حذَّرَ وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، في توبيخٍ مُبطَّن للرئيس ترمب، من أن الديمقراطية في الولايات المتحدة مهددة بـ"أزمة أخلاق ونزاهة" متنامية.
وقال تيلرسون في خطابٍ افتتاحي ألقاه في معهد فيرجينيا العسكري في ليكسينغتون بولاية فيرجينيا: "إذا كان قادتنا يسعون لإخفاء الحقيقة، أو أصبحنا نحن كشعبٍ مستعدين لقبول الحقائق البديلة التي لم تعد مرتكزةً على وقائع، فسنكون حينها كمواطنين أميركيين في طريقنا إلى التخلي عن حريتنا".
وأضاف تيلرسون أنه حتى الأكاذيب والمبالغات الصغيرة تمثل مصدر إشكال. ولم يسمِّ تيلرسون ترمب صراحةً، وإن كان الرئيس غير بريء من الأكاذيب والمبالغات.
وقال تيلرسون: "إذا كنَّا نحن كشعب، شعب حر، نقبل المساومة على الحقيقة حتى وإن كان ذلك في أتفه الأمور، فإننا بذلك نقبل المساومة على أميركا نفسها".
تيلرسون منعزل في مزرعته
وصل تيلرسون إلى واشنطن بعد سنواتٍ من إدارته لشركة إيكسون موبيل، التي تعد واحدةً من أكبر الشركات على مستوى العالم، بدعمٍ من وجوهٍ بارزةٍ في مجال الأعمال وبعض خبراء السياسات الخارجية له، باعتباره رجلاً قادراً على أن يكون بمثابة "رمانة الميزان" في إدارة ترمب التي كانت توجُّهاتها لا تزال غير مُحدَّدةِ المعالم.
غير أن تيلرسون ما لَبث أن وجد نفسه، باعتباره يشغل أكبر منصب دبلوماسي في البلاد، على خلافٍ مع الرئيس حول مجموعةٍ كبيرة من القضايا، بما فيها التفاوض مع كوريا الشمالية وتمديد الاتفاق النووي الإيراني. وكان تيلرسون يتعرَّض للإهانات أثناء تعامله مع ترمب، حتى طرده الأخير بتغريدةٍ على موقع تويتر.
ومنذ ذلك الحين وتيلرسون منعزل في مزرعته بولاية تكساس الأميركية، وكان قد وافق على إلقاء خطاب الافتتاح في المعهد قبل طرده من عمله كوزيرٍ للخارجية، بحسب ما ذكرته صحيفة The New York Times الأميركية.
وتناول تيلرسون في خطابه بشكلٍ مباشر أبرز الانتقادات التي تُوجَّه إلى الرئيس، وهو أنه يبالغ ويختلق أشياء لا وجود لها وأنه يُقوِّض المعايير الأخلاقية في واشنطن.
وقال تيلرسون مُحذِّراً: "إن لم نُقدِم نحن الأميركيين على مواجهة أزمة الأخلاق والنزاهة في مجتمعنا وفي أوساط قادتنا في القطاعين العام والخاص، بل وللأسف في القطاع الخيري أحياناً، فلنودّع الديمقراطية الأميركية كما عرفناها".
ليس على وفاق مع ترمب
وقد اتسمت فترة تولي تيلرسون لوزارة الخارجية، التي استمرت لـ14 شهراً، بالنزاع مع ترمب واستقالة مجموعة كبيرة من دبلوماسيي الولايات المتحدة المخضرمين. وقبيل أشهر من رحيله هو شخصياً، أقرَّ تيلرسون أنه لم يبدأ الاستمتاع بوظيفته سوى مؤخراً، وهو أمرٌ ربما لا يدعو إلا للاستغراب كثيراً، خصوصاً أنه كان في وقتٍ من الأوقات بدا مصدوماً بشدة من تغريدةٍ للرئيس ترمب حول كوريا الشمالية، ومرةً أخرى اضطر إلى أن ينكر أنه نعت الرئيس ترمب بأنه "أبله".
واختلف تيلرسون مع ترمب حول مجموعةٍ من القضايا المُحدَّدة، بدءاً من اتفاقية باريس للمناخ، ووصولاً إلى التجارة الحرة. وبدا وكأنه يشير إلى واحد من تلك الخلافات في خطابه الذي ألقاه الأربعاء الماضي، 16 مايو/أيَّار، حين ذَكَّرَ الحضور بأن الولايات المتحدة تكسب كثيراً من قوتها من شبكة حلفاء كوَّنَتها.
وقال ترمب: "من بين مزايا الولايات المتحدة العظيمة، أن لديها العديد من الحلفاء. أما خصومنا، في الصين وروسيا وإيران والجماعات الإرهابية فلديهم قلة من الحلفاء".
تعد العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أسوأ أحوالها منذ سنوات، وزاد من تأجيج وتيرة الأزمات في هذه العلاقات سلسلةٌ من الاختلافات حول موقف إدارة ترمب من اتفاقية المناخ، والاتفاق النووي الإيراني، والخلافات التجارية. وأشار تيلرسون أن هذه كانت أموراً محل إشكال.
وقال تيلرسون: "علينا ألا نتعامل مع هؤلاء الحلفاء الذي يقفون في صفنا منذ أمدٍ طويل معاملة الشيء المُسلَّم بوجوده". وأضاف: "علينا أن نُحفِّزهم ونشد من أزرهم، ليس فقط في المساحات التي نتفق فيها، بل وتحديداً في رأب الصدع بيننا وبينهم في العلاقات التجارية والمسائل المُتعلِّقة بالأمن القومي".
وبذل تيلرسون قصارى جهده لتوضيح مزايا التجارة الحرة، مُحذِّراً من "القلق والخوف بشأن النمو في الأسواق الأجنبية وبشأن الحركة العالمية للوظائف".
وقال: "لكلِّ بلدٍ الحق في التطلُّع إلى جودةٍ أعلى من الحياة، والتجارة الحرة والنمو الاقتصادي هما طريقا إيجاد الفرص للجميع". كان هذا دفاعاً بارزاً عن التجارة الحرة والدول النامية من شخصٍ عمل في الإدارة التي هدَّدَت بتمزيق اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية وفرض مليارات الدولارات كتعريفاتٍ على الخصوم والأصدقاء على حدٍّ سواء، واستخدام مبدأ "أميركا أولاً" كمبدأ توجيهي.
وأضاف تيلرسون أيضاً أن المواطنين لا بد أن يطالبوا بأن يكون مستقبل أميركا "مبنيٌّ على الحقائق، وليس على التفكير بالتمني، ومبني على رؤية واضحة للحقائق كما هي، من خلال استلهام أن الحقيقة تحرِّرنا للسعي إلى إيجاد حلول لأصعب التحديات أمامنا".