وجه ألمانيا الآخر تجاه اللاجئين.. خطة جديدة لترحيل المهاجرين تقوض صورة ألمانيا في عيون العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/21 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/21 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش

ذكرت منظمات إغاثية أن مراكز الإيواء التي يريد وزير الداخلية الألماني إقامتها في أنحاء البلاد سوف تؤدي إلى إثارة التوترات والمشكلات الاجتماعية بين المواطنين والمهاجرين وتقويض الصورة المرحبة التي اكتسبتها ألمانيا في عيون العالم.

وقد صممت مراكز الترحيل المزعومة وفق صحيفة The Guardian البريطانية بهدف تعجيل عمليات ترحيل طالبي اللجوء الذين يتم رفضهم، من خلال الجمع بين مجموعات كبرى من الأشخاص والسلطات التي تصدر أحكامها بشأن مطالباتهم داخل نفس المرفق.

وحتى وقتنا هذا، كانت سياسة ألمانيا تتمثل في توطين الوافدين الجدد داخل المجتمعات في أنحاء البلاد. ومع ذلك، تسعى حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى تغيير استراتيجيتها، حيث تتزايد الانتقادات الشعبوية ضد أسلوب تعامل المستشارة مع أزمة اللاجئين.

وأبلغ وزير الداخلية هورست سيهوفر البرلمان الألماني في الأسبوع الماضي قائلاً "نعلم جميعاً مدى صعوبة ترحيل الأشخاص الذين لا يتمتعون بالحماية بعد انتشارهم في أنحاء البلاد وترسيخ أوضاعهم في مدننا ومجتمعاتنا"، حسب The Guardian.

ومرافقة طالبي اللجوء المرحلين، باتت من المهام غير المحبذة لدى رجال الشرطة في ألمانيا. إذ شهدت أعداد المتطوعين للقيام بهذه المهمة تراجعاً ملحوظاً، خاصة بالنسبة لعمليات الترحيل إلى أفغانستان ويعود السبب في ذلك إلى صعوبة هذه المهمة نفسياً وجسدياً، حسبما نقل موقع"شبيغل أونلاين".

يقول زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا ورئيس وزراء ولاية بافاريا سابقاً: "في المستقبل، سوف تتزامن نهاية طلب اللجوء مع بدء إجراءات الترحيل"، مضيفاً أنه كان يريد أن تنشئ الولايات هذه المراكز الجديدة هذا الخريف.

ومع ذلك، فقد شهد مركز اللاجئين المؤقت بالولاية التي يقطنها سيهوفر، والذي من المفترض أن يصبح نموذجاً للخطة، شهد ارتفاعاً في معدلات الجريمة واحتجاجات جماعية وتصاعداً في حدة التوتر بين طالبي اللجوء وقوات الأمن، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian خلال زيارتها إلى ثكنات ماكس إميلمان في ماتشنج.

وتعد ثكنات الجيش السابقة جزءاً من مجمع سكني خارج إنجولستاد في بافاريا العليا وتضم نحو 1100 لاجئاً، معظمهم من غرب منطقة البلقان وأوكرانيا ونيجيريا وأفغانستان.

وذكر لاكي رفائيل، النيجيري البالغ من العمر 24 عاماً: "إنه يشبه السجن"، حيث قال إنه لا يُسمح للنزلاء بإغلاق غرفهم أو طهي طعامهم أو الخروج بحثاً عن العمل أو سعياً وراء الدراسة. وقال رفائيل "يمكننا الخروج، ولكننا نخشى دائماً أن يتم اعتقالنا"، مشيراً إلى أنه ترك بلاده بسبب ظروفه الاقتصادية والاجتماعية الملحة ووصل إلى بافاريا عبر إيطاليا.

وقال رفائيل إنه يعيش بمركز اللاجئين المؤقت في مانشينج منذ 11 شهراً، رغم أن السلطات تذكر أن متوسط فترة إقامة الوافدين منذ سبتمبر/أيلول 2015 يبلغ أربعة شهور ونصف الشهر.

وتأمل سلطات بافاريا وفق The Guardian أن تعجل بعملية الفحص باستخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث تقوم بتحليل البيانات الوصفية على الهواتف الذكية وأخذ عينات صوتية من خلال برنامج "هندسة الصوت" لتحديد طريق السفر والخلفية العرقية لطالب اللجوء الذي لا يمتلك جواز سفر.

ويأتي ذلك كرد فعل تجاه الجدل السياسي المحتدم حول إخفاق ألمانيا في ترحيل طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم. فقد تم رفض طلب أنيس عمري، المواطن التونسي الذي قتل 12 شخصاً في ديسمبر/كانون الأول 2012 بأن قاد شاحنة في اتجاه الحشود بأحد أسواق الكريسماس في برلين، ولكن لم يتم ترحيله. وفي عام 2017، ظل نحو نصف مليون من طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم بالبلاد.

