أقوى رجال المنطقة؟.. بوتين يخاطب السعودية والحوثيين ويحاور طهران وتل أبيب ويتلاعب بالجميع

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/24 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/24 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
Russian President Vladimir Putin and Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu shake hands during a meeting at the Kremlin in Moscow, Russia May 9, 2018. Sergei Ilnitsky/Pool via REUTERS

كانت القاعة الفاخرة تشبه منطقة الشرق الأوسط، بفوضاها وصراعاتها المعقدة، ومستقبلها الغامض.

اجتمعوا هناك في فبراير شباط/ الماضي. التقوا قريبا من البحيرة الصناعية الصغيرة لفندق إنتركونتننتال الفاخر بموسكو، تحت شعار بحثي واضح الهدف: استعراض النفوذ الجديد الذي يتمتع به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط.

وحمل المؤتمر اسم "روسيا في الشرق الأوسط: اللعب على كافة الجبهات"، وكان هدفه المعلن هو الترويج لعلاقات موسكو بكافة أطراف المنافسات والنزاعات الساخنة بالمنطقة.

لكن من كان هناك؟

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.

المبعوث الأممي الإسرائيلي السابق دور جولد.

وعضوة المجلس التشريعي الفلسطيني سحر القواسمي.

ووزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي.

وآخرون.

نظم المؤتمر مركز أبحاث Valdai Discussion Club المؤسس عام 2004 بمبادرة من المجلس الروسي للعلاقات الدولية، الذي تشرف عليه وزارة الخارجية الروسية، وشركاء آخرين.

تحول الاجتماع إلى انتقادات لاذعة، بمجرد أن غادر ظريف ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجلسة الافتتاحية، حسب تقرير لموقع  The Daily Beast الأميركي.

وشرع الباحثون والمسؤولون السابقون وأصحاب المصلحة الحاليون الذين يمثلون العديد من الحكومات والحركات في المناقشات والجدل معاً.

فقد انتقد الأكراد الأتراك.

وتبادل كل من الإسرائيليين والفلسطينيين الهجوم والإدانة.

أما الإيرانيون والإسرائيليون، فقد تجاهل كل منهما الآخر كالمعتاد.

أنصار النظام السوري هاجموا ممثلي تركيا لمطالبتهم بقتال بشار الأسد نيابة عن المعارضة.

"تحول الأمر إلى مباراة في الصياح، وكان واضحاً أن الروس يحاولون الجمع بين هؤلاء المسؤولين لتسوية تلك النزاعات، ولكن لم يقدم الروس أي مقترحات، فقد كانوا يريدون أن يتحدث الجميع دون أن يتزحزح أحد عن موقفه"، كما لاحظ مارك كاتز، المتخصص في العلاقات الروسية الشرق أوسطية بجامعة جورج ميسون.

الروس انتهازيون يرتجلون قرارات قصيرة الأمد

زادت روسيا خلال السنوات القليلة الماضية من نفوذها في الشرق الأوسط إلى حد كبير، حيث جعلت من نفسها وسيطاً قوياً مع تراجع الوجود والاهتمام الأميركي.

ومع ذلك، يتشكك الكثيرون في قدرة الكرملين على إدارة أو تسوية أي من تلك النزاعات، وخاصة سوريا، حيث تشرع إسرائيل وإيران في الاقتتال بشأن وجود القوات التي تدعمها إيران في المنطقة.

وفي أعقاب المواجهة الأخيرة بين القوات الإسرائيلية والقوات الموالية لإيران في سوريا، يواجه الدبلوماسيون والباحثون إمكانية أن تكون روسيا قوة عظمى أخرى تعبث بالشرق الأوسط، وتغرّها أوهام العظمة، بدلاً من أن تكون عقلاً مدبراً شريراً.

السفير الأميركي السابق إلى سوريا روبرت فورد قال: "يبدو لي أن الروس انتهازيون. ولا أعتقد أن لدى بوتين استراتيجية كبرى. فهم يرتجلون طيلة الوقت ويتَّخذون قرارات قصيرة الأجل ويأملون في نجاحها".

وبوتين يقف من الجميع على مسافة واحدة غامضة

بوتين كان قد التقى في 9 مايو/أيار 2018 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو. وفي اليوم التالي، كانت وقعت الضربات الجوية الإسرائيلية في 10 مايو/أيار، التي استهدفت المرافق الإيرانية المزعومة.

