سمعنا عن نية ترمب تحجيم نفوذ إيران.. فهل سيكون العراق اختباراً لاستراتيجيته ضد طهران، وما موقفه من الصدر والعبادي؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/27 الساعة 19:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/27 الساعة 22:13 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump sits in the Oval Office of the White House in Washington, U.S., May 26, 2018. REUTERS/Yuri Gripas

 رغم أنه يوصف بأنه مناهض لإيران، فإن هذا لم يجعله مفضلاً يوماً لدى الولايات المتحدة.

لم يكن تصدر قائمة "سائرون" التي يقودها مقتدى الصدر للانتخابات التشريعية العراقية خبراً سيئاً بالنسبة للإيرانيين فقط، بل خصومهم الأميركيين كذلك، الذين لم تُنْسِهم عبارات الرجل المناهضة لإيران رصاصات رجاله التي كانت وجهت يوماً للجنود الأميركيين في العراق.

وكأنه يقول لا تراهنوا على الصدر، إنه لا يقلّ سُوءاً بالنسبة للأميركيين عن إيران، دعا جوشوا بلوك، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة The Israel Project غير الربحية المختصة بأبحاث أمن مستقبل إسرائيل إدارة ترمب إلى الحذر من الصدر، والعمل على جعل العراق ساحة لتطبيق استراتيجيته الإدارة الجديدة في محاربة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وقال بلوك الذي كان مسؤولاً في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ومُتحدِّثاً رسمياً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية التابعة للخارجية، في مقال بصحيفة The Hill الأميركية، إن التصويت في الانتخابات كان بمثابة اختبار للنفوذ الإقليمي الذي تمارسه إيران، بينما تُصمِّم الولايات المتحدة على احتواء طموحات طهران العدائية، في أعقاب انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية المعروفة بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني).

ورغم أن نتيجة الانتخابات على الأرجح لم تأت نتيجة مثلما تمنَّت إيران، بعد تصدر كتلة الصدر الذي وصفه برجل الدين المثير للقلاقل. ولكنه يرى أيَّ نقاش حول احتمال إنهاء السيطرة الإيرانية على السلطة في العراق سيكون سابقاً لأوانه، إذ إنها مضاربة في أحسن أحوالها، وربما تكون محفوفةً بالمخاطر.

وفي حين أن انتصار الصدر يُعقِّد الوضع بالنسبة لطهران، فإن الانتخابات قلبت السياسة الأميركية في العراق رأساً على عقب، مما يُعرِّض المصالح الأميركية الحيوية في البلاد إلى الخطر الشديد.

حلم إيران بالقمر الشيعي لم يتوقف رغم الانتخابات العراقية فهناك انتصارات في مواضع أخرى

بالنسبة لإيران أيضاً، فإنه ما زال الرهان كبيراً نظراً لأن طهران تسعى لحماية خطتها الإقليمية، بتحقيق ما وصفه بلوك بـ"القمر الشيعي المكتمل"، في طريقٍ يمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان وصولاً إلى البحر المتوسط.

ففي لبنان، ضيَّق نظام الملالي الخناق عندما حقَّق حزب الله وحلفاؤه مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية هذا الشهر، مايو/أيَّار 2018، مما دعم الجماعة التي تدعمها إيران، والتي تعارض إسرائيل بشدة، وتعزز من نفوذ طهران الإقليمي المتنامي. وفي سوريا، بينما تؤيد إيران نظام الرئيس بشار الأسد، كما أنشأت طهران بنيةً تحتية عسكرية واسعة النطاق، تُهدِّد إسرائيل على حدودها الشمالية.

بالنظر إلى ذلك، فإن فقدان النفوذ في العراق هو سيناريو لن تكون طهران مستعدةً للترحيب به. ولذا عقب الانتخابات، وصل اللواء الإيراني قاسم سليماني، قائد القوات الخاصة للحرس الثوري الإيراني التابعة للجمهورية الإسلامية (فيلق القدس)، إلى بغداد للدفع باتجاه تشكيل حكومة عراقية مواتية لمصالح إيران.

وفي  الوقت ذاته، وجَّهَت النتيجة التي حصل عليها رئيس الوزراء حيدر العبادي، المرشح المدعوم من واشنطن، ضربةً في وجه المصالح الأميركية تاركةً العراق عرضةً للمحاولات الإيرانية للسيطرة على البلاد.

هناك ما يجمع مقتدى الصدر وحلفاء طهران

وليس مقتدى الصدر وائتلاف الفتح الذي يقوده هادي العامري، زعيم منظمة البدر الحليف لإيران، أصدقاء بالضبط.

