قاعدة أميركية في سوريا تضع ترمب أمام خيارين صعبين.. قوات خاصة أُرسلت إليها لقتال داعش فوجدت نفسها تواجه إيران

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/13 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/13 الساعة 17:54 بتوقيت غرينتش

وجدت الإدارة الأميركية صعوبةً كبيرةً في تحديد مصير قاعدة عسكرية تابعة لها، أنشأتها في بلدة التنف، وسط الصحراء جنوبي سوريا، أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة "داعش"، إذ لم تحسم الإدارة الأميركية أمر بقاء قواتها الخاصة في القاعدة والحفاظ عليها، أو استدعاء جنودها والخروج نهائياً من سوريا.
وحسب صحيفة The Washington Post الأميركية، فإن القاعدة التي أنشئت لمواجهة "داعش"، وتغيَّر الهدف المراد منها في العام الماضي 2017، عندما بدأت القوات المدعومة من إيران في الضغط على الموقع العسكري المعزول، بات مصيرها يجسد تناقضاً في سياسة الرئيس دونالد ترمب تجاه إيران.
وأضافت الصحيفة، أن مناقشات البيت الأبيض المشحونة، التي بدأت في مايو/أيار الماضي، وما زالت مستمرة حتى اليوم، توضّح الفوضى التي اتَّسمت بها استجابة ترامب للنفوذ السياسي والعسكري لإيران، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إذ تتمتع إيران الآن بوجودٍ قوي من سوريا إلى اليمن وغيرهما.
ومنذ اللحظة التي تبنَّت فيها إدارة ترمب نهجاً معادياً ضد طهران في أيام التهديدات المثيرة خلال فترة رئاسته، وعد ترمب بأكثر العبارات عدوانية، وقال في مؤتمر صحفي الشهر الماضي، أبريل/نيسان: "لا يهم أين تذهب في الشرق الأوسط، حيث هناك مشكلة في كل مكان، إيران موجودة هناك"، متهماً طهران، كما فعل مرات عديدة في السابق، بتأجيج "العنف وسفك الدماء والفوضى" في مختلف أنحاء المنطقة.
وبالنسبة للرئيس الأميركي وفريق سياسته الخارجية المتشدد، قد تكون الأشهر المقبلة محورية. وسيتعيَّن على ترمب التوفيق بين لهجته الحادة تجاه إيران ورغبته المعلنة في الانسحاب من الشرق الأوسط والانسحاب من سوريا.
وترى الصحيفة الأميركية، أنه بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وصقور إيران، أصبحت تلك القاعدة العسكرية الصحراوية في التنف مقياساً لاستعداد أميركا للتصدي النفوذ الإيراني. ويثير التواجد الأميركي في التنف أيضاً سؤالاً صعباً بالنسبة لترمب: كم من الدماء والأموال هو على استعداد للمخاطرة بها لمواجهة النفوذ العسكري الإيراني؟

وكان المسؤولون الأميركيون يخشون أن تُجتاح القوة الصغيرة المُنكشِّفة المؤلفة من عناصر القوات الخاصة هناك في ظل سعي إيران، التي تقاتل لدعم الحكومة السورية، للسيطرة على طريقٍ بري إلى دمشق والبحر الأبيض المتوسط.
وخاطرت الضربات الأميركية على القوات التي تحاول التقدم تجاه الموقع بدفع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى مزيدٍ من التورط في الحرب الأهلية السورية.
لكن بالنسبة لبعض كبار المساعدين، كانت المواجهات المتوترة حول التنف تمثل فرصة لتعزيز العملية، التي أصبحت حصناً غير مقصود في وجه إيران، وشنّ حملةٍ أكبر ضد انتشار طهران العسكري في المنطقة.

مواجهات أميركية إيرانية بالصدفة

ذكرت صحيفة The Washington Post الأميركية، أن التركيز على مواجهة إيران في التنف بدأ بالصدفة. إذ في عام 2016، كان الجيش الأميركي يحقق تقدماً ضد متطرفي داعش في العراق وسوريا، عندما وافق الرئيس باراك أوباما على برنامج تدريب صغير لقوات سورية عبر الحدود في الأردن.
واقترح البنتاغون إدخال المقاتلين المدعومين من الولايات المتحدة في التنف، التي تمت استعادتها من المسلحين في ذلك العام. وكانت إحدى النقاط الجاذبة لاختيار ذلك الموقع العسكري الصحراوي هو عزلته.
وكان يُنظر إليه باعتباره من السهل نسبياً الدفاع عنه، لأنه محاطٌ بأميالٍ من الرمال، وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى: "إنه مثل المريخ هناك، مجرد صحراء وطريق".
في البداية، كانت الخطة تتمثل في نقل القوات في التنف ومستشاريهم الأميركيين شمالاً على طول الحدود مع العراق، حيث تُربَط بالوحدات الأخرى المدعومة من الولايات المتحدة، التي تقاتل داعش وتساعد في استعادة معبر البوكمال الحدودي الاستراتيجي بين البلدين.
لكن قبل أن يتمكنوا من الخروج، تقدَّمت القوات المدعومة من إيران بالتحالف مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد باتجاه الحدود العراقية، مما عرقل التحرك الأميركي المخطط له شمال شرقي البلاد.
وبدلاً من شقّ طريقهم عبر خطوط العدو، مكثت القوات المدعومة من الولايات المتحدة ومستشاروها الأميركيون. بدأ الجنود الأميركيون، الذين في البداية قاموا بالتحرك حول البؤرة العسكرية في مهمات على مدار 24 ساعة، يستعدون للبقاء لفترة أطول تمتد لأيام وحتى أسابيع.
تحولت المهمة الضبابية في قاعدة التنف بهدوء من قتال داعش، التي فقدت تدريجياً موطئ قدمها الصغير في المنطقة، لمواجهة الوجود الإيراني المتزايد.
لم تكن القوات الأميركية في التنف مفيدة فقط في حماية مخيم قريب للاجئين، ولكن قال عدة مسؤولين إنه يمكