فتحت قضية احتمال وفاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الباب أمام سيناريوهات كثيرة تتحدث عن خليفته.
ففي حين ذهبت إسرائيل إلى إمكانية تقاسم السلطة بين القيادات الفلسطينية حال شغور منصب الرئاسة، رجح مراقبون أن يكون الفلسطينيون أمام عدة رؤساء. بينما توقع آخرون أن نشهد حالة "الترويكا في الحكم" لدولتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو أن توزع الصلاحيات بين عدة أطراف لحين إجراء انتخابات.
وعكة صحية أثارت التكهنات
وتعرض الرئيس عباس لوعكة صحية هذا الأسبوع، بعد أن أصيب بالتهاب رئوي حاد، وارتفعت درجات حرارته ولا يزال يرقد في المشفى. وقد بث تلفزيون فلسطين الرسمي يوم الإثنين 21 مايو/ أيار، صور عباس وهو يتمشى داخل المشفى وقد بدا بصحة جيدة.
السيد الرئيس بصحة جيدة ويتابع مهامه اثناء وجوده في المستشفى
السيد الرئيس بصحة جيدة ويتابع مهامه اثناء وجوده في المستشفىPresident Abbas is in good health and is performing his duties while hospitalized
Posted by الرئيس محمود عباس – President Mahmoud Abbas on Monday, May 21, 2018
ويبلغ عمر الرئيس الفلسطيني 83 عاماً، وهو يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير منذ عام 2005، وحركة فتح. لكن صحته كانت مثار جدل مؤخراً بعد أن تعرض مرات عديدة لانتكاسات مفاجئة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين لـ"عربي بوست" إن الحالة الفلسطينية الدستورية الراهنة تفتح المجال للتأويل في الخيارات التي تتيح اختيار منصب الرئيس حال وفاته أو شغور منصبه. موضحاً أن هناك أكثر من رأي وأكثر من فتوى وكلها تستند إلى أسس قانونية.
السيناريو الأول: رئيس من فتح وآخر من حماس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني د. حنا عيسى، قال إن هناك تعقيدات كثيرة في الحالة الفلسطينية فهناك منظمة وهناك سلطة. ولكل منها آلية محددة للاختيار.
وأضاف لـ "عربي بوست" أنه حال أصبح منصب الرئيس شاغراً، فينص القانون الفلسطيني على تولي رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة لحين انتخاب رئيس جديد، على أن يتولى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئاسة المنظمة لحين انتخاب رئيس لها.
حالياً يتولى رئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز دويك من حركة حماس، لكنه مريض ويعتقل باستمرار من قبل إسرائيل، وينوب عنه فعلياً في الصلاحيات أحمد بحر، نائبه الموجود في غزة. فيما يتولى صائب عريقات من فتح أمانة السر للتنفيذية.
الكاتب والمحلل حافظ البرغوثي، يقول إن هذه الثنائية في النظام قد تخلق إرباكاً، فالمجلس التشريعي معطل منذ العام 2007 بسبب الانقسام.
وفيما تقول حركة فتح إن ولاية المجلس انتهت بسبب عدم إجراء الانتخابات ترى حركة حماس أن المجلس ما زال قائماً و مخولاً بمهامه وصلاحياته، وتقول في المقابل أن ولاية الرئيس عباس انتهت.
وينص القانون الفلسطيني على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مرة كل أربع سنوات.
وجرت آخر انتخابات رئاسية عام 2005 ترشح فيها الرئيس محمود عباس أمام آخرين وفاز فيها عباس بأغلبية اقتربت 62%. وبعد ذلك بعام جرت انتخابات تشريعية فازت فيها حركة حماس بأغلبية 74 من 120 عضواً في المجلس التشريعي، ثم حصل اقتتال داخلي فلسطيني عام 2007/ سيطرت بعده حركة حماس على قطاع غزة ومنذ ذلك التاريخ لم تجري أي انتخابات فلسطينية.
