في “نيوم الأولى” يناضلون لجذب المستثمرين والسكان ويعتبرونها النموذج لاقتصاد ما بعد النفط.. هنا مدينة الملك عبد الله الاقتصادية 

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/28 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/29 الساعة 07:43 بتوقيت غرينتش

شواطئ نظيفة، ومروج مشذبة، وصفوف من الفيلات المبنية حديثاً.

إنها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية التي تحظى بجميع السمات المميزة للسعودية الحديثة كما يتصورها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

هنا تسير النساء فيها بحرية دون إجبارهن على ارتداء عباءات طويلة. ويمتد ملعب للغولف قبالة ساحل البحر الأحمر، وتفتح شركات عالمية مثل Pfizer وMars أيضاً مصانع لها في المدينة.

مع ذلك، تمثل هذه المدينة عِبرة في ما يتعلَّق بالتحديات التي يبدو أنَّ ولي العهد السعودي سيواجهها أثناء سعيه وراء برنامج طموح للغاية لإصلاح المملكة المحافظة، بما في ذلك خططه لبناء مدينة ضخمة تتكلف 500 مليار دولار، هي مدينة نيوم، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.

مدينة واحدة خرجت للحياة من بين شقيقاتها الست

افتُتِحَت مدينة الملك عبد الله الاقتصادية قبل عقدٍ من الزمان كجزءٍ من مشروع بقيمة 30 مليار دولار لبناء ست مدن لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتوفير 1.3 مليون وظيفة، وإضافة 150 مليار دولار إلى إجمالي الناتج المحلي.

لكن مدينة واحدة فقط من المدن الست هي التي خرجت إلى أرض الواقع ولم تظل مجرد رسم، هي مدينة الملك عبد الله، التي يبلغ عدد سكانها اليوم 7 الآف نسمة مقابل هدف بأن يصل العدد إلى مليوني نسمة بحلول عام 2035.

لكنها مازالت هادئة وخالية على نحو مخيف

بالرغم من توفير مدينة الملك عبد الله التي تقع على بعد 145 كيلومتر شمال جدة حرياتٍ اجتماعية أكثر من المدن السعودية الأخرى، فإنَّها تبدو هادئة وخالية على نحوٍ مخيف، حسب تعبير الصحيفة.

وكان من المقرر للمدينة أن تكون مركزاً للخدمات اللوجستية والتصنيع. لكنَّ معاناتها من أجل جذب المستثمرين والسكان تبرز معركةً دائمة تواجه المملكة في جلبها لرؤوس الأموال الأجنبية بعيداً عن قطاع الطاقة.

وقال مستشار حكومي سابق: "لو كانت مدينة الملك عبد الله الاقتصادية حيوية وقابلة للنمو لكانت حققت نجاحاً باهراً منذ وقت طويل. إذ كان التسويق لها مذهلاً، لكن التصور الكامل وراءها كان معيباً. إذ لم تتواجد القاعدة الاقتصادية هناك أبداً".

وتسلط المدينة الضوء على المهمة التي تنتظر الأمير محمد في سعيه لتحقيق خطة "رؤية 2030" التي تهدف إلى الحد من الدور المهيمن للدولة، وخلق 450 ألف وظيفة في القطاع الخاص بحلول 2020، وتقليل نسبة البطالة من 12% إلى 9% ضمن نفس الإطار الزمني.

لكن مشروع "نيوم" قد يعطيها دفعة كبير

"من الصعب العثور على ظروف مواتية لبدء التصنيع أو على الأقل الصناعات الخفيفة في السعودية"، هكذا تقول كارين يونغ، وهي طالبة في السنة الدراسية الأخيرة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن ومقيمة بالمملكة.

ويُعد تطوير مدينة نيوم هو المشروع الرئيسي لخطة الأمير محمد. وكان قد كشف النقاب عن المشرع في مؤتمرٍ استثماري فخم أقيم في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث خطب الأمير ود بعضٍ من  كبار المديرين التنفيذيين والمصرفيين في العالم.

وتتميز نيوم بأنَّها طموحة أكثر من باقي المدن الست التي أُطلِقت في العقد الأول من القرن الحادي عشر؛ إذ ستغطي مساحة 26 ألف متر مربع وتستهدف جذب الاستثمارات في التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والروبوتات. ويتمثل الهدف منها في المساهمة بـ100 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

سيشرف الأمير محمد بنفسه على المشروع، الذي سيتلقى تمويلاً من مجموعة من الموارد المالية الحكومية مثل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يُمثِّل صندوق الثروة السيادية السعودية وتبلغ قيمته 230 مليار دولار، فضلاً عن الاستثمار من جانب القطاع الخاص.

