أعلن المؤتمر الأسقفي التشيلي، الجمعة 18 مايو/أيار 2018، أن 34 أسقفاً جاءوا إلى روما للقاء البابا فرنسيس، قدموا استقالاتهم بُعيد صدور تقرير عن فضيحة اعتداءات جنسية على الأطفال في تشيلي.
وقال بيان تُلي أمام الصحفيين: "نحن، جميع الأساقفة الحاضرين في روما، أعدنا مناصبنا إلى الكرسيّ الرسولي ليقرر بِحُرية بشأن كل منا".
وأضاف البيان: "نريد أن نطلب الصفح للألم الذي لحق بالضحايا، للبابا، ولشعب الله، ولبلدنا، على الأخطاء الجسيمة والإغفالات التي ارتكبناها".
ويأتي إعلان الأساقفة، بعد استدعائهم إلى الفاتيكان على خلفية الفضيحة التي هزت الكنيسة الكاثوليكية التشيلية. ويتهم الضحايا العديد من كبار مسؤولي الكنيسة التشيلية بالتستر على اعتداءات جنسية على أطفال من جانب الكاهن التشيلي فرناندو كاراديما في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
وجاء في بيان الأساقفة: "نشكر جميع الضحايا لمثابرتهم وشجاعتهم رغم الصعوبات الشخصية والروحية والاجتماعية والعائلية الهائلة التي أُجبروا على مواجهتها، والتي زاد عليها أحياناً عدم فهمٍ وتهجُّمات من جانب رعية الكنيسة".
وكان البابا فرنسيس قد أعلن الخميس 17 مايو/أيار 2018، عن سلسلة "تغييرات" على المدى القصير والمتوسط والطويل لإعادة "العدالة" إلى الكنيسة الكاثوليكية التشيلية، في أعقاب لقاءات مغلقة مع وفد الأساقفة.
البابا يعترف بـ"أخطائه الجسيمة"
وأقرّ البابا فرنسيس، في أبريل/نيسان 2018، بارتكابه "أخطاء جسيمة في فهم الأوضاع وتقييمها" بتشيلي بعد اطلاعه على ما كشفه التحقيق بشأن عمليات استغلال جنسي ارتكبها رجال دين.
وقال البابا فرنسيس في رسالة وجهها إلى أساقفة تشيلي ونشرها الفاتيكان، إنه ينوي استدعاءهم إلى روما؛ لمناقشة التحقيق الذي يتناول الأسقف خوان باروس المتهم بالتغطية على عمليات استغلال جنسي ارتكبها كهنة من أبرشيته.
إلا أن البابا فرنسيس اعتذر لاحقاً من الضحايا، وأوفد رئيس الأساقفة تشارلز سيكلونا، وهو محقّق مشهور في الفاتيكان، إلى تشيلي لجمع الأدلة. وقد عاد سيكلونا من مهمته أواخر فبراير/شباط 2018.
وترك تهاون البابا فرنسيس مع الكهنة المشبوهين بارتكاب تجاوزات جنسية على قاصرين أو إخفائها، ظلالاً قاتمة على السنة الخامسة من حَبريَّته التي سيجتازها الثلاثاء 22 مايو/أيار 2018، وسط سيل من الانتقادات.
هل يعكس هذا الموقف إصراراً على حماية الكنيسة؟ أو مرده إلى أن المستشارين سيئون؟ أم انعدام الاستراتيجية؟
وقد تزايدت التساؤلات بعد أقوال للبابا خلَّفت انطباعاً بأن صوت الضحايا سيكون ثانوياً لكنيسة ما زالت تفكر وهي منغلقة كثيراً على نفسها.
فقد دافع البابا فرنسيس، خلال رحلته إلى تشيلي، بقوة، عن الأسقف التشيلي خوان باروس (الذي يشتبه في أنه تكتم على جرائم كاهن مسنٍّ كان يعتدي جنسياً على الأطفال)، معرباً عن اقتناعه ببراءته، وطالب الضحايا المفترضين بأدلة على الجرم، ثم قدم اعتذارات عن أقواله، وأرسل إلى تشيلي محقِّقاً؛ لجمع الشهادات.
وأعربت الإيرلندية ماري كولينز، التي وقعت ضحية كاهن يعتدي جنسياً على الأطفال، عن أسفها بالقول خلال لقاء مع وكالة الأنباء الفرنسية، إن "الدفاع عن مؤسسته جزء من الطبيعة البشرية. وبدلاً من أن تتعلم الكنيسة من أخطاء الماضي، فإنها تكررها في كل بلد تندلع فيه فضيحة التعدي الجنسي على الأطفال".
