فضل محمد صلاح على المسلمين ببريطانيا لن ينسوه أبداً.. هكذا غيَّر نظرة الإنكليز وجعل ليفربول تحبهم

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/26 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/26 الساعة 23:08 بتوقيت غرينتش
Soccer Football - Premier League - Liverpool vs Brighton & Hove Albion - Anfield, Liverpool, Britain - May 13, 2018 Liverpool's Mohamed Salah celebrates scoring their first goal Action Images via Reuters/Carl Recine EDITORIAL USE ONLY. No use with unauthorized audio, video, data, fixture lists, club/league logos or "live" services. Online in-match use limited to 75 images, no video emulation. No use in betting, games or single club/league/player publications. Please contact your account representative for further details.

قبل تسعة أشهر من الآن، ومع بداية منافسات الدوري الإنكليزي، لم يكن أحد يتوقع أن يصبح لاعب كرة قدم مسلم وعربي أسطورة في مدينة ليفربول، لكن محمد صلاح نجح في ذلك، حتى بات الدولي المصري قدوةً للجميع في هذه المدينة، التي احتضنت أول مسجد بني في إنكلترا، ويُجمِع المهاجرون المسلمون في ليفربول أن "مو صلاح" كان سبباً في التقارب الذي حصل مؤخراً بين سكان المدينة الإنكليز وغيرهم من المسلمين.

وتقول صحيفة The Washington Post الأميركية، إن ليفربول أمضت الأشهر التسعة الأخيرة تصنع تذكاراً، على أنَّها ستظل منفردةً بكونها سبباً لتوحيد الناس على هذا الكوكب المضطرب، ثم أمطرت بهذا التذكار هذه المدينة الساحلية التي تبلغ من العمر 811 عاماً، حيثُ يلتقي فيها  نهر المرزي بالبحر الأيرلندي. "تجوَّل بالمدينة لأيامٍ قليلةٍ، أيها الأحمق، وربما تعتقد أنَّك تشعر بالحب يملأ هواءها، حتى خارج الحانات".       

ستجدها حاضرةً حين يشجع جماهير أعظم ملاعب العالم فتاةً مصرية في الرابعة من عمرها، بينما تركل الكرة على العشب عقب انتهاء المباراة، إلى أن تثبت كم هي ممتعة، حتى إنَّها تظل تعود للملعب لتسديد مزيدٍ من الركلات.

وستجدها حاضرةً أيضاً حين يقول بائع، يعمل في وسط المدينة ويبيع ملابس نادي ليفربول لكرة القدم، وعدداً هائلاً من قمصان محمد صلاح وأوشحته، إنَّه لاحظ أنَّ صلاح بطبيعته الحيوية وشعره غير المرتب يلقَى بوضوح قبولاً لدى الأطفال. وهي حاضرة أيضاً في النشيد المرح الذي يتردّد في الملاعب والحانات، واجتاح العالم بأكمله: "إذا سجل مزيداً من الأهداف، فسأصبح أنا مسلماً أيضاً".

وبينما يستعد النجم المصري صلاح، البالغ من العمر 25 عاماً، ونادي ليفربول لمباراة السبت 26 مايو/أيار 2018، ضد ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا، مع امتلاك صلاح لرصيد أهداف مدهش من 44 هدفاً سجلها في موسمه الأول مع النادي، تشعر وكأنَّها حاضرةٌ أيضاً هنا، في هذه السيارة.    

"مو" هو من صنع الرابط

أقلت هذه السيارة لتوها شخصاً كان يتجول أمام مسجد. وانتهى سائق السيارة محرز بيركاني (40 عاماً)، وهو جزائري الأصل، لكنَّه يقيم بمدينة ليفربول منذ 18 عاماً، من توصيل رجل عجوز كجزءٍ من التزامه بشهر رمضان الكريم.

والآن عرض إيصال مجموعةٍ غريبة صادف مرورها. وبينما يقود السيارة، يرغب بوضوح وعمق وحماس في توضيح أمرٍ جوهري. فمراتٍ يضرب على ركبته للتأكيد، ومراتٍ يبدأ عباراته بـ"أقسم…"، وفي أخرى تكاد شخصيته تتفجر، على الرغم من أنَّ الوقت كان في أواخر الظهيرة وهو صائم حتى غروب الشمس.        

