من يتحمل مسؤولية فشل القمة بين ترمب وكيم؟ الإجابة: في كوريا الجنوبية التي لعبت على الوتر الذي يحبه ترمب

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/25 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/25 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش

فقد أغدقوا ترمب بعبارات الثناء كقائدٍ عالمي حكيم قوي يتجه نحو صنع التاريخ. اقترح مون أن ترمب يستحق جائزة نوبل، وهتفت الحشود لترمب في المسيرات، ما حقَّق متعةً واضحة للرئيس الأميركي.

ترى صحيفة The Guardian البريطانية أن ما جرى في منذ الإعلان عن عقد قمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون، حتى إلغائها المفاجئ أمس الخميس 24 مايو/أيار 2018، يمثل تتابع لقصة كارثية متوقعة الحدوث

فقد كان من السهل أن يتنبَّأ بهذا الفشل أيُّ شخصٍ لديه خبرة في التفاوض مع كوريا الشمالية، فالخبراء حذَّروا دائماً ومراراً من أنَّ واشنطن وبيونغ يانغ تتحدَّثان بأهداف متعارضة.

لم يدرك ترمب ما تعنيه كوريا الشمالية

بدأ المسلسل بأكمله وانتهى بقراراتٍ اتَّخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأدنى حدٍّ من التفكير والتشاور، حيث تعود أصولها إلى زيارةٍ قام بها مستشار الأمن القومي لكوريا الجنوبية تشونغ إيو يونغ إلى واشنطن في 8 مارس/آذار حاملاً رسالةً من الرئيس كيم جونغ أون يعرب فيها عن استعداده للقاء ترمب لمناقشة نزع السلاح النووي لشبه الجزيرة الكورية.

واقتناعاً منه بأن حملته ذات "القدر الأقصى من الضغط" هي التي أجبرت كيم للجلوس إلى طاولة المفاوضات، أصرَّ ترمب على استغلال الفرصة، وطلب من تشونغ إيو يونغ الإدلاء بتصريحٍ فوري للصحافة خارج البيت الأبيض.

لكن سرعان ما أصبح واضحاً أن ترمب لم يدرك ما تعنيه كوريا الشمالية بـ"نزع السلاح النووي". بالنسبة لبيونغ يانغ، العاصمة الكورية الشمالية، فالأمر ينطوي على مفاوضاتٍ مُطوَّلة تُعامل فيها كوريا الشمالية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، كقوةٍ تمتلك أسلحة نووية.

كان كيم قد مدَّدَ عرض المحادثات فقط بعد إعلانه في يناير/كانون الثاني الماضي أن نظامه نجح في تطوير رادع موثوق به يشتمل على رؤوس حربية نووية حرارية وصواريخ باليستية لحملها. رأت كوريا الشمالية نفسها تتفاوض من موقع قوة، إذ صارت قوةً عسكرية جاهزة للتحوُّل إلى التنمية الاقتصادية.

كانت المحادثات بالنسبة لترمب تعني نزع السلاح من جانبٍ واحد.

ووفقاً للصحيفة البريطاينة فإن الفجوة بين التصوُّرين يبدو قد أخفاها تشونغ ورئيسه في كوريا الجنوبية، مون جاي إن، الذي كان في حاجةٍ ماسَّة إلى قبول الولايات المتحدة لأجندة السلام الخاصة به مع كوريا الشمالية لتحظى بفرصة للنجاح.

فقد أغدقوا ترمب بعبارات الثناء كقائدٍ عالمي حكيم قوي يتجه نحو صنع التاريخ. اقترح مون أن ترمب يستحق جائزة نوبل، وهتفت الحشود لترمب في المسيرات، ما حقَّق متعةً واضحة للرئيس الأميركي.

كيف تعاملت إدارة ترمب مع التقارب مع كوريا الشمالية؟

بين مارس/آذار ومايو/أيَّار، أفادت تقارير بأنَّ ترمب قضى وقتاً قليلاً يُدقِّق فيه تفاصيل كيف يمكن إنجاح التفاوض، مُركِّزاً بدلاً من ذلك على عظمة وبهاء الحدث وكيفية الإفراج المنظَّم عن التفاصيل للصحافة.

