إذا كان السعوديون قد اشتكوا من إشارة أوباما بأنهم “ركاب مجانيون” فإنَّ ترمب يطالبهم الآن بالمليارات.. عاصفة “نادر وبرويدي” تكشف الرهانات الخليجية الخاطئة

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/23 الساعة 16:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/24 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش

ربما كان الرئيس باراك أوباما قائداً عالمياً مشهوراً دولياً، لكنَّ شعبيته لم تمتد إلى كثير من الحكومات العربية، التي ربما  تفضل الرئيس الحالي دونالد ترمب عليه، على عكس أغلب دول العالم، وخاصة حلفاء أميركا.

كانت مشكلة أوباما تكمن في تشكُّكه حيال حلفاء أميركا بالشرق الأوسط، وهو التشكك الذي نادراً ما كلَّف نفسه عناء إخفائه.

على سبيل المثال، في المقابلة التي أصبحت الآن سيئة السمعة مع مجلة Atlantic الأميركية، أشار أوباما إلى أنَّ حلفاء الولايات المتحدة "سيتعيَّن عليهم إيجاد سبيلٍ فعَّال لتشارك الجوار وإقامة نوعٍ من السلام البارد" مع إيران. وعند سؤاله عما إذا كانت السعودية حليفاً، ابتسم أوباما وقدَّم رداً فاتراً، قائلاً إنَّ "الأمر معقَّد".

وهكذا، وقبيل انتخابات الرئاسة الأميركية 2016، رأت بلدان مثل السعودية والإمارات رئاسة ترمب المحتملة كفرصة لإحداث تغيير، واستعادة العلاقة المميزة مع الولايات المتحدة، حسب مقال لآدم تايلور: الكاتب في الشؤون الدولية في صحيفة The Washington Post الأميركية.

لكن أحد الأسئلة الكبرى الآن يتمثَّل فيما إذا كانت تلك القوى الخليجية ستندم على وضع رهاناتها على ترمب أم لا.

السعودية والإمارات تعتبران حكم ترمب فرصة لاستعادة العلاقات

"كان هناك شعور بالخيانة في عهد الرئيس أوباما"، حسب سمية الجبرتي، رئيسة تحرير صحيفة Saudi Gazette السعودية، التي تعلق على هذه الفترة بالقول "لقد شعر السعوديون بأن الولايات المتحدة ليست التي عرفناها طوال حياتنا".

"ولكن تحت حكم ترمب، قد تكون هذه حقبة ممكنة لاستعادة العلاقات"، هكذا قالت سمية لصحيفة The Washington Post، غداة زيارة ترمب الشهيرة  للمملكة العام الماضي.

وفي الأيام القليلة الماضية، خرجت تقارير تشير إلى أنَّ مشاعر تلك القوى الخليجية المؤيدة لترمب ذهبت إلى ما هو أبعد من مجرد الدعم المعنوي.

إذ ذكرت صحيفة The New York Times ووكالة Associated Press الأميركيتين هذا الأسبوع، أنَّ مبعوثين ادعوا أنَّهم يعملون نيابةً عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عرضوا أولاً مساعدة حملة ترمب عبر "حملة تلاعب على الشبكات الاجتماعية"، ولاحقاً حاولوا التأثير على ترمب بعد توليه المنصب.

وكما ذكرت صحيفة The Washington Post، ساعد أحد المبعوثين المزعومين -رجل الأعمال اللبناني الأميركي جورج نادر- أيضاً في تنظيم لقاءٍ، في يناير/كانون الثاني 2017، بجزر سيشل بين إريك برنس، مؤسس شركة الأمن الخاصة بلاك ووتر، ومسؤولين إماراتيين، ومصرفي روسي مُقرَّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويتعاون نادر حالياً في التحقيق الجاري حول التدخل الروسي في انتخابات 2016 ويقوده المحقق الخاص روبرت مولر.

أزاح المسؤولون السعوديون والإماراتيون قصتي صحيفة The New York Times ووكالة Associated Press جانبا، وليس واضحاً ما إذا كان نادر وشريكه، جامع التبرعات الجمهوري إليوت برويدي، مُقرَّبين من وليي العهد كما ادَّعيا.

مع ذلك، ليس من شكٍّ يُذكَر في أنَّ كلاً من السعودية والإمارات سعيتا لعلاقةٍ وثيقة مع ترمب، رغم قلة خبرته وانتقاداته المتكررة للعالم الإسلامي، حسب كاتب المقال.

رغم أن الرهان السعودي في الانتخابات ذهب أولا باتجاه هيلاري

وبحسب كاتب المقال  فإنه بالنسبة لدول الخليج، كان فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات سيُمثِّل مشكلة. إذ كان هناك قلقٌ واضح من أنَّ المرشحة الديمقراطية قد تواصل سياسات أوباما التي أشعرتهم بالظلم.

وبالفعل، أظهرت رسائل بريد إلكتروني مُسرَّبة نشرها موقع WikiLeaks في 2016، أنّ كلينتون تواصلت سراً مع السعودية بسبب مزاعم عن تمويل الأخيرة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى في سوريا، وهو الاتهام الذي لطالما أغضب الرياض.

والمفترض أن ترمب يبدو المرشح الأقل حظاً في فرص الحصول على دعم بلدين عربيين مسلمين بالمقارنة مع هيلاري. إذ كان رجل الأعمال السابق متشككاً كبيراً في كل المسلمين أثناء الحملة الانتخابية.

