مئات العمليات السرية كل يوم والضحايا بالآلاف.. مطالب في المغرب بإباحة الإجهاض واعتباره حرية شخصية

تجري في المغرب ما بين 600 و800 عملية إجهاض بشكل يومي، وتتم كلها خارج القانون وفي سرية تامة. وحسب إحصائيات "الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض"، فإن 13 في المائة من حالات الوفيات لدى الأمهات، تعود إلى الإجهاض السري أو الإيقاف غير الآمن للحمل.

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/25 الساعة 19:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/29 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش

تجري في المغرب ما بين 600 و800 عملية إجهاض بشكل يومي، وتتم كلها خارج القانون وفي سرية تامة. وحسب إحصائيات "الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض"، فإن 13 في المائة من حالات الوفيات لدى الأمهات، تعود إلى الإجهاض السري أو الإيقاف غير الآمن للحمل.

وبعد نحو 3 أعوام من الجمود، يعود موضوع الإجهاض ليطفو من جديد على سطح النقاش العمومي بالمغرب، بعد تقديم حزب "التقدم والاشتراكية"، أحد مكونات الأغلبية الحكومية، مقترح قانون يهدف إلى تجاوز حالة الجمود هذه، وسط أصوات مطالبة بالتجريم الكلي للإجهاض، وأخرى داعية لتقنين ممارسته فقط.

"3 سنوات مرّت تقريباً وما زال الإجهاض السري يخلف ضحايا بالمغرب، كما أن الرُّضع ما زالوا يرون النور بتشوهات خلقية"، تقول ثريا الصقلي العلوي، النائبة البرلمانية عن حزب "التقدم والاشتراكية" (يساري)، وطبيبة أخصائية في النساء والتوليد.

عودة الجدل

خلال شهر مايو/أيار 2015، تدخل العاهل المغربي، الملك محمد السادس، لإنهاء الجدل الكبير حول موضوع الإجهاض بحيث أقر 3 حالات فقط يُسمح فيها بالقيام بهذه العملية.

بلاغ صدر حينها عن الديوان الملكي، حدّد 3 حالات يتم فيها رفع تجريم الإجهاض، وهي: الخطر على حياة الأم الحامل، والحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا محارم، ثم التشوهات الخَلقية والأمراض الصعبة.  

وقبل ذلك، أطلق العاهل المغربي جلسات حوار جمعت كل الحساسيات، أشرف عليها مصطفى الرميد وزير العدل والحريات حينها، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

البلاغ الملكي أعلن أن "الاستشارات، على اختلافها، أكدت أن الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع استثناء بعض حالاته من العقاب؛ لوجود مبررات قاهرة".

واليوم يعود النقاش من جديد عن هذه الظاهرة المنتشرة بكثرة في الخفاء حسب إحصائيات رسمية وغير رسمية.

وزارة الصحة أعلنت، بعد دراسة قامت بها حول الوفيات عند الولادة، أن 4.2 في المائة من المواليد الذين يموتون في أثناء الوضع، يرجع سبب ذلك إلى الإجهاض السري أو انتحار النساء الحوامل.

البرلمانية الصقلي، إحدى المشاركات في صياغة مقترح القانون الجديد، تبرز في حديث مع "عربي بوست"، أن القانون الجنائي المغربي يجرّم الإجهاض منذ سنة 1960، وذلك في الباب المتعلق بالأخلاق العامة.

في الوقت الراهن، من المرتقب أن تدخل تعديلات على القانون الجنائي المغربي، الذي بُرمج قبل أيام للمناقشة داخل البرلمان، "هذه المقاربة تم تجاوُزها الآن بحيث هناك سيرورة علمية وقانونية وحقوقية تفرض إسقاط الإجهاض من العقوبات المندرجة ضمن باب الأخلاق"، تسجّل الصقلي.

غير أن مقترح الحزب اليساري المغربي لا يطالب بتوسيع لائحة الحالات التي يُسمح فيها بالإجهاض، "نحن لا نطالب بتوسيع اللائحة بقدر ما نطالب بحذف المواد التي تُدرج الإجهاض في خانة المس بالأخلاق".

ويتضمن المقترح نقل موضوع الإجهاض من القانون الجنائي إلى قانون الصحة، ومراعاة المعايير المعمول بها دولياً، وتبسيط إجراءات السلامة والولوج إلى خدمات الصحة الحكومية.

"نطالب أيضاً بأن تُنظَّم عملية الإجهاض، وأن تتم تحت رعاية الأطباء المختصين، كما يتضمن المقترح عقوبات بشأن الإجهاض السري"، تؤكد البرلمانية اليسارية.

قتل أمْ حرية شخصية؟

إنهاء حياة جنين أمر يشبه القتل، و"ديننا يُحرِّم القتل من دون وجه حق"، يقول حسن (46 عاماً)، الموظف الحكومي، لـ"عربي بوست"، مضيفاً أن تجريم هذا الفعل يجب أن ينبني على هذا الأساس، كما يجب فرض مزيد من المراقبة على الأماكن التي يتم فيها بشكل سري.

