عند السور الحدودي بين غزة وإسرائيل.. ذهبت آلاء المعاقة ذهنياً لبيع حقائبها المطرزة فسقطت برصاص القناصة

انتشرت مشاعر الإثارة بين الجماهير المحتشدة في أثناء اندفاعها نحو السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل مساء الأحد 13 مايو/ أيار 2018، حيث توقفت على مسافة 75 قدماً من أسلاك السياج.

يقول مراسل صحيفة The New York Times، الذي توجَّه من القاهرة إلى غزة لمتابعة التطورات، إنه في حين كانت مجموعات من أهالي غزة يسيرون على غير هدى، كان القناصون الإسرائيليون يراقبون الموقف من الجانب الآخر، الذي يكاد لا يكون مرئياً من أبراجهم المحصنة.

ولقي 67 فلسطينياً على الأقل مصرعهم، وأُصيب الآلاف على امتداد السياج منذ اندلاع الاحتجاجات بتاريخ 30 مارس/آذار 2018 حتى ظُهر الإثنين 15 مايو/أيار 2018؛ إذ سقط  حتى الساعة الثانية ظهراً بتوقيت القدس 18 فلسطينياً على الحدود بين غزة وإسرائيل خلال اشتباكات مع القوات الجيش الإسرائيلي ضمن فعاليات مسيرات العودة، التي بدأها الفلسطينيون قبل عدة أسابيع.

فتيات يتقدمن رغم الرصاص

ويضيف مراسل "نيويورك تايمز": "مكثتُ أراقب بينما تقدمت مجموعة من الفتيات الفلسطينيات يرتدين عباءات سوداء وأحذية رياضية ملونة. وصاحت إحداهن: (هذه أرضنا وليست أرضكم).

وفجأة، أُطلقت رصاصتان نحو الأرض أمامهن، ما أثار الكثير من الغبار. وانزعجت الحشود وتراجعت الفتيات نحو 15 قدماً. ومع ذلك، تقدمت الفتيات بعد دقائق مرة أخرى تهكماً من الجنود.

وسُمع دوي طلقة أخرى. وفي هذه المرة، سقطت إحدى الفتيات على الأرض ممسكة ببطنها.

واندفعت سيارة إسعاف على الأرض الوعرة، ورفع عمال الطوارئ الفتاة وانطلقوا ووراءهم صرخات النساء. ولم يكن النساء يعرفن الفتاة، باستثناء أنها كانت تقف إلى جوارهن.

وفي مستشفى الشفاء بمدينة غزة، اندفعت الفتيات في الممرات بحثاً عن الفتاة المصابة. وتوسلت إحداهن إلى ضابط الشرطة خارج غرفة العمليات قائلةً: (من فضلك، أريني وجهها)".

ويشير مسؤولون إسرائيليون إلى الأساليب التي يستخدمها المتظاهرون، ومن بينها دفع الإطارات المحترقة أو إرسال طائرات ورقية تحمل قنابل حارقة نحو إسرائيل لتبرير استخدامها القوة المميتة. ويذكر المتظاهرون أنهم يريدون الفرار من الظروف المعيشية التي تشبه السجون داخل غزة، ويعتزمون اجتياز السياج الحدودي، أياً كانت المخاطر.

وتجمَّع آلاف الفلسطينيين في مناطق مختلفة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل الإثنين 14 مايو/أيار 2018، وحاول عدد منهم الاقتراب من السياج الأمني، وقاموا بإلقاء الحجارة باتجاه الجنود، الذين ردُّوا بإطلاق النار.

وأعلن الجيش الإسرائيلي وضع قواته في حالة تأهب قصوى. وقال السبت 12 مايو/أيار 2018، إنه سيضاعف عدد وحدات جيشه المقاتلة حول قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة، كما ستتم تعبئة نحو 1000 شرطي إسرائيلي في القدس؛ لضمان الأمن بالسفارة ومحيطها.

ويشكِّل نقل السفارة، وهو أحد وعود الحملة الانتخابية لترامب، قطيعة مع عقود من السياسة الأميركية والإجماع الدولي؛ إذ يُعتبر وضع القدس إحدى أكثر المسائل الشائكة في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

ذهبت لتبيع حقائبها المطرزة

ويكمل مراسل "نيويورك تايمز": "وأخيراً، عرفتُ اسم السيدة المصابة -آلاء أصاوفيري- حينما ظهرت والدتها بأحد ممرات المستشفى والدموع تنهمر على وجنتيها وتحمل حذاء ابنتها داخل حقيبة بلاستيكية.

