لماذا تسعى إيران للتأثير على الانتخابات العراقية هذه المرة تحديداً؟

تم النشر: 2018/05/15 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/15 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة CPA، لعام 2015، والمعروف كذلك باسم "الصفقة الإيرانية"، لا يزيد فقط من التوترات الثنائية بين واشنطن وطهران، لكنه يعطي الجمهورية الإسلامية حافزاً أكبر للتأثير على الانتخابات العراقية الحالية لصالحها.
على الرغم من أن نتيجة التصويت في الانتخابات العراقية لا تزال غير واضحة، لكن ما هو مؤكدٌ هو أن إيران أصبحت مستعدة أكثر من أي وقت مضى لضمان نتيجة تُضعف من نفوذ الولايات المتحدة هناك. وبعد نجاح المرشحين المؤيدين لإيران في الانتخابات اللبنانية الأخيرة، ستحاول إيران جاهدةً تكرار هذه النتيجة في العراق.

وعلى الرغم من ابتهاج الرئيس ترمب بشأن تخليه عن الانتصار الدبلوماسي لسلفه باراك أوباما، فإنه تابع العمل وفق خطة أوباما للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق. ومع ذلك، لدى إيران كل الدوافع لإثبات أنه في حين يتباهى ترمب بهزيمة داعش، فإنه قد يفقد أيّ نفوذٍ للولايات المتحدة على الأراضي العراقية.

الصفقة الإيرانية الكبرى عام 2003

من وجهة نظر إيران، يمثل تحرك ترمب للقضاء على الصفقة النووية؛ المرة الثانية التي تقوض فيها الولايات المتحدة المساعي الإيرانية الدبلوماسية المتعلقة ببرنامجها النووي.
عرضت طهران على إدارة جورج بوش الابن، في مارس/ آذار عام 2003، وذلك خلال تواجد الولايات المتحدة على الحدود الإيرانية بعد اجتياح العراق، عرضت مقترحاً بشأن المفاوضات الشاملة، كانت فيه الجمهورية الإسلامية مستعدة لفتح برنامجها النووي للتفتيش، ومستعدة أيضاً للعمل كشريك مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في العراق.

لكن واشنطن رفضت الانخراط  والتحاور الدبلوماسي مع إيران في عام 2003، واختارت "تغيير نظام الحكم". كان منطق طهران وقتذاك أنه إذا سعت إدارة بوش إلى تغيير النظام في إيران وقررت قصف منشآت إيران النووية، فإنه يمكن للجمهورية الإسلامية أن تنقل صراعها مع الولايات المتحدة إلى العراق. قوّضت إيران  بعد ذلك مهمة الولايات المتحدة في العراق، من خلال دعم مجموعة متنوعة من المتمردين لاستهداف القوات الأميركية.

لم تُنشئ إيران الميليشيات الشيعية العراقية الأولى

فعلى سبيل المثال، سعى جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر إلى النأي بنفسه عن إيران؛ لذا بحثت إيران عن حلفاء أو وكلاء شيعة من خلال تشجيع الانشقاقات داخل الميليشيا المتمرسة في القتال بالفعل، وقد أثبت أحد التنظيمات المنشقة وهو "عصائب أهل الحق" التي تشكلت في عام 2006، أنه قوة جديرة بالثقة في استهداف الجنود الأميركيين في حرب الوكلاء الإيرانيين تلك. كان هذا المنحى إيذاناً ببدء انتشار الميليشيات الشيعية العديدة الموجودة اليوم في العراق. مثال آخر هو إغراء إيران لهادي العامري -الزعيم الحالي لحزب فيلق بدر وميليشياته العسكرية- بالانقسام عن حزب عمار الحكيم، المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، قبل انتخابات 2010، والذي سعى أيضاً إلى النأي بنفسه عن إيران.
وبحلول عام 2014، كان نصف الميليشيات الشيعية على أتم الاستعداد  قبل غزو داعش، كنتاجٍ للتوترات الثنائية بين طهران وواشنطن التي بدأت في عهد إدارة بوش. برز العديد من المرشحين المشاركين في الانتخابات العراقية اليوم؛ من حرب الوكلاء الإيرانيين منخفضة الحدة ضد القوات الأميركية في العراق بعد عام 2003.

يتبع ترمب نفس استراتيجية إدارة بوش

عندما فشلت الولايات المتحدة في العمل مع إيران من خلال الدبلوماسية في عام 2003، تمكنت الجمهورية الإسلامية من الرد عبر العديد من وكلائها المسلحين في العراق. واعتباراً من عام 2018، لم يقتصر تكاثر وكلاء إيران على العراق فقط، بل في سائر أنحاء المنطقة.