لكن كلاهما يكنان ازدراءً عميقاً لأميركا وأعربا عن نيتهما في طرد القوات الأميركية من البلاد. كذلك حصلت عصائب أهل الحق أيضاً، وهي ميليشيا تدعمها إيران وتتواطأ في الهجمات على القوات الأميركية، على مقاعد في البرلمان الجديد.

وسطع نجم الصدر عقب التدخُّل الذي قادته الولايات المتحدة في العراق عام 2003، ذلك عندما أنشأت حركته ميليشيات شيعية قوية حاربت القوات الأميركية. وبعد مرور عقدٍ من الزمن، تُحارب الميليشيات ذاتها القوات الأميركية في سوريا المجاورة، وبالتالي تُعزِّز من سلطة إيران على الأراضي السورية.

في حين أن الصدر ينتقد التدخُّل الإيراني في السياسات العراقية الداخلية، فإنه مُصمِّمٌ على طرد القوات الأميركية من المنطقة مقابل أي ثمن. وهو هدفٌ مشترك قد يؤدي إلى توافق المصالح بين كتلة "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر وائتلاف شباب الفتح بقيادة العامري الذي تدعمه إيران.

ومما زاد الطين بلة أن المنظمة التي كانت تأمل الولايات المتحدة في تهميشها من خلال انتصار العبادي، وهي قوات الحشد الشعبي، حقَّقت أداءً قوياً في الانتخابات. تُعد ميليشيا الحشد بمثابة منظمة جامعة تضم ما يقرب من 140 ألف مقاتل شيعي تجمعهم علاقاتٌ وثيقة بإيران، وأبرزهم عصائب أهل الحق، ومنظمة بدر التي يقودها هادي العامري، وتنظيم سرايا السلام الذي شكله الصدر عام 2014.

الانتخابات نهاية للنفوذ الأميركي بالعراق أم بداية تحويله لساحة لمحاربة إيران

هل نشهد بداية نهاية النفوذ الأميركي في العراق، البلد الذي استثمرت فيه أميركا قدراً كبيراً من الدماء والثروة، أم أن هناك ما يجب فعله لتغيير الوضع المأساوي؟ هكذا يتساءل المسؤول الأميركي الأسبق.

يقول: نعم، هناك ما يمكن فعله، ولكنه يتطلب استراتيجية جادة ومتماسكة وطويلة الأجل، مبدياً الاحتفاء بإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الإثنين، 21 مايو/أيَّار، استراتيجية البيت الأبيض الأوسع نطاقاً للتعامل مع وصفه بسلوك إيران الخبيث، بما في ذلك المطالبة بـ"وجوب سحب إيران جميع القوات الموجودة تحت قيادتها من جميع أنحاء سوريا".

ومن وجهة نظر الكاتب، فإن تلك خطوةً في الاتجاه الصحيح. ولكن  يجب أن يطمس صانعو السياسة في الولايات المتحدة فكرة انسحاب أميركا من العراق من أجل أن تعم المصلحة، وبالمثل عليهم أن يتراجعوا عن فكرة الانسحاب من سوريا كي لا تُترَك البلاد تحت رحمة المرتزقة الإيرانيين، حسب وصفه.

ولكن الأهم يجب التخلي عن الاستراتيجية الحمقاء بشأن العبادي

إن أفضل فرصة للولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في العراق هو التخلي عن استراتيجيتها الحمقاء، بأن يكون العبادي هو محط كل آمالها، حسب بلوك.

وبدلاً من ذلك يرى ضرورة إنشاء كتلة قوية مُتعدِّدة الأعراق منحازة لأميركا، مُكوَّنة من قواتٍ محلية معارضة للتدخُّل الإيراني، لافتاً إلى أنه ليس لدى المجتمعات المسلمة السنية والكردية في جميع أنحاء البلاد أيُّ ثقةٍ، مُطلِقاً تجاه إيران والمُرشَّحين المُنحازين لإيران، مثل العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

ولكن هذا لا يعني التخلي عن العبادي، بل يجب أن تُركِّز أميركا مع العبادي نظراً لأن المحسوبية الأميركية، حسب تعبيره، ستعتمد على اتفاقيةٍ عادلة لتقسيم السلطة بين المجموعات العرقية والدينية المختلفة في البلاد، ما يُعد بمثابة ترياق قوي لطائفية طهران المهلكة، وستؤدي لتهدئة أفضل للمجتمع العراقي المنقسم من جذوره.

كان انسحاب أميركا من خطة العمل الشاملة المشتركة بدايةً للتصدي للأنشطة الإيرانية غير الشرعية. لكن بالنسبة لاستراتيجية العمل الخاصة بالبيت الأبيض، يجب استبدال الاتفاق النووي باستراتيجية أشمل تتناول جميع الأفعال الإيرانية الخبيثة، وسيكون العراق مكاناً جيداً لبدء وضع كلام بومبيو قيد الاختبار.

تحميل المزيد