وقال البرغوثي إن هناك احتمالية لحل هذه الثنائية حال كان هناك توافق، وتقضي بأن يتولى رئيس المنظمة رئاسة السلطة لفترة محدودة لحين إجراء انتخابات فلسطينية عامة.
وفي آخر اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني، تم تخويل المجلس المركزي بالصلاحيات الكاملة. وقال عضو المجلس حينها حنا عميرة إن بعض الصلاحيات التي سيتولاها المركزي ستكون تشريعية، وهو أمر يفتح الباب أمام إمكانية وضع قوانين جديدة تسمح بانتخاب رئيس مؤقت لكل من السلطة والمنظمة.
السيناريو الثاني: رئيس في غزة وآخر في الضفة
من جهته لم يستبعد الكاتب والمحلل السياسي سميح شبيب أن نرى أكثر من رئيس للفلسطينيين في ظل الانقسام الراهن. وفي حال أصرت حماس على أن يكون رئيس المجلس التشريعي هو رئيس السلطة الفلسطينية فيما يكون أمين سر اللجنة التنفيذية هو رئيس المنظمة. فإننا سنرى سيناريو وجود رئيسين واحد في غزة وآخر في الضفة.
وفي احتمال آخر يرى شبيب إمكانية أن نشهد سيناريو انتخابات في غزة وأخرى في الضفة. يقول " ببساطة يمكن أن تجري انتخابات في الضفة الغربية فقط في ظل الانقسام لاختيار رئيس للسلطة الفلسطينية، وهو تلقائياً يصبح رئيساً للمنظمة، فيما تقوم حماس بإجراء انتخابات في غزة لاختيار رئيس للسلطة في غزة، قد يكون هذا سيناريو بعيد لكنه محتمل".
وفشلت محاولات المصالحة الفلسطينية على مدار 11 عاماً من الانقسام/ ولَم يتم حل الخلاف القائم بين حركتي فتح وحماس، فبقيت الضفة الغربية تحت سيطرة فتح وقطاع غزة تحت سيطرة حماس.
السيناريو الثالث: 3 رؤساء في الضفة وغزة
من جانبه قال الكاتب موفق مطر، القيادي في حركة فتح، إن النظام الداخلي لحركة فتح، في حال حدوث فراغ قيادي يعطي الصلاحيات لنائب رئيس الحركة.
وبخصوص أحقية رئيس المجلس التشريعي في رئاسة السلطة، قال مطر لـ "عربي بوست"، إن المجلس الحالي معطل منذ 2007 بسبب الانقسام، "على ذلك هو مجلس فاقد للشرعية ولم ياخد موافقة الرئيس، وفي هذه الحالة فإن السلطة تخضع لولاية منظمة التحرير واللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، فهما أصحاب القرار للخروج من هذا المأزق"، على حد قوله.
وأشار مطر إلى خيارات قانونية أخرى في ظل شغور منصب رئيس السلطة، فبما أن المجلس التشريعي معطل وفاقد لأهليته، "يمكن اللجوء لحل دستوري، وهو أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا الرئاسة لحين إجراء انتخابات جديدة، وبما أن منظمة التحرير هي صاحبة الولاية على السلطة، فلها الشرعية باتخاذ القرارات المناسبة عند أي فراغ رئاسي".
وفي حال حدث هذا السيناريو مثلاً، يمكن القول إن الفلسطينيين سيكون لهم رئيس للسلطة تعترف به فتح وترفضه حماس وهو رئيس المحكمة الدستورية، ورئيس آخر للسلطة في غزة ترفضه فتح وتعترف به حماس وهو رئيس المجلس حالياً، إلى جانب رئيس ثالث لمنظمة التحرير وهو أمين سر اللجنة التنفيذية وحالياً يتولاه صائب عريقات.
السيناريو الرابع: ترويكا للحكم في الضفة وحكم ذاتي في غزة
القناة العاشرة في التلفاز الإسرائيلي قالت في تقرير لها يوم الثلاثاء، إن صحة أبو مازن "لا تتحسن"، موضحة أنه "عانى لسنوات من مشاكل في القلب؛ لأنه يدخن بإفراط، في المقابل يعتزم الاستمرار مدة عامين على رأس السلطة، لكن ليس من الواضح أن قواته ستمنحه ذلك".