وذكر شقيقها محمد أن آلاء أصاوفيري، التي تبلغ من العمر 26 عاماً، قد وُلدت بإعاقة ذهنية. وتعلمت التطريز بإحدى مدارس الأشخاص ذوي الإعاقة. وأدى بها عملها إلى التوجه إلى المظاهرات، حيث كانت تريد عرض حقائبها المطرزة وأغطية الهواتف النقالة التي صنعتها.

ولا يدري شقيقها كيف انتهى بها الحال في مقدمة صفوف المتظاهرين. وقال إنها لم تكن تتصرف على أي حال بأسلوب يتسم بالعنف أو التهديد. وقال: لم تكن تحمل حجراً. فما هو العذر لإطلاق النار عليها؟!".

وفي البداية، ذكر المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أن أصاوفيري قد لقيت حتفها. ومع ذلك، فقد صحح البيان في وقت لاحق وقال إنها لا تزال على قيد الحياة، ولكنها في حالة حرجة.

ونقلت صحيفة The New York Times موعد وموقع الحادث إلى الكولونيل جوناثان كورنيكوس، المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية، الذي ذكر في رسالة نصية أنه لا يجد أي آثار لإطلاق النار.

وقال: "لقد تحققنا من الأمر بأكثر من وسيلة. ولا يوجد حتى الآن أي معلومات توضح تساؤلاتك. سوف نواصل التحريات".

الاحتجاجات تتصاعد

وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات بالذكرى الـ70 لقيام دولة إسرائيل، في حين حثت مكبرات الصوت من المساجد الفلسطينيين على المشاركة في احتجاجات "مسيرة العودة الكبرى". وتصاعد الدخان الأسود فوق الحدود نتيجة حرق المتظاهرين إطارات السيارات.

وقال مدرس علوم في غزة -يدعى علي- رفض عدم نشر اسم عائلته: "اليوم هو اليوم الكبير، اليوم ندخل الحدود؛ لنقول لإسرائيل والعالم إننا لن نقبل أن نبقى تحت الاحتلال إلى الأبد".

وأضاف: "سيكون هناك شهداء، ربما الكثير من الشهداء، ولكنّ العالم سيسمع رسالتنا؛ وهي أن الاحتلال يجب أن ينتهي".

وقال مسؤولون في قطاع الصحة إن جنوداً إسرائيليين قتلوا 18 فلسطينياً، بينهم صبي يبلغ من العمر 14 عاماً، ورجل على كرسي متحرك، بينما أصيب نحو 500، بينهم 200 على الأقل، بالذخيرة الحية. ونُشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي للرجل المقعد وهو يستخدم مقلاعاً.

وأثار عدد القتلى انتقادات دولية، لكن الولايات المتحدة، التي أثارت غضب العرب بنقل موقع سفارتها إلى القدس من تل أبيب، كررت الاتهامات الإسرائيلية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالتحريض على العنف.

وفي وقت لاحق من الإثنين 14 مايو/أيار 2018، سيحضر زعماء إسرائيليون ووفد أميركي، يضم وزير الخزانة ستيفن منوتشين وإيفانكا ابنة الرئيس دونالد ترامب وزوجها غاريد كوشنر، مراسم افتتاح السفارة.

وكتب نتنياهو على "تويتر"، قائلاً: "يا له من يوم مؤثر لشعب إسرائيل ودولة إسرائيل!".

وأرسل الجيش الإسرائيلي تعزيزات إلى الحدود مع غزة، وألقى منشورات وأطلق الغاز المسيل للدموع على قطاع غزة في وقت مبكر من الإثنين، محذراً الفلسطينيين: "ألا تجعلكم حماس دُمية بين أيديها" أو من الاقتراب من السياج الحدودي.

لكن آلاف الفلسطينيين تدفقوا على 5 مواقع على طول السياج، وكان بين المصابين بنيران الجيش الإسرائيلي 4 صحفيين، حسبما أفاد المسؤولون.

ويقول الجيش الإسرائيلي إن قواته تدافع عن الحدود وتطلق النار بما يتماشى مع قواعد الاشتباك.

ومن المنتظر أن تتصاعد الاحتجاجات غدا الثلاثاء فيما يحيى الفلسطينيون ذكرى "يوم النكبة" عندما طرد مئات الآلاف من منازلهم عام 1948.

وفي لندن قالت الحكومة البريطانية إنها لا تخطط لنقل سفارتها في إسرائيل للقدس من تل أبيب وجددت اختلافها مع القرار الأمريكي.

وقالت الحكومة الروسية إنها تخشى أن يزيد نقل السفارة التوترات في الشرق الأوسط.