الآن وقد خرج أنور ابراهيم من السجن وسامحَ خصمَه القديم مهاتير.. فمن هو هذا الرجل الذي أمام مؤيديه “داعية” وأمام الغرب “شكسبير”؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/16 الساعة 19:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/16 الساعة 20:39 بتوقيت غرينتش
Malaysian politician Anwar Ibrahim leaves a hospital where he is receiving treatment, ahead of an audience with Malaysia's King Sultan Muhammad V, in Kuala Lumpur, Malaysia May 16, 2018. REUTERS/Lai Seng Sin

مرت 20 سنة منذ أن أرسل رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، الشرطة المسلحة للقبض على نائبه السابق أنور إبراهيم، الذي تعرض للضرب والسجن، في وقت لاحق، بتهمة اللواط التي زعم أنها لُفقت له بدوافع سياسية.

قالت نور العزة، ابنة أنور إبراهيم: "لم يكتفوا بإرسال جنود مقنَّعين لمداهمة منزلنا؛ بل كسروا الباب وأخذوا أبانا بعيداً وضربوه بعنف في الليلة نفسها. وأشهَر رجال الشرطة رشاشاتهم في وجه أشقائي.. لقد كنت خائفة على حياتنا"، بحسب ما ذكرته صحيفة Financial times.

والأربعاء 16 مايو/أيار 2018، خرج أنور إبراهيم من السجن بعد فترة ثانية من الحجز إثر طلب مهاتير من الملك العفو عن الرجل الذي حاول تحطيمه في سبتمبر/أيلول سنة 1998.

"سامحت السيد مهاتير"

وقال أنور إبراهيم للصحفيين الذين كانوا واقفين خارج منزله، بعد ساعات من إطلاق سراحه: "لقد  سامحت السيد مهاتير، وإننا عملنا بجهد وبلا كلل.. لقد دعم أجندة الإصلاح، حتى إنه سهّل إطلاق سراحي.. فلماذا سأحقد عليه؟!".

بلغت المصالحة الاستثنائية بين الخصمين مهاتير ورئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق والتي بدأت بمصافحة سنة 2016، نهايتها الأسبوع الماضي عندما تمت الإطاحة بعبد الرزاق، الذي سار على خطى معلِّمه مهاتير وسجن أنور بتهمة ممارسة اللواط للمرة الثانية سنة 2015.

وبدعم من حزب "العدالة الشعبية" الذي يقوده أنور ابراهيم، قاد مهاتير تحالف "اتحاد الأمل" لتحقيق نصر تاريخي يوم الأربعاء 9 مايو/أيار 2019، وتمكن من هزيمة نجيب بطريقة غير متوقعة، مُنهياً حكماً دامَ 6 عقود للحزب الذي قاده بصفته رئيس وزراء ماليزيا بين 1981 و2003 .

قال جريح لوبيز، المحاضر السياسي بجامعة مردوخ في أستراليا: "أدرك أنور أن الكسور التي تعانيها السياسة الماليزية لا يمكن علاجها إلا بالتعاون مع مهاتير، لقد اكتمل الجزء الرمزي، والآن حان الوقت للاختبار الحقيقي".

وتأسس الاتفاق على التحالف بين الرجلين، على شرط يقضي بأن ينقل مهاتير، الذي سيبلغ 93 سنة في يوليو/تموز 2018، السلطة في النهاية إلى أنور الذي يبلغ من العمر 70 سنة. لكن المحللين يقولون إن الانتقال المضطرب قد يكون مصير دولة لم تعرف أي تغيير في الحزب الحاكم منذ الاستقلال عن المملكة المتحدة سنة 1957 حتى الأسبوع الماضي.