القطاع الخاص السعودي عازف عن المخاطرة العقارية

وجُرِّبت العديد من خطط التنويع الشبيهة مرات عدة من قبل، لكنَّها تعثرت. غير أنَّ المسؤولين السعوديين مصرون على أنَّهم استوعبوا دروس الماضي.

فقال وزير المالية محمد الجدعان: "سنتعلم. وإذا نفذنا شيئاً واعتقدنا أنَّه ليس كما خططنا له، سنُعدِّل خططنا. هل أنا واثق؟ نعم.. فأنا أرى النتائج والزخم".

لكن الشركات السعودية عازفة عن المخاطرة في ظل معاناتها من جرَّاء اقتصادٍ راكد وإجراءات تقشفية حكومية. وأبدت المجموعات الأجنبية هي الأخرى تردداً في الاستثمار خارج قطاع الطاقة.

وعندما شرع الأمير محمد في جولة استغرقت أسابيع إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة هذا العام، أعلنت الرياض إبرام صفقة ضخمة واحدة تتضمَّن مشروعاً مشتركاً للطاقة الشمسية مع مجموعة SoftBank اليابانية.

يقول ستيفن هيرتوغ، وهو خبير في الاقتصاد السياسي الخليجي بكلية لندن للاقتصاد، إنَّه من غير الواقعي توقُّع أن يبني القطاع الخاص البنية التحتية الأساسية ويتولى صيانتها.

ويضيف: "سيشعر القطاع الخاص براحة أكبر إذا كانت هناك ضمانات أساسية من الحكومة،  فمستثمرو القطاع الخاص في المناطق الناشئة يميلون إلى أن يكونوا أكثر تركيزاً على المدى القصير".

ومدية الملك عبد الله تعتبر نفسها نموذجاً لاقتصاد ما بعد النفط 

في مدينة الملك عبد الله التي يمكن وصفها بجدة مدينة نيوم، يقول المسؤولون إنَّهم متفائلون بأنَّ خطط الإصلاح التي يتبناها الأمير محمد ستبث روحاً جديدة في التنمية لديهم (مدينة الملك عبد الله).

إذ يقول المسؤولون إنَّ حوالي 30 شركة محلية وأجنبية تعمل في المنطقة الصناعية للمدينة، مع وجود عدد مماثل من الشركات في طور الانتقال إلى هناك. وتفيد التقارير بأنَّ ميناء الملك عبد الله، الذي يُوصَف بأنَّه مظهر التنمية المحوري في المدينة، تعامل مع 1.7 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدماً، أي بزيادة قدرها نحو 20% مقارنةً بالعام الماضي.

يقول فهد الرشيد، الرئيس التنفيذي لشركة إعمار المدينة الاقتصادية، وهي المُطوِّر العقاري الرئيسي بالمدينة: "تنادي رؤية 2030 بتحقيق عصر ما بعد النفط للاقتصاد، ونحن في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية نحب أن نفكر في أنفسنا باعتبارنا نموذجاً لاقتصاد ما بعد النفط. فنحن لسنا مشروعاً حكومياً ولا نعتمد على الحكومة ولا نحصل على أي إيرادات من النفط".

والسكان سعداء بكل هذه الحرية وكل هذا الهدوء

"نستمتع بالأجواء الهادئة والمريحة بها"، هكذا يقول السكان المقيمون بالمدينة.

وقال أحد السكان: "أنا سعيد لأنَّ زوجتي يمكنها الخروج هنا دون ارتداء العباءة. أستطيع أن أفتح الباب ويجري أولادي وكلابي إلى الحديقة دون أن أقلق عليهم من أن تصدمهم سيارة".

لكن بينما يشعر السكان بأجواء المدينة الهادئة، تقول إيلين والد، مؤلفة كتاب "Saudi, Inc"، وهو كتاب عن المملكة، إنَّ هناك دروساً مستفادة واضحة من أجل مشروع نيوم: "لا بد من توقيع العقود مع المقيمين قبل الشروع في البناء، والاستعداد للتغيُّر".

وأكملت: "الاقتصاد العالمي في تراجع، ويمكن لاستراتيجيات الأعمال المتغيرة أن تعيق دائماً الخطط الكبيرة".

 

علامات:
تحميل المزيد