بدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تنفيذ خطة سياسية جديدة لتمكين حكمه خلال الفترة المقبلة تحت غطاء من الديمقراطية، وذلك عبر تصدير حزب سياسي كبير تكون له نفس صلاحيات وأدوار الحزب الوطني المنحل، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
فبعد أن ضمن السيسي البقاء في الحكم لأربع سنوات مقبلة، يبدو أن نفخ الروح في الحياة السياسية شبه الميتة أصبح أمرًا لا مفر منه، وبالتالي تحول الأمر من الرهان على القوة إلى الرهان على السياسية بشكلها الذي يخدم النظام ويمنح المعارضة وجوداً ولو رمزياً.
مصدر مقرب من حزب الوفد، أحد اعرق الأحزاب المصرية، قال لـ"عربي بوست"، أن القيادة السياسية في مصر باتت مؤمنة بضرورة إعادة بعض الروح للحياة السياسية بعد 5 سنوات كاملة من الموت. وأنها ترى حالياً ضرورة إيجاد كيان سياسي كبير يساعدها على تنفيذ هذا الأمر على نحو يمنحها مزيداً من الشرعية.
وأوضح المصدر أن لديه معلومات بأن الرئيس السيسي طلب من رئيس حزب الوفد، المستشار بهاء أبو شقة، التحرك لعمل ائتلاف كبير تحت راية الحزب العريق، مقابل أن يقود الوفد الحياة السياسية خلال السنوات المقبلة.
وتابع "لدي معلومات بأن المستشار أبو شقة سيكون رئيس البرلمان المقبل في حين سيكون الدكتور هاني سريِّ الدين، عضو الهيئة العليا للوفد، رئيساً للحكومة".
تحرك على الأرض
يوم الثلاثاء 23 مايو/أيار الجاري، التقى رؤساء مجموعة أحزاب بمقر الوفد بدعوة من أبو شقة لبحث مسألة الاندماج تحت راية الوفد. وناقشوا وثيقة أعدتها القيادة السياسية، بحسب المتحدث.
وحضر الاجتماع أحزاب التجمع والنور والمحافظين والجيل والغد. ولم يتفق الحاضرون على قرار نهائي بشأن الوثيقة، لكن أحد من حضروا الاجتماع قال لـ"عربي بوست" إن حزبي النور (السلفي) والتجمع (اليساري) تحديداً "أمامهم فرصة أخيرة للانضواء تحت راية كيان مدني وإلا سيواجهون مشكلات كبيرة في العمل السياسي"، على حد تعبيره.
وقال رئيس حزب الجيل الذي حضر الاجتماع، ناجي الشهابي، لـ"عربي بوست"، إن مسألة دمج الأحزاب مطلب واقعي بالنظر إلى وجود 104 حزب في مصر. وأضاف "الحياة السياسية في مصر شبه ميتة وقد رأينا أن دمج الأحزاب قد يساعد على تحريك مياهها الراكدة".
وأكد الشهابي أن ما يقال بشأن منح الوفد رئاسة الحكومة أو البرلمان، لا يعدو كونه أحاديث تثور في الكواليس لكن ليس هناك ما يؤكدها. كما أن هذه الأمور لا يمكن جزمها في مصر ما لم يصدر قرار سياسي بها، حسب قوله.
وعن مسألة إعادة إحياء الحزب الوطني المنحل، قال الشهابي إن الأمر ليس على هذا النحو، وإن أي حياة سياسية سليمة تقتضي وجود حزب حاكم يتصدى للإدارة، ومعارضة تتصدى لأخطاء هذا الحزب الحاكم.
وتابع "حزب الوفد حزب عريق وله تاريخ وطني مشرف ولا ينقصه شيء لإدارة الدولة، ومع ذلك فإن المطروح حالياً هو إعادة إحياء الروح للحياة السياسية وليس منح هبات لأحزاب بعينها مقابل تنفيذ أجندات معينة".
ولفت رئيس حزب الجيل إلى أن موات الحياة السياسية هو مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن إحياءها هو مسؤوليتها أيضاً، وهذا ما يبرر ترحيب القيادة بمسألة دمج الأحزاب التي طرحت مؤخراً.