رمز للمقاومة الديمقراطية بماليزيا

ساعدت السنوات التي قضاها أنور إبراهيم بالسجن في جعله رمزاً للمقاومة الديمقراطية داخل ماليزيا وخارجها؛ إذ يعتبر آل جور، نائب الرئيس الأميركي السابق، صديقاً له. يأمل أنصاره الماليزيون، الذين أوقد حماستهم بخطاباته النارية، أن يعود لممارسة السياسة بشكل رسمي في أقرب وقت ممكن. في البدء، يتعين عليه أن يصبح نائباً في انتخابات فرعية، ربما قد يحلُّ محل زوجته، وان عزيزة وان إسماعيل، الطبيبة التي تلقت تعليمها في إيرلندا ونائبة رئيس الوزراء الحالي.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يبدأ فيها أنور إبراهيم من الصفر.

لقد بدأ مسيرته السياسية كناشط طلابي إسلامي، وسُجن في السبعينيات بموجب قانون الأمن الداخلي الماليزي. لكنه قفز إلى منظمة مهاتير الوطنية المتحدة الحاكمة، التي كان يقودها مهاتير، في أوائل الثمانينيات قبل أن يترقَّى في المناصب، حيث قرر رئيس الوزراء تشجيع مواهبه السياسية التي لم تصقلها الخبرة بعد.

على الرغم من أن أنور إبراهيم كان من المقرر أن يحل محل مُعلمه، فإن الرفيقين انفصلا عندما تعرضت ماليزيا للأزمة المالية الآسيوية بين عامي 1997 و1998؛ بسبب مجموعة من الاختلافات الشخصية والسياسية.

أراد أنور إبراهيم طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، ولكن السيد مهاتير فضَّل ضبط رؤوس المال ونجح في ذلك. خشي مهاتير محمد من أن يتم خلعه من منصبه مثلما حصل لسوهارتو في إندونيسيا، فأمر بإلقاء القبض على مساعده واتهمه بالفساد، ثم اللواط.

يقول المحللون إن مهاتير ونجيب أوقعا أنور بطريقة بشعة؛ لأنهما خافا من قدرته على إثارة استمالة الناخبين. يقول موراي هيبرت، الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "إنه يشبه بيل كلينتون، يستطيع أن يدخل غرفة ما ويستشعر حماسة الجمهور تجاهه". على الرغم من أن منتقديه يتهمونه بأنه متلوِّن سياسي، يستشهد بالقرآن عندما يلقي خطاباً أمام الماليزيين القرويين وبشكسبير عندما يقف أمام معجبيه الغربيين، إلا أن هيبرت يقول إن أنور ببساطةٍ، بارع في "التحدث إلى الجمهور".

التحدي الذي يواجهه الآن

تتمثل مهمته الرئيسية الآن في إقناع الماليزيين بأن تحالفه الوشيك مع مهاتير محمد يمكن أن يحقق الإصلاحات الواردة في بيان "كتاب الأمل". ويخشى البعض في حزب "العدالة الشعبية" من أن يتراجع مهاتير محمد عن وعوده بالقضاء على المحسوبية التي تضرب بجذورها في السياسة الماليزية، وتسليم السلطة إلى أنور إبراهيم.

قال أنور يوم الأربعاء 16 مايو/أيار 2018، إنه يثق بقدرة مهاتير محمد على تنفيذ أجندة الإصلاح، وإنه يفضل نيل استراحة الآن بدل الانضمام إلى الحكومة مباشرة. وقال في هذا الشأن: "لقد تلقيت دعوات لإلقاء محاضرات في أنحاء العالم". على الرغم من حتمية وجود بعض التوترات في علاقة الرجلين بالمرحلة التالية من رحلتهما الطويلة والغريبة، يعتقد كثير من الماليزين أنهما يستحقان منحهما فرصة للانطلاق في بداية جديدة، وتصحيح أخطاء الماضي.

قال تيان تشوا، نائب رئيس حزب "عدالة الشعب": "يعرف مهاتير وأنور بعضهما جيداً. أعتقد أن علاقتهما ستسير بشكل جيد".

تحميل المزيد