مقاومة داخلية وتاريخ حافل!
ولا شك في أن البابا فرنسيس بدا حتى الآن رحوماً جداً مع دون مورو إينزولي، الملقب "دون مرسيدس"؛ بسبب ميوله إلى الترف. وقد أعاد البابا بنديكتوس السادس عشر هذا الكاهن الإيطالي إلى الحياة العلمانية، لكن البابا فرنسيس خفَّف عقوبته إلى "حياة صلاة".
لكن إيطاليا حكمت على دون إينزولي، في يونيو/حزيران 2017، بالسجن 5 سنوات؛ لأنه اعتدى جنسياً على مراهقين. عندئذ أعاده البابا إلى الحياة العلمانية. وكان من المتوقع أن يتخذ البابا فرنسيس، الذي أعلن، على غرار سلفه، "رفض التسامح" في هذا الموضوع، تدابير ملموسة.
وأنشأ في ديسمبر/كانون الأول 2014، لجنة خبراء دولية، مهمتها تقديم مقترحات وقائية. إلا أن هذه المبادرة قد ارتدت عليه لدى استقالة العضوين فقط اللذين يمثلان الضحايا.
وعمدت ماري كولينز إلى الاستقالة في مارس/آذار 2017، منتقدةً انعدام التعاون "المخجل" في الفاتيكان، ومعربةً عن الأسف لأن محكمة أعلن عنها البابا في 2015 لمحاكمة الكهنة المتورطين جنسياً مع الأطفال، بقيت حبراً على ورق. وكان الكاردينال الألماني غيرهارد مولر، حارس العقيدة آنذاك وأُبعد منذ ذلك الحين، ردَّ بأن المحكمة ستكون تكراراً لهيئات موجودة.
وقالت ماري كولينز إن "أقوال البابا جيدة، لكنها لم تترجم إلى أفعال"، مشيرة إلى أن الأساقفة "يجدون صعوبة في قبول نصائح من الخارج". وأضافت: "أشعر بخيبة أمل؛ لأن أعضاء الفاتيكان لم يفهموا بعدُ كيف ينظر الناس إلى أعمالهم خارج الكنيسة".
وأشارت إلى جنازة الكاردينال برنارد لاو في ديسمبر/كانون الأول 2017، بكاتدرائية القديس بطرس، بحضور البابا و30 كاردينالا. وإذا كانت الجنازة مطابقة بالكمال والتمام للطقوس الدينية، فإنها كانت موضوع احتجاج بين الضحايا في الولايات المتحدة.
وقبل 15 عاماً، أصبح أسقف بوسطن السابق، الذي "دُعي" إلى روما في 2002 بعد فضيحة مدوية بالتعدي على الأطفال، رمز سلطة بقيت صامتة فترة طويلة. ومما زاد الطين بلة، هو أن السنوات الخمس الأولى من حبرية البابا فرنسيس مرت، في حين يتم الاستماع بأستراليا إلى أقوال المسؤول الثالث في الفاتيكان، لاتخاذ قرار يتعلق بإمكان محاكمته لاعتداءات جنسية قديمة.
وفي رصيد البابا المقدمةُ التي كتبها في 2016 للقانون الكنسي حول عزل الأساقفة في حال "الإهمال" في التبليغ عن التعدي الجنسي على الأطفال. ونُظِّمت حلقات توعية أيضاً في الفاتيكان. ويلتقي البابا الضحايا بصورة دورية.
لكنَّ إلزامية تبليغ السلطات الروحية القضاء المدني ليست مدرجة في قانون الكنيسة. وبغض النظر عن الحالات التي يفرضها قانون البلاد، لا يريد عدد كبير من الأسقفيات التحدث في هذا الأمر.
وقال الكاهن الألماني هانز تسولنر: "أؤيد أن يعمد أسقف إلى التبليغ إذا كان ثمة تجاوز جارٍ أو خطر كبير من استمرار التجاوزات"، مشيراً في الوقت نفسه إلى تعقيد التبليغ في عدد كبير من البلدان، وخصوصاً في آسيا، حيث يعد الجنس من المحرمات.
ويجوب هذا الأستاذ الجامعي والطبيب النفسي العالم؛ للتحذير من التعدي الجنسي على الأطفال، وأنشأ في روما برنامج دراسات لتوعية الكهنة الشبان. وقال: "يجب أن نتحلى بأقصى درجات الشفافية. ومن واجب الكنيسة أن تبذل كل ما في وسعها للحؤول دون حصول تعديات جنسية على الأطفال".