب "رسائل تعليمات" جديدة، والتي تُوكَل بموجبها سلطات السفراء ورؤساء البعثات إلى فريدمان والشخص الذي سيترأس القنصلية في القدس.

وعلى صعيد آخر، تواجه إدارة ترمب مطالبات من الكونغرس للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، الهضبة الاستراتيجية التي انتزعتها إسرائيل من سوريا في حرب 1967 بمنطقة الشرق الأوسط. ورغم أنَّ إسرائيل ضمت مرتفعات الجولان إليها عام 1981، فإن الولايات المتحدة ودولاً أخرى تعتبرها منطقة مُتنازعاً عليها، ويظل وضعها رهن التوصل لاتفاقية سلام بين إسرائيل وسوريا.      

ومع ذلك، أثار تصاعد التدخل الإيراني في سوريا، وكذلك تكثيف وجودها بجنوب سوريا قرب مرتفعات الجولان، القلق داخل إسرائيل وفي أماكن أخرى؛ ما دفع بعض صناع السياسة والمُشرِّعين في الولايات المتحدة إلى اعتقاد أنه لا بد من أن تضع واشنطن حداً لموقفها الحيادي الرسمي بأن تعلن دعمها أمن إسرائيل في مواجهة تهديد إيران ووكلائها.

وتتراوح الأفكار قيد النقاش ما بين اعتراف صريح تام بأنَّ مرتفعات الجولان جزء من إسرائيل، إلى رفع القيود على حوافز الاستثمارات الأميركية في المشروعات بهذه المنطقة، أو اتخاذ خطوات أكثر رمزية مثل تحديد المرتفعات كجزء من إسرائيل على الخرائط الرسمية الأميركية.

وشاركت عدة عواصم حول العالم في مسيرات؛ احتجاجاً على نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة.

 

تحميل المزيد