القضية دوماً تغلق ضد مجهول! الرصاص في ليبيا قتل الكثيرين من الرضع حتى كبار السن دون أن يُعاقَب أحد

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/22 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/22 الساعة 18:17 بتوقيت غرينتش

رصاصة طائشة استقرَّت في قلب العروس الليبية فاطمة التاجوري "25 عاماً" في أحد شوارع بنغازي، حوَّلت حفل زفافها إلى مأتم، في مشهد يتكرَّر على مدى السنوات الأخيرة، ويراه أهالي المنطقة أمراً طبيعياً، بل حتمياً في ظل انتشار أكثر من 20 مليون قطعة سلاح في ليبيا، أي ما يعادل أربعة أضعاف سكان البلاد تقريباً، بحسب إحصائيات أممية.

منذ ثورة فبراير/شباط 2011، حين أمر القذافي بفتح مخازن الأسلحة والذخائر، استولى مواطنون من مختلف الأعمار على ملايين قطع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة خلال أيام من الانتفاضة، إضافة إلى الأسلحة التي دخلت البلاد من كل جهة بسبب الانفلات الأمني، الملف الذي كان على رأس جدول أعمال اجتماع وزير الخارجية بحكومة الوفاق الوطني محمد سيالة، مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، قبل أسابيع، لبحث كيفية البدء في خطوات عملية نحو نزع السلاح.

انتشار ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في الأعراس  والمناسبات الليبية بين الشباب والمراهقين بشكل خاص يرجعه البعض إلى التأثير النفسي للحروب التي شهدتها البلاد بمختلف مناطقها، على مدار السنوات السبع الماضية، مع انتشار الأسلحة وغياب القانون وترهّل مؤسسات الدولة، الأمر الذي أسهم في ارتقاء هذه العادة الاجتماعية إلى مستوى الظاهرة في الشرق الليبي بوجه خاص.

فمثلاً، في شرقي بنغازي 500 كيلومتر، وبعيداً عن الحرب في مدينة طبرق تحديداً، مقر مجلس النواب الليبي، رصاصة عشوائية أيضاً أودت بحياة الطفل محمد شعيب، بعد أن أطلق عدد من المحتفلين أثناء أحد الأعراس النار في الهواء بشكل عشوائي، بالقرب من ملعب كرة قدم كان الطفل اليتيم والوحيد لدى أمه.

يقول أحد أقاربه لـ"عربي بوست"، كان الطفل البالغ من العمر 12 عاماً يلعب ويشارك أصدقاءه لعبة كرة القدم، فتعرَّض لإصابة بالغة، بعد أن استقرت رصاصة سلاح حربي "كلاشينكوف" وسط الجمجمة، أدت إلى "وفاته بعد يومين  من دخوله العناية المركزة" بالمستشفى الرئيسي بالمدينة.

قرارات لا تُطبَّق

الرصاصات الطائشة تلك دفعت رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة التابعة للبرلمان، الفريق عبدالرازق الناظوري، إلى تعميم أوامره لرجال الأمن بالقبض على أي شخص يُطلق الرصاصَ سواء في سيارة مدنية أو عسكرية، مطالباً وسائل الإعلام بالمساهمة في إنهاء هذه الظاهرة.

مديرية أمن بنغازي بدورها حذَّرت المواطنين والعسكريين على السواء من إطلاق الرصاص العشوائي خلال الأفراح والمناسبات بشوارع المدينة، وفي الأحياء السكنية على وجه التحديد، من خلال منشور على الصفحة الرسمية للمديرية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أكدت فيه المديرية تعرّض كل  من يخالف التعليمات للمساءلة القانونية، مطالبة الجميع بالتعاون مع العناصر الأمنية، للحدِّ من مخاطر هذه الظاهرة، التي تطال الأبرياء من مختلف الأعمار.

قرارات جاءت بعد حالة سخط شعبي كبير، رافقتها حملات لنشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد حادثة مقتل الشابة فاطمة التاجوري، التي تعرَّضت لرصاصة طائشة استقرَّت في قلبها مباشرة، داخل السيارة التي كانت تقلها رفقة شقيقيها على الطريق السريع، قرب جزيرة نادي الهدف، بمدينة بنغازي، شرقي ليبيا، أثناء تسوقها بغرض التجهيز لعرسها المقرر بعد أيام  حينها.

الحادثة التي أثارت تعاطف وغضب رواد شبكات التواصل الاجتماعي في ليبيا، وبنغازي تحديداً. ونشرت مصادر أمنية بالتزامن عبر الإنترنت تفاصيلها، مؤكدة أن الفتاة كانت رفقة شقيقيها بالسيارة، وتعرضوا للرماية بوابل من الرصاص بشكل عشوائي من قبل مسلحين، مؤكدة أن الرصاصة أصابتها من الظهر، واستقرت في القلب، وأدَّت إلى وفاتها مباشرة، وهي رواية أكدتها إحدى صديقاتها المقربات لـ"عربي بوست".

الحادثة أكدها من جهته الدكتور أحمد جمال، أحد الأطباء المناوبين يومها بمركز بنغازي الطبي الـ"1200″، مؤكداً لـ"عربي بوست" أن "الضحية وصلت قسم الإسعاف بالمستشفى ميتة، ولم يكن بمقدور الأطباء فعل أي شيء".

جمال، الطبيب الذي لم يغادر بنغازي نهائياً منذ حرب "الكرامة" منتصف 2014، قال إن الأمر أصبح معتاداً للأسف الشديد، قبل أسبوع من هذه الحادثة تعرَّض شاب في مقتبل العمر لإطلاق رصاص عشوائي في سيارته، وسط المدينة "الإصابة كانت في الفخذ والجهاز التناسلي، أجرينا له عملية وأُجبرنا على استئصال الخصية". 

الضحايا من 4 شهور إلى 75 عاماً

مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث ببنغازي من جهته، كما تحدثت مدير المكتب الإعلامي بالمستشفى فادية البرغثي لـ"عربي بوست"، استقبل عام 2017 فقط (11) حالة وفاة، و(118) جريحاً بسبب رصاص عشوائي، أو بسبب أجسام غريبة (مُخلفات الحرب)، إضافة إلى ضحايا السيارات المفخخة في مناطق وأحياء مختلفة، إضافة إلى جرحى جاؤوا للعلاج من مدن قريبة، مثل أجدابيا والبيضاء وغيرهما.

المستشفى المختص بالحوادث أكد أن من بين الضحايا كانت هناك جنسيات أخرى، منها المصرية والسودانية والتشادية، مضيفاً أن الفئات العمرية  للضحايا تراوحت بين 4 أشهُر و75 عاماً.

فيما أشارت إحصائيات العام قبل الماضي 2016، إلى تسلُّم مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث 36 قتيلاً، و264 جريحاً، حصيلة الرصاص العشوائي في مدينة بنغازي وخارجها من المدن القريبة، وصولاً إلى مدن الجنوب الشرقي والغربي، مثل سبها والكفرة والواحات.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه مسؤولين في الحكومات المختلفة في ليبيا عن صعوبة، بل واستحالة جمع الأسلحة المنتشرة بطول البلاد وعرضها، يسجل نشطاء وحكماء وأعيان قبائل ودعاة حضورهم من خلال حملات ونداءات متكرِّرة، بغرض التقليل من ظاهرة انتشار الأسلحة أو الكفِّ عن إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات الاجتماعية على أقل تقدير، في انتظار انتهاء الانقسام السياسي في البلاد، والوصول إلى وضع أكثر استقراراً، يسمح لمؤسسات الدولة بالحدِّ من هذه الظواهر.

علامات:
تحميل المزيد