خلافاً لهذا الرأي، تذهب منى، وهي طالبة باحثة في علم الاجتماع ، إلى أن هناك بعض الحالات التي لا يمكن فيها للمرأة الاحتفاظ بالجنين؛ ومن ثم لا يمكن إرغامها على تحمُّل هذه المسؤولية مدى الحياة.

الطالبة الجامعية تضرب مثلاً بالمرأة التي تتعرض للاغتصاب الناتج عنه حمل، وهي جريمة شائعة في المغرب، متسائلةً: "كيف يمكن لهذه الفتاة، وخاصة عندما تكون في سن صغيرة، أن تنجب هذا الابن وأن تتحمل مسؤوليته، بحيث سيظل يذكرها بهذه الحادثة الأليمة التي تعرضت لها؛ بل أكثر من ذلك ستنقل "جينات مغتصبها إلى ابنها".

في المقابل، لا ترى سعيدة، وهي ربَّة بيت، أي فائدة من ذلك، معتبرةً أن "الإجهاض أصبح حلاً سهلاً للفتيات اللاتي يحملن بسبب العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج". وتدعو هذه السيدة إلى معاقبة الواقفين وراء هذه العمليات؛ "لأنها تزايدت بكثرة في السنوات الأخيرة".

فقبل اليوم، كان الإجهاض -حسب سعيدة- يتم بشكل تقليدي، وكان محصوراً بين نساء قليلات خبيرات في هذا المجال. "مع ذلك، لم يكنّ يقمن به لصالح أية امرأة طلبت ذلك، فالأمر بمثابة إزهاق روح، والروح لها قيمة كبيرة عند الله".

مطالب تصطدم بالدِّين

قبل أشهر قليلة، وجّه البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس "الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري"، رسالة إلى سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، يطالبه خلالها بتسريع إخراج القانون المتعلق بالإجهاض.

وسبق لمجلس الحكومة، سنة 2016، أن صدَّق على مشروع قانون متعلِّق بتنظيم الإجهاض، قبل أن يتم وضعه جانباً.

"لهذا السبب راسلنا رئيس الحكومة؛ لمعرفة مصير هذا المشروع"، يقول الشرايبي لـ"عربي بوست".

وأضاف أن جواب رئيس الحكومة أكد أن مشروع القانون الجديد ليس مجمَّداً؛ بل هو تحت أنظار البرلمان، في انتظار مناقشته النهائية والتصديق عليه.

وعكْس المقترح الذي جاء به حزب "التقدم والاشتراكية" الذي يسيّر قطاع الصحة، فإن الشرايبي، الذي خاض صراعات طويلة مع أطراف حكومية خلال السنوات الماضية حول هذا الموضوع، يطالب بتوسيع لائحة الحالات التي يُسمح فيها بالإجهاض.

"هذه الحالات ليس كافية، ستحل 15 في المائة فقط من حالات الإجهاض التي تتم بالمغرب"، يسجّل الشرايبي، مضيفاً أن "المطلوب هو ربط الحالات المسموح فيها بالإجهاض بالوضع الصحي كما تعرِّفه منظمة الصحة العالمية، أي الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وفي كل الحالات التي تكون فيها الصحة بمعناها الواسع مهددة، من الممكن القيام بالإيقاف الآمن للحمل (الإجهاض)".

غير أن رئيس الحكومة المغربية متشبِّث بأن يحترم القانون الجديد تعاليم الدين الإسلامي، حسب الجواب الذي بعث به لرئيس "الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري".

وأبرز رئيس الحكومة أن القانون المنتظر سيقنِّن حالات الإجهاض في الظروف التي يصبح للحمل فيها آثار صحية واجتماعية ونفسية سلبية على المرأة والأسرة، والجنين، والمجتمع. وهي الحالات، التي "يشكل فيها الحمل خطراً على حياة الأم، أو على صحتها، في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب، أو زنا المحارم، وعندما تكون الحامل مصابة بالخلل العقلي، وفي أثناء ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة، أو تشوهات خلقية خطيرة، وغير قابلة للعلاج في وقت التشخيص".

لحسن سكنفل، عضو بالمجلس العلمي الأعلى (هيئة دينية)، يشدد على نقطة احترام الدين الإسلامي. ويقول لـ"عربي بوست"، إن "حق الحياة مكفول لكل نَسمة خلقها الله تعالى، والجنين ببطن أمه له الحق في الوجود حتى ولو كان مِن زنا".

وأضاف سكنفل: "إلا أنه إذا كانت هناك خطورة على صحة المرأة وحياتها، فإن إسقاط الجنين يصبح مباحاً. وهذا ما ذهب إليه أغلب الفقهاء".

علامات:
تحميل المزيد