وقال: "لن تصدق الأمر. أقسم أنَّها حقيقة. أصدقائي الجيدون في ليفربول، كلهم من سكان هذه المدينة. عندما كنتُ معهم، كان هناك دائماً قليلٌ من… كيف يمكنني أن أصيغها، كأنَّهم يقولون: "أوه، أنت مسلم"، مؤكداً أنَّ ذلك لم يكن بنبرة عدم احترام، إنَّما و"كأننا نكاد نكون منعزلين بعض الشيء. منفصلين قليلاً. ولكن أؤكد هذا: صلاح سد الفجوة في العلاقة".

وأضاف بعدها مباشرةً: "الكثير من الأصدقاء من ليفربول، الذين كانوا سابقاً مجرد بعض الأشخاص، لم يكونوا حتى يأتون للزيارة كثيراً. ولكنَّهم الآن يرونك، وأول شخص يذكرونه هو مو صلاح! أصبح هو الرابط".                    

هذا يبرهن كيف يمكن أنَّ تنشأ العجائب في هذا العالم من تسديد 32 هدفاً في 38 مباراة هي عمر الدوري الإنكليزي الممتاز، ليلمع نجم صلاح بشخصيته المتواضعة والودودة أكثر من النجوم أمثال ألان شيرار (1995-1996)، وكريستانو رونالدو (2007-2008)، ولويس سواريز (2013-2014). ويُقِل بيركاني راكباً آخر، وهو صديقه مليك كاركار، جزائري الأصل أيضاً، ويقيم بليفربول منذ 18 عاماً. ويقول كاركار عن صلاح، بينما يجلس في مقعد السيارة الخلفي، إنَّه "هو من صنع الرابط".               

وبينما يُرِيَان أجنبياً على ما يبدو نصف المدينة، يبدو من الواضح أنَّ المدينة يمكن أنَّ تعينهما لإدارة علاقاتها العامة. وظلا يكرِّران التعليق ذاته حول انفتاح ليفربول نحو الأجانب. ويؤكدان أنَّهما يفضلان هذه المدينة على لندن أو باريس، وأنَّهما يعرفان أيضاً كيف احتضنت ليفربول أول مسجد يُبنى في بريطانيا عام 1887، وهي حقيقة أكدتها لوحة تاريخية مُعلَقَة على المبنى. وتحدث كاركار بحماس عن تواضع صلاح، حين اعتذر لحارس مرمى نادي واتفورد أوريستيس كارنيزيس بعد تسجيله 4 أهداف في شباكه. ثم مزحا حول أنَّ أخذ زائري المدينة في جولة يلهيهم عن الإحساس بالجوع.

ثم يقودان السيارة إلى مسجدٍ آخر في منطقة بيني لين، التي ربما تعيد للأذهان فرقة بيتلز الغنائية، ويوضحان أنَّ هذا المسجد المتواضع الجذاب هو المكان الذي يختاره صلاح للصلاة. وبينما يدخل بيركاني المسجد للحظات، يقول كاركار: "كان هناك الكثير من الكراهية تجاه هذه الديانة. ويقولون إنَّ كلهم إرهابيون. وصلاح غيَّر هذا، وهذا أمر رائع، وخلال ستة أشهر! ظل الناس يحاولون فعل ذلك على مدار 300 عام!"

"تحدي" العودة إلى إنكلترا

بالتأكيد، لم يكن أحد ليتخيل ترديد مثل هذا النشيد، في شهر يونيو/حزيران الماضي، حين وقَّع ليفربول صفقة انتقال صلاح إليه من نادي روما، بعد ثلاثة مواسم لم يحقق خلالها ضجةً مماثلةً في نادي تشيلسي في لندن، الذي أعاره لنادي فيورنتينا، ثم إلى روما في الدوري الإيطالي.

ولم يتصور أحد أن يفوز صلاح بجائزة أفضل لاعب في الموسم عدة مرات، مثل ما أوضح صلاح خلال تسلُّمه جائزة اتحاد كتاب كرة القدم: "كنتُ هنا (في إنكلترا) منذ 4 سنوات، وقال كثير من الأشخاص "لن يمكنه النجاح، ولن يستطيع اللعب في الدوري الممتاز. هذا صعب عليه جداً". لذا كنتُ دائماً أنوي العودة. منذ اليوم الأول لرحيلي عن تشيلسي، كانت في ذهني دائماً النية للعودة وإثبات أنَّهم على خطأ. لذا فعلتُ هذا".        