وسرعان ما التقى بحسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. والتقى يوم الخميس الماضي بالأسد في مدينة سوتشي، الواقعة على البحر الأسود، وأخبره أن الروس يتوقعون "انسحاب القوات المسلحة الأجنبية" من سوريا، في إشارة غامضة إلى الميليشيات الموالية لإيران داخل الدولة، أو إلى القوات التركية والأميركية التي تزعج دمشق.

تجاهل الأسد ووسائل الإعلام السورية الرسمية ببساطة ذلك التعليق، بينما أصرت إيران على أن وجودها بسوريا يأتي بناءً على دعوة حكومة دمشق.

وفِي حين يبدو أنَّ بوتين يتلاعب بالجميع، ويخبر كل زعيم بما يريد أن يسمعه، فإنهم ربما يتلاعبون به أيضاً.

وقال أليكسي كليبنيكوف، خبير شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الروسي للشؤون الدولية: "الإيرانيون والسوريون يخبرون بوتين بأن كل شيء على ما يرام، ولكنهم يفسدون خططه في النهاية، فكم مرةً حاولت روسيا عقد صفقات مع الولايات المتحدة أو تركيا، ولكن تقوم سوريا وإيران بعمل مستفز وتفسد الخطط الروسية؟"، حسب تقرير موقع The Daily Beast الأميركي.

وليس عنده سوى اقتراح الحوار حلاً لكل الأزمات

ومن المؤكد أن بوتين أصبح يحظى بنفوذ هائل. فهو الشخص الذي يستطيع الاتصال هاتفياً بطهران أو تل أبيب، ويستطيع أن يجعل معاونيه يلتقون مع الأسد وخصومه من المعارضة المسلحة في تركيا.

ويلتقي مبعوثه في لبنان مع كل من نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم ورئيس الوزراء الذي يدعمه الغرب سعد الحريري.

ويستطيع أن يوجه رسالة سريعة إلى متمردي الحوثي في صنعاء وإلى القيادات العسكرية السعودية والإماراتية، التي تتولى قيادة الحرب ضد متمردي الحوثي.

ويعتبره خليفة حفتر في ليبيا حليفاً له، بينما يلجأ خصوم حفتر في طرابلس ومصراتة إلى الكرملين أيضاً.

ومع ذلك، يشير المراقبون إلى أن إمكانية الوصول تختلف عن امتلاك النفوذ. وعادة ما يكون الحل الذي تقدمه موسكو واحداً، وهو الحوار. وفي الواقع، بعد تصاعد حدة التوتر بين إيران وإسرائيل في أعقاب الضربات الجوية في 10 مايو/أيار، اقترح لافروف "الحوار" بين الدولتين، وهو اقتراح تعتبره العديد من الدول غير واقعي.

وقالت نيكول جغراجيفسكي، الباحثة بجامعة أكسفورد المتخصصة في العلاقات الإيرانية الروسية: "الروس يخبرون الجميع بما يريدون سماعه بالضبط". "سيقولون شيئاً لدولة ما. ومع ذلك، يتناقض ذلك مع ما يخبرون به الدولة الأخرى تماماً، فالروس يتوسطون بين إسرائيل وإيران في سوريا، وهو الأمر الذي لا تستطيع الولايات المتحدة القيام به. ومع ذلك، فإنهم يتلاعبون بالجميع، ولا أعتقد أن الأمر كما يبدو".

حتى عندما وقع هذا الاشتباك الهائل بين حليفيه

محاولة الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط ستخلق فراغاً تشغله قوى عالمية أخرى، هي روسيا والصين، هكذا حذَّر الباحثون والدبلوماسيون منذ وقت طويل.

ولكن كل من إدارتي أوباما وترمب أشارتا إلى قبول تلك الإمكانية. ومع ذلك، أدى التوتر المتصاعد في سوريا بين إسرائيل وإيران إلى مخاطر رغم المناورات الروسية بالمنطقة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر مايو/أيار 2018، أطلقت القوات الإيرانية والقوات التي تدعمها وابلاً من الصواريخ على مرتفعات الجولان، التي تخضع لاحتلال إسرائيل، رداً على إطلاق المدفعية الإسرائيلية النار على مواقع في منطقة القنيطرة جنوبي سوريا، بحسب ما ذكرته دمشق.