اتَّبع أعضاء إدارته عشوائياً طريقتهم الخاصة. حدَّدَ مستشاره الجديد للأمن القومي، جون بولتون، مطالب مُتطرِّفة بالتسليم الفوري للرؤوس النووية الكورية الشمالية والمعدات ذات الصلة، والتي ستُشحَن إلى الولايات المتحدة.

أما وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي التقى كيم وجهاً لوجه في مناسبتين، تناوب بين الإلحاح على نزع السلاح النووي بخطوةٍ واحدة، واتباع نهج أكثر تدرُّجاً.

وأشار ترمب إلى أنَّه سيكون على استعداد لقبول هذا النهج الأخير، كاشفاً بعضاً من إستراتيجية التفاوض الأميركية.

في هذه الدوامة، أسقط بولتون بالصدفة قنبلة دبلوماسية، إذ قال في مقابلةٍ تلفزيونية إنَّ الولايات المتحدة ستستخدم "النموذج الليبي" في نزع سلاح كوريا الشمالية. وكان يدور في ذهنه موافقة معمر القذافي على تفكيك وتسليم برنامج الأسلحة النووية الوليد والبدائي في نهاية عام 2003.

كان ذكر النموذج الليبي بالنسبة لبيونغ يانغ بمثابةِ تذكيرٍ بأنَّ القذافي أُطيح به وقُتِلَ بعد 8 سنوات من التخلي عن برنامجه النووي. عمَّق ترمب ونائبه، مايك بنس، ذلك الانطباع بتحذير كيم بأنه سيواجه نفس مصير القذافي إذا لم يبرم صفقةً مع الولايات المتحدة.

أثار هذا التهديد غضباً مُتوقَّعاً من كوريا الشمالية -والذي قدمه ترمب كسبب لإلغاء القمة. لكن بومبيو قال أمام مجلس الشيوخ الأميركي يوم الخميس إنَّ المسؤولين الأميركيين يواجهون صعوبةً أيضاً في تنظيم اجتماعات القمة مع نظرائهم الكوريين الشماليين، الذين التزموا الصمت في الأيام الأخيرة.

وقال فيكتور تشا، المسؤول الأميركي السابق في مجلس الأمن القومي خلال عهد الرئيس جورج دبليو بوش والذي يتمتَّع بخبرةٍ واسعة في المفاوضات مع كوريا الشمالية إنَّ صمت بيونغ يانغ يشير إلى أن واشنطن ربما لم تكن وحدها في تردُّدها بشأن المفاوضات. وكانت بيونغ يانغ قد فعلت الشيء نفسه من قبل في الأشهر التي تلت توقيع اتفاقية لتنفيذ عملية نزع السلاح النووي على مراحل في محادثات سداسية عام 2007.

وتابع تشا: "إنني مندهشٌ من تراجع الكوريين الشماليين عندما يبدو أنهم على وشكِ الموافقة. هذا يجبرهم على اتخاذ خيارات ليسوا على استعداد للقيام بها".

كان البيت الأبيض في عهد ترمب قد رشَّحَ فيكتور تشا لمنصب سفير الولايات المتحدة في سيول، لكن سُحب ترشيحه بعد ذلك عندما عارض استخدام لغة عدوانية تجاه كوريا الشمالية. وقال إنَّ إلغاء القمة "قد لا يكون أمراً سيئاً تماماً إذا أدى إلى مفاوضاتٍ على مستوى أقل" في محاولةٍ لسدِّ الفجوة حول نزع السلاح النووي.

وسواء كانت تلك هي الخطوة التالية، أم العودة إلى المواجهة العسكرية المُتوتِّرة، فإن هذا سيعتمد كثيراً على كيفية استجابة بيونغ يانغ لخطوة ترمب المفاجئة.

تحميل المزيد