لم يكن أحد ليتخيل أنَّ يُنهي يورغن كلوب، المدير الفني لليفربول منذ ثلاثة أعوام الذي يتمتع بشهرةٍ جنونية، موسم الدوري بالإشادة بتعامل صلاح مع الإطراءات: "تخيل أن يخبرك الجميع كم أنت بارع، أو يمنحوك جائزة الأوسكار على هذا، أو جائزة على ذاك، وحتى جائزة للخروج من السيارة دون التعرض لحادثة".

بالتأكيد لم يتصور أحد أن يُرفع العلم المصري على باب مكتب رئاسة التحرير في Anfield Wrap، وهو موقع شهير للبث الصوتي في ليفربول ومجلة إلكترونية حول كرة القدم والثقافة.   

وحصل على العلم الكاتب والمحرر غاريث روبرتس، أثناء سفره لمصر مع زوجته في عطلة.      

ويقول نيل أتكينسون، الكاتب والمذيع ومنتج الأفلام والمعلق الصوتي لموقع Anfield Wra، إنَّه قدر أنَّ انتقال صلاح للنادي مقابل 36.9 مليون جنيه إسترليني (50 مليون دولار) هو صفقة معقولة، وتبدو الآن أنَّها صفقة رابحة.

لكن لم يكن يعرف أنَّ صلاح سيدفعه لتحليل كيف أنَّ جبهة ليفربول الثلاثية الشهيرة، التي تضم بجانب صلاح البرازيلي روبرتو فيرمينو والسنغالي ساديو ماني -ثلاثتهما مولودون بفارق 258 يوماً عن بعضهم في أواخر عامي 1991 و1992- تفسح المجال لصلاح للتألق بمثل هذا الشكل. ولم يتوقع أيضاً أن يسجل صلاح بكل طريقةٍ ممكنة، عبر مجموعةٍ من المسارات إلى أجزاءٍ مختلفة من الشبكة، وأن يحير جبهات الدفاع في الأندية الأخرى، بينما تحاول فك شفرة ميوله في اللعب. ولم يتوقع بالتأكيد أنَّ يثير صلاح نقاشاً مطولاً حول الترحيب القوي للمدينة بالأجانب، والذي ينشأ بعض الشيء من الشعور بعدم الارتباط بإنكلترا نفسها.        

تسعة أسباب تجعل من ليفربول صديقة للمسلمين

وفي قصةٍ مُستلهمة من صلاح، نُشرت في شهر فبراير/شباط، بعنوان "9 أسباب تجعل ليفربول صديقةً للمسلمين"، كتب آدم كيلويك، وهو كاتب وشيخ مسلم، في السبب الرابع: "بوصفها مدينة ساحلية، لطالما تردّد عليها أشخاص مختلفون من أنحاء العالم. وكان التسامح والترحيب بالآخرين دوماً جزءاً من ثقافة ليفربول".      

ولكن الآن، انظر لكل الأشياء التي قفزت إلى السطح. عثرت الأنباء المحلية على سيدة حوَّلت منزلها بالكامل لمزار لنادي ليفربول، مع لوحة بالحجم الطبيعي لصلاح في ساحة منزلها. وخَصص مطعمٌ في المدينة، وهو مطعم بقشيش لأكل الشارع اللبناني الموجود في شارع بولد، حائطاً لصلاح مُعلَّقاً عليه صورةٌ مألوفة له تعلو فيها وجهه ابتسامته الواسعة، وعلى رأسه القبعة التي يرتديها المسلمون، ويحتفل كذلك بزيارات صلاح القصيرة للمطعم، وتواضعه حين يتموضع لالتقاط الصور، وأهدافه، التي تدفع المطعم -بدافع الدعاية- لمنح الفلافل والحمص بالمجان.

وانضم موظفان لدى Anfield Wrap في العشرينيات من العمر، وهما مساعد المحرر جوش سيكستون وكريس هنان مدير التسويق، حديثاً إلى الحديث الدائر حول كيف أنَّه في الوقت الذي وقعت فيه هجمات إرهابية في مانشستر (انفجار قنبلة في قاعة حفلات في مايو/أيار 2017 أسفرت عن مقتل 22 شخصاً)، وفي لندن (3 هجمات في ربيع العام الماضي)، ظلَّ صلاح يمثل صورة الاعتدال.    