وذكر دانيال ويدليتش من حكومة بافاريا العليا أن مراكز الترحيل "ترسل إشارة إلى الأشخاص الذين تُعد فرصهم في السماح لهم بالبقاء ضئيلة. الأمر لا يستحق القدوم إلى ألمانيا، نظراً لسرعة التعامل مع طلبك هنا". ومنذ سبتمبر/أيلول 2015، أجرى مركز ماتشينج 1000 عملية ترحيل، بينما غادر 2500 من النزلاء طوعاً.

ويذكر المنتقدون أن المراكز الجديدة تخلق موقفاً سخيفاً يواجه النزلاء بمراكز اللاجئين المؤقتة ممن لديهم فرص حقيقية للحصول على اللجوء، حيث تتم إعاقتهم ومنعهم من الاندماج بالمجتمع الألماني خلال انتظار حسم موقفهم. ويُنتظر منهم الاندماج بالمجتمع بمجرد الموافقة على طلبهم.

ومن بين طلبات اللجوء المقدمة من نيجيريا في بافاريا العليا، تمت الموافقة على منح 17% فقط من طالبي اللجوء منزلة الحماية، والعديد منهم من النساء الذين تم إجبارهم على ممارسة البغاء وغيرهم من الأقليات المسيحية التي تضطهدها جماعة بوكو حرام في شمال شرقي البلاد.

وقال ويلي دراكسلر من الجمعية الكاثوليكية الخيرية، التي تضم أربعة أشخاص يقومون بأعمال تطوعية في ماتشينج: "يعد الاندماج بمثابة مائدة ذات أربع أرجل. اللغة والعلاقات بالمجتمع المحلي والوظيفة والمنزل وجميعها عناصر هامة. وإذا ما تخليت عن أحد هذه الأرجل، سوف تميل المائدة. ومع ذلك، فمن خلال مراكز اللاجئين المؤقتة، فإن الاندماج لن يحدث مطلقاً".

وداخل تلك المراكز، غالباً ما يتزايد الإحباط جراء طول فترة الانتظار. وقال كيلفي باتن من نيجيريا أيضاً: "لا يخبرنا أحد عن سبب وجودنا هنا. من الأفضل أن يخبرونا بصورة مباشرة حينما نصل أنه لا يمكننا البقاء".

ورغم أن مانشينج لم تشهد أي حوادث كتلك التي وقعت بأحد المراكز في إلوانجن، بادن – فورتمبيرغ، حيث حاول 200 طالب لجوء منع ترحيل أحد النزلاء، واضطرت الشرطة إلى التدخل بالمجمع بصفة يومية. وفي 2017، تم استدعاء الشرطة 355 مرة إلى مجمع مراكز اللجوء المؤقت بمانشينج.

 

وخلال إحدى الجولات الإعلامية الأخيرة بالمركز، نظمت مجموعة من النيجيريين احتجاجاً مرتجلاً وهتفوا قائلين "نريد حريتنا"، وحملوا لافتات تقول "سئمنا العيش في المخيمات. نريد الانتقال من فضلكم".

وقال دراكسلر حسب صحيفة The Guardian: "الاحتجاجات حول القضايا الصغيرة مثل الطعام غالباً ما تكون احتجاجات على الظروف المعيشية في تلك المراكز ككل. ويتمثل مصدر المشكلات الرئيسي في أن النزلاء لا رأي لهم ولا يتم السماح لهم بالعمل".

وتثير عدم قدرة المهاجرين داخل المركز على المشاركة في المجتمع الكثير من الاستياء والتعصب بين مواطني الدولة، بحسب جبرييل ستوركل من مركز كاريتاس في بفافنهوفن. "مراكز اللجوء المؤقت هذه تشبه الصناديق السوداء ولا يتم السماح للمواطنين بدخولها وتفقدها. ولذلك يشعرون بالخوف البالغ".

وقال دراكسلر :"منذ ثلاث سنوات، حظيت ألمانيا بالإعجاب العالمي بسبب ثقافة الترحيب – الصور من محطات القطارات في ميونخ انتشرت في أنحاء العالم. ماذا حدث لتلك الثقافة؟ الآن، لا يوجد سوى الخوف من اللاجئين".

حتى الكنائس لم تعد آمنة للمرفوضين، فقد أصدرت المحكمة الإقليمية العليا في ميونيخ بألمانيا الخميس (3أيار/ مايو 2018)حكماً يؤكد بأن الاحتماء بالكنائس لا يمنع السلطات من تنفيذ عمليات ترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم. وأكد  القاضي الذي ترأس الجلسة أن: "حرم الكنيسة لا يمنع السلطات من القيام بمهامها". وهذا يشمل ترحيل اللاجئين، الذين يلجؤون إلى الكنائس بهدف إعاقة عملية ترحيلهم من قبل السلطات.