وذكرت القناة أن عباس الذي "يرفض تعيين وريث معين له، اعتنى بقدر استطاعته بترتيب الأمور، بحيث إنه بدلاً من النزاع حول الميراث، سيكون هناك ترتيب متعاقب في القيادة الفلسطينية"، موضحة أنه "قام بتقسيم صلاحياته المختلفة بين أربعة وستة أشخاص، بحيث لا يكون أي منهم، على الأقل في المرحلة الأولى، مالك المنزل".
وأشارت إلى أن الورثة الستة في مقدمتهم نائبه في قيادية حركة "فتح"، محمود العالول، وهو القيادي الذي سبق له قيادة جهاز عسكري فلسطيني في القطاع الغربي ببيروت. أما الرجل الثاني، فهو جبريل الرجوب، صاحب النفوذ والتأثير الكبيرين في مدينة الخليل، إضافة إلى أن لديه القدرة على التواصل مع حركة "حماس".
والشخصية الثالثة، هي رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي، رامي الحمدالله ، وهو الذي يريد البقاء في منصبه بعد عباس وربما يتركه، بحسب القناة التي لفتت إلى أن الشخص الرابع هو ابن أخت الراحل ياسر عرفات، القيادي ناصر القدوة.
ووفق تعبير القناة الإسرائيلية، فإن رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، بـ"الطبع سيكون في الصورة"، مرجحة أنه في "المرحلة الأولى من تنفيذ ترتيب الخلافة، سيمتنع كل المنافسين عن مواجهة مباشرة، ويختارون إظهار مظهر الوحدة".
وأضافت: "من المرجح أن يقوض مروان البرغوثي (قيادي بارز في فتح وأسير لدى الاحتلال الإسرائيلي) هذا الترتيب من داخل سجنه، لكن قوته السياسية الحقيقية ليست كبيرة"، وفق القناة التي ذكرت أن "لوبي البرغوثي مني بهزيمة واضحة في الانتخابات الأخيرة داخل حركة فتح".
ورأت القناة أن القيادي المفصول من حركة "فتح"، المتواجد حالياً في الإمارات، محمد دحلان، "قد يحاول الدخول إلى الساحة، لكن فرصته ليست عالية، على الرغم من دعم دول الخليج ومصر له، إضافة لامتلاكه موارد مالية كبيرة".
السيناريو الأخير: خلفاء بالانتخاب؟
وبالنظر إلى هذه التعقيدات في الوضع الفلسطيني حالياً، يبقى السؤال: كيف يمكن معرفة رغبة الفلسطينيين الحقيقية فيمن سيكون رئيساً لهم حال أصبح منصب الرئيس شاغراً؟
وفي السياق لا بد من العودة إلى أحدث استطلاعات الرأي التي تتحدث عن الخيارات التي يرغب بها الفلسطينيون حال جرت انتخابات رئاسية لم يكن محمود عباس متواجداً فيها وشملت الضفة الغربية وقطاع غزة.
استطلاع نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر/كانون الأول 2017، ذكر أن 35% من المستطلعين يفضلون القيادي في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي لتولي منصب الرئيس، يتبعه إسماعيل هنية بنسبة 22%، ثم محمد دحلان بنسبة 7% (1% في الضفة الغربية و15% في قطاع غزة)، ثم مصطفى البرغوثي (5%)، ثم رامي الحمد الله بنسبة (5%)، ثم خالد مشعل (3%)، ثم سلام فياض (2%).
وفي استطلاع آخر نشره مركز القدس للإعلام والاتصال في أبريل/نيسان 2017، أظهر أنه لو جرت انتخابات رئاسية لم يترشح فيها الرئيس عباس فإن 15.8% سينتخبون مروان البرغوثي، و14.4% سينتخبون هنية و5.5% سينتخبون دحلان.