وردَّت إسرائيل بموجة هائلة من الضربات الجوية ضد القواعد والمرافق الإيرانية المزعومة في أنحاء البلاد، حيث ألحقت بالبنية الأساسية لطهران في سوريا خسائر وصلت إلى 750 مليون دولار.

وبعد ذلك، كرَّرت موسكو الدعوات الدولية بالتهدئة وتخفيف حدة التوتر بين إيران وإسرائيل حول سوريا، ولكنها لم تقف إلى صفِّ أيٍّ من الدولتين خلال المواجهة، حيث تعتبر كلاً منهما حليفاً لها.

يمرر المعلومات من إسرائيل لإيران وتساومهما

في ظل غياب الحلول التي يمكن أن تقدمها، تستغل موسكو النزاعات في الشرق الأوسط لتوطيد مكانتها ونفوذها، دون تحسين الأوضاع على الإطلاق. وقال كاتز: "يرون أن تلك النزاعات فرصة ينبغي اغتنامها من الأطراف المعارضة. ويكره كل من الطرفين الآخر، ويعتقد أن روسيا تتعاون مع الطرف الآخر، ولذا يتعين عليه التحدث إلى موسكو".

ويتمثل التساؤل في أنه من خلال تسليح أو تشجيع أو تمكين كافة أطراف نفس النزاع، هل يسهم ذلك في توسيع نطاق النزاع؟

في النزاع بين إيران وإسرائيل في سوريا، يبدو أن روسيا تستغل علاقاتها المكثفة باعتبارها أوراق مساومة. فقد رفضت خطة لتسليم أنظمة S-300 المضادة للطائرات إلى سوريا، كوسيلة لإرضاء إسرائيل. ومع ذلك، يُذكر أن روسيا طلبت أن تتولى إسرائيل إخطار موسكو بأي ضربات جوية مسبقاً، وهي المعلومات التي تستطيع، بل ومن المحتمل أن تمرّرها إلى الإيرانيين والسوريين، الذين تكبَّدوا الحد الأدنى من الخسائر خلال ضربات 10 مايو/أيار الجوية.

وقال جليبنيكوف: "يمنح ذلك موسكو اليد الطولى، بحيث تستطيع إخطار حلفائها السوريين والإيرانيين بأي ضربات جوية. فإن ذلك يدعم نفوذها".

ولكن هناك حدودا لنفوذه في سوريا

يمكن أن تلعب روسيا دوراً بناءً في سوريا، من خلال تنسيق الرسائل بين كلا الطرفين، ومنع أي منهما من تجاوز الحدود الأمنية للآخر. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي توجه روسيا نحو النزاع السوري إلى تفاقم مخاطره أيضاً. ورغم أن إيران وإسرائيل لا تسعيان وراء مواجهة شاملة بشأن سوريا، فإن المواجهة يمكن أن تندلع على أي حال.

وترى إيران وإسرائيل أن مصالحهما الأمنية متناقضة. فمن ناحية، لن تتحمل إسرائيل نفوذ إيران المتنامي في سوريا. ومن ناحية أخرى، لن تتخلى إيران عن مكاسبها في سوريا، دون الحصول على تنازلات في المقابل. ففي اتفاق كامب ديفيد لتعزيز السلام بين مصر وإسرائيل، منحت الولايات المتحدة كلا الطرفين الأموال والتأكيدات الأمنية. ولا تحظى روسيا بمثل هذا النفوذ على سوريا أو إيران أو إسرائيل.

ونقل موقع The Daily Beast الأميركي عن يوري بارمن، خبير شؤون الشرق الأوسط في موسكو "إننا ندرك أن بوتين لديه خطة كبرى لسوريا، ويعرف كيف يحقق التسوية. قد لا يهتم بالتوصل إلى حل، فهو راضٍ عن النتائج فعلياً، فقد وطَّد مركزه في سوريا ووجوده في الشرق الأوسط. وما يحدث الآن لا يهم كثيراً. وربما أنه يتقبل نزاعاً محدوداً بين إسرائيل وإيران في سوريا".

تحميل المزيد