إذ قال ترمب لشبكة CNN إنَّ "الإسلام يكرهنا"، ودعا لفرض حظرٍ على دخول المسلمين البلاد. وانتقد أيضاً السعودية على وجه التحديد؛ فخلال المناظرة الرئاسية، أشار ترمب إلى أنَّ الناس في المملكة "يقتلون النساء ويعاملوهن على نحوٍ مريع".

لكن ظهور نادر وبرويدي تحول بالرهان إلى حملة ترمب

 لكنَّ حملة ترمب كانت أيضاً تعاني من نقص الموظفين والإجهاد، حسب تايلور.

وعيَّنت الحملة، التي كانت مرفوضة من مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، مجموعة من المستشارين من هنا وهناك في الشؤون الدولية.

واشتمَّ الوسطاء الماكرون أمثال جورج نادر وإليوت برويدي رائحة فرصة لنشر نفوذهم، والأهم فرصة لجني الأموال.

وتشير الأدلة التي نشرتها وكالة Associated Press إلى أنَّهما عاملا جماعة ترمب في بعض الأحيان بازدراء؛ ففي رسالة من نادر إلى برويدي، أُطلِق على جاريد كوشنر، صهر الرئيس الذي كان مُكلَّفاً بالتوصل إلى خطة للسلام في الشرق الأوسط، بـ"مُهرِّج العهد" Clown Prince.

ونشر حساب وكالة Associated Press على موقع تويتر تغريدة أرفقها بمجموعة وثائق، وعلَّق: "اقرأوا رسائل البريد الإلكتروني الرئيسية التي يُروِّج فيها جامع تبرعاتٍ لترمب وشريكه للإدارة بأنَّهما قناة خلفية لوليي عهدٍ خليجيين فيما يضغطان ضد قطر".

وبصرف النظر عن الدور الذي لعبه نادر وبرويدي في نهاية المطاف، تشير العلامات الأولى إلى أنَّ السعودية والإمارات كانتا من بين أكبر الرابحين من رئاسة ترمب.

مؤشرات دعم ترمب للأمير محمد بن سلمان بدأت تتوالى

ففي أول زيارة خارجية له بعد توليه المنصب، خالف ترمب التقاليد وتوجه إلى الرياض بدلاً من العاصمة الكندية أوتاوا أو مكسيكو سيتي. وبينما كان هناك، كال المديح لمستضيفيه وحلفائهم، قائلاً إنَّه لم يأت لـ"إلقاء محاضراتٍ" على المسلمين، في انتقادٍ ربما لخطاب أوباما التاريخي عام 2009 بجامعة القاهرة.

ألقى ترمب بثقله خلف خطط بن سلمان الطموحة للإصلاح الداخلي في السعودية، ودعمه حتى في تغريدةٍ أثناء الحملة المثيرة للجدل التي قام بها ضد الأمراء المنافسين له.

ودعم في البداية التحرك الذي تقوده السعودية والإمارات لعزل قطر، وغض الطرف إلى حدٍّ كبير عن التجاوزات المزعومة لتدخُّلهما العسكري في اليمن. وفي الشهر الماضي أبريل/نيسان، تراجع عن واحدةٍ من سياسات أوباما التي أزعجت الدولتين، وسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

ولكن ترمب أغضب شعوب الخليج بأكثر من مناسبة

أدَّى عدم القدرة على التنبؤ بأفعال ترمب وافتقاره لسياسة خارجة شاملة إلى ظهور عقبات غير متوقعة في طريقه.

فالمحاولات المتكررة لمنع الزائرين من البلدان ذات الغالبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة، ونقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل إلى القدس، ومقترح السلام في الشرق الأوسط الذي لم يصدر بعد، كل هذه الأمور ربما لا تزعج وليي العهد السعودي والإماراتي، لكنَّها جميعها مُثيرة للانقسام في أوساط شعبيهما، حسب التقرير.

في هذه الأثناء، مرَّ دعم ترمب لحصار قطر بمراحل مدٍّ وجزر -ربما بسبب مناورات النفوذ التي قامت بها الدوحة نفسها- وأشار مراراً إلى رغبته في سحب الولايات المتحدة من سوريا.

وقد يكون في النهاية أسوأ من أوباما بالنسبة لدول الخليج

وختم الكاتب مقاله بفرضية تقول "ربما المشكلة الأكبر هي أنَّ ترمب في نهاية المطاف قد يكون أكثر تجاهلاً للخليجيين من سلفه"، حسب تقرير الصحيفة الأميركية، والأسوأ أنه يبدو أكثر طمعاً، في أموالهم كما تشير تصريحاته.

وإذا كان الأمراء السعوديون اشتكوا من أنَّ أوباما قد أشار ضمناً إلى أنَّهم "ركاب مجانيون" (يستفيدون دون أن يشاركوا في التكاليف)، فإنَّ ترمب قد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، مُطالِباً إياهم بالمليارات، ومشيراً إلى أنَّ دولهم "لن تستمر لأسبوع" دون الحماية الأميركية.

وقد يكشف المحقق الخاص روبرت مولر عن المزيد من التفاصيل المحرجة بشأن محاولات السعودية والإمارات إيجاد أرضية مشتركة مع ترمب، أو نقطة رخوة يمكنهما استغلالها لصالحهما. وكلما كثرت المعلومات التي تظهر، زاد تساؤل وليي العهد حول ما إذا كانت جهودهما استحقت هذا العناء أم لا.

تحميل المزيد