ومن كان يتوقع أنَّه بينما يخبرك سكان ليفربول الواحد تلو الآخر أنَّهم لن يشجعوا إنكلترا بقوة في كأس العالم، يخبرك آخرون أنَّهم ربما يشجعون منتخباً آخر الشهر القادم؛ مصر.

انتهى موسم ليفربول في الدوري الإنكليزي، في 13 مايو/أيار 2018، في مقره التاريخي ملعب أنفيلد، وسط احتفالاتٍ غريبة وجامحة. وغطت قمصان صلاح الممرات. وانتظر المشجعون حافلة الفريق لتمرَّ وسطهم ليحيوها سريعاً، وتوقفوا عند نصب هيلزبوره التذكاري الذي يكرم الضحايا الـ96 في المأساة التي وقعت في الاستاد عام 1989، الذين ظلوا حاضرين في الذاكرة مثلهم مثل غيرهم في أي مكان في الأرض.

وفي غضون ذلك، تابعت الكاميرات شاباً في العشرين من عمره، وهو طالب في السنة الأولى في كلية الصيدلة، لأنَّه قَدِمَ من القاهرة إلى ليفربول، وصادف أنَّ بدايته وفرصه في بريطانيا تكاد تكون مماثلة لتلك التي حظي بها صلاح.     

الجميع يرغب في أن يكون مثل صلاح

وقال الطالب محمد حبيب: "إنَّه شعور رائع في الحقيقة، مشاهدة لاعب مصري مسلم عربي يصبح أسطورةً في ليفربول في هذه الفترة القصيرة، في موسم واحد فقط. إنَّه شيء مدهش حقاً… نحن فخورون به بشدة. هو مثل منارة الأمل لكثير من المصريين والمسلمين والعرب، لأنَّ الجميع يرغبون في أنَّ يكونوا مثل صلاح في مجاله".

وأضاف: "لذلك بسببه تحدَّيت نفسي للقدوم إلى هنا، ودراسة لغة أخرى مختلفة عن لغتي، لأنَّ لغتي الأولى هي العربية. لذا سأمكث هنا لمدة 3 سنوات تقريباً لأتعلم كيف أتحدث الإنكليزية. استلهمتُ كلَّ شيء منه: التحدي والإرادة. هو قدوتي".

ومع إنجازه بالفعل قفزةً مترنحة نحو نهائيات دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 11 عاماً، اختتم ليفربول موسمه في الدوري الممتاز بمباراة منظمة خالية من أي دراما، فاز فيها على برايتون أند هوف بأربعة أهداف للا شيء. وضمن ليفربول المرتبة الرابعة في الدوري، ومعها ضمن المشاركة في الموسم القادم من دوري الأبطال، المسابقة الأرفع مستوى بين أندية كرة القدم. وافتتح صلاح التسجيل، إذ طارت الكرة من ركلةٍ يسرى عبر الملعب لتستقر مباشرةً في القائمة اليمنى من الشباك. وهتف المشجعون، في مدرج سبيون كوب الأسطوري في ملعب أنفيلد، مراراً أغنيتهم التي تقول: "مو صلاح! مو صلاح!  مو صلاح! يجري على الجناح! صلاح لا لا لا لا لا لا، الملك المصري!". 

وبعد ذلك، ووفقاً للتقاليد في ملاعب كرة القدم الإنكليزية، دار اللاعبون حول الملعب مع زوجاتهم وأطفالهم وهم يعربون عن شكرهم للمشجعين. وفي أحد هذه المشاهد يُمكن أن تبدأ قصة رياضية، إذ بدأت مكة، ابنة صلاح ذات الأربعة أعوام تركل الكرة، وفي كل مرة تركل الكرة كافأها الجماهير بصيحةٍ تشجيعية. وعند نقطةٍ ما، حين أنهى والدها تسلم جائزةٍ أخرى، سار عائداً من منتصف الملعب متظاهراً بأنَّه يتحداها، وركل الكرة بعيداً عنها.              

وأطلقت الجماهير صيحات استياء نحوه، في حين ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه؛ فهما يعرفان بعضهما.

تحميل المزيد