التأثير على الانتخابات العراقية

في أعقاب تحرك ترمب، أصبح لدى إيران حافز أكثر لتقديم صفقات مالية سخية للأحزاب والمرشحين الذين سيدعمون سياساتها وسيسعون إلى إقالة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، والذي كان متوافقاً مع الولايات المتحدة إلى أقصى حد.
الميليشيات الشيعية المختلفة، التي تعمل بشكل جماعي تحت عنوان "وحدات الحشد الشعبي"، قدمت مرشحين في تحالف الفتح، الأبرز بينهم هو هادي العامري.
تشير الأرقام الأولية إلى أن أياً من الائتلافات الشيعية الخمسة الرئيسية في العراق؛ لن تحصل على ما يكفي من الأصوات لتشكيل أغلبية برلمانية، مما يعني أن عمليات التفاوض وتشكيل التحالفات فيما بينهم سوف تتم بعد التصويت، بما في ذلك منصب رئيس الوزراء.

حتى مع زيادة دعم إيران لمرشحيها المفضلين، ما زال يتعين على المرء أن يأخذ في الحسبان القومية العراقية، فحتى الناخبين العراقيين الشيعة ربما لا يختاروا بالضرورة مرشحي الميليشيات الشيعية، على الرغم من شعبيتهم الكبيرة بسبب هزيمتهم لداعش.

ومع ذلك، سيظهر نفوذ إيران جلياً خلال عملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات. حتى في الماضي، عندما تشكلت حكومة العراق في عامي 2010 و 2014، كان دور إيران أساسياً لضمان أن رئيس الوزراء الجديد سيكون مقبولاً لدى الجمهورية الإسلامية.
بعد ذلك، لم تُجرَ أغلب المفاوضات الحاسمة في بغداد؛ ولكن مع ساسة مختلفين يسافرون إلى طهران لمناقشة تشكيل الحكومة. وفي عام 2018، ستظل طهران على الأرجح حَكماً قوياً خلال هذه العملية. يبقى أن نرى ما إذا كانت إيران ستقوض إعادة انتخاب العبادي؛ نظراً لأنه حاول موازنة العلاقات الخارجية العراقية مع خصوم إيران، السعودية والولايات المتحدة.
وبغض النظر عما إذا كان مرشحو الميليشيات الشيعية برزوا كقوةٍ ذات نفوذ وصناعٍ للقرار، فإنهم سيشعرون بمزيد من الضغوط الإيرانية لرفض العبادي. قبل اتخاذ قرار ترمب بشأن الصفقة النووية، كان من الممكن أن يكون لإيران سبب منطقي أقل لمثل هذا الضغط.

هل هناك ما يسمى "عقيدة ترامب"؟

في حين يزعم المنتقدون بأن ترمب لا يمتلك استراتيجية متماسكة للأوضاع في الشرق الأوسط، فإن كوري شاكي، في مقال نُشر لها في صحيفة ذي أتلانتك، أشارت إلى أن "استراتيجيته هي الحد من التدخلات الأميركية، وإرجاع مسؤولية النتائج التي تحدث في المنطقة إلى دول المنطقة ذاتهم، والسماح للقوة بتحديد النتائج". ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تدفع بالمسؤولية تجاه إسرائيل والمملكة العربية السعودية، بينما تحث إيران دون داعٍ على استفزاز هاتين الدولتين.
وقالت شاكي: "إنه نهج يسميه نظراء العلاقات الدولية "الواقعية "، وهو بديل لما يطلق عليه "التوازن الخارجي"؛ حيث يسعى إلى سحب القوات الأميركية من المنطقة"، ورغم وجوب مدحها من أجل إدخال نظرية العلاقات الدولية في وسائل الإعلام الرئيسة، فإن السياسة القائمة على الواقعية كانت ستتقبل الآتي؛ أولاً، أن الاتفاقية الإيرانية تضمنت برنامجها النووي، وثانياً، أنه لا إسرائيل ولا المملكة العربية السعودية في وضع يمكنهما من تحقيق الاستقرار في العراق أو سوريا أو لبنان، وهي ثلاث دول يطغى  النفوذ الإيراني فيها بشدة.
تفرض الواقعية والتوازن الخارجي على واشنطن أيضاً ضمان بقاء العراق حليفاً مستقراً في المنطقة، وذلك لأن قرار ترمب سيزيد فقط من محاولات إيران تقليص النفوذ الأمريكي هناك.
أدى فشل واشنطن عام 2003 في التحاور مع إيران إلى عدم الاستقرار في المنطقة، وفشل ترمب في القيام بذلك الآن لا ينبئ بالخير ولا بحدوث الاستقرار المستقبلي في الشرق الأوسط غير المستقر أصلاً.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Ey. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إبراهيم المراشي
أستاذ في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا
تحميل المزيد