ومع ذلك، يضيف الشهابي، فإن كل ما تم طرحه يظل مجرد مقترحات محل نقاش وقابلة للرفض، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنه سيتم التوافق على الوثيقة المطروحة في الاجتماع المقرر يوم الثلاثاء المقبل 29 مايو/أيار 2018، للبدء فعلياً في خلق معارضة حقيقية والخروج من دائرة الأحزاب المفعول بها القائمة حالياً.
أمر رئاسي في شكل دعوة
وخلال لقاء مع عدد من الإعلاميين والسياسيين دعا السيسي إلى توحيد الأحزاب السياسية في مصر تحت مظلة واحدة، مستنداً في ذلك إلى أن كثرة الأحزاب لم تثر الحياة السياسية وأن كبريات الدول تقوم على حزبين أو ثلاثة وليس على أكثر من 100 حزب كما هو حال مصر.
الدعوة التي أطلقها السيسي ليست جديدة وليست وليدة الصدفة وإنما هي خطة كانت مقررة وأرجئت لأن الأرضية لم تكن مهيأة لها، سيما وأن الغرض منها هو جمع كل الأحزاب تحت راية واحدة تسير خلف الرئيس في نهاية المطاف وتضمن بقاءه في الحكم بشكل ديمقراطي، كما يقول أحد المقربين من العملية لـ"عربي بوست".
المصدر القريب من هذه المسألة يقول إن بهاء الدين أبو شقة، رئيس حزب الوفد، قد يكون فعلاً رئيس البرلمان الجديد (2022) وإن الدكتور هاني سري الدين، أيضاً "قد يكون رئيس وزراء الحكومة المقبلة. أو حكومة ما بعد البرلمان الجديد على أقصى تقدير، ما تتغير الخطة".
وبدأ الاجتماع الأول في مقر الوفد بحي الدقي في التاسعة والنصف من مساء يوم الثلاثاء 22 مايو/أيار 2018، واستمر لثلاث ساعات، تمت خلاله مناقشة الهدف المنشود، وهو خلق كيان سياسي يستحوذ على أغلبية البرلمان ويشكل الحكومة ويدعم الرئيس، كما يقول المصدر.
المصدر نفسه أكد أن الرئيس السيسي أبلغ أبو شقة بشكل شخصي بأن ثمة من يتلهف للعب هذا الدور، وخاصة حزب "مستقبل وطن" وائتلاف "دعم مصر"، وهما يمثلان أغلبية البرلمان الحالي، لكنه يريد الاستفادة من عراقة الوفد.
فرصة أخيرة
اختلف الحاضرون على مسألة الائتلاف او الاندماج، لكنهم أخذوا الوثيقة وقرروا الاجتماع مجدداً يوم الثلاثاء المقبل، للتوصل إلى قرار نهائي، بعدما لاحظوا جميعاً أن العميد محمد سمير، يستمع ويسجل فقط دون أن يتكلم، يضيف المتحدث.
العميد محمد سمير، كما يقول المصدر، قد يتولى ملف الإعلام أو الشباب مستقبلاً.
وحالياً، يقف حزب النور السلفي أمام فرصته الأخيرة للبقاء على قيد الحياة، فإما الاندماج أو الائتلاف تحت راية المدنية وإما مصير من سبقه من الإسلاميين. والأمر نفسه ينطبق على كافة الأحزاب، بحسب المصدر.
ولفت المصدر إلى أن حزب الوفد بات قبلة العسكريين السابقين حالياً، ويبدو أنه سوف يضم عدداً كبيراً منهم حتى يتسنى وضعهم في مناصب تنفيذية كبيرة بعد تشكيله الحكومة.
في الوقت نفسه، تزاحم بعض وجوه الحزب الوطني لإيجاد موضع قدم لها، وذلك عبر التحالف مع ائتلاف دعم مصر وحزب مستقبل وطن لتشكيل الكيان الجديد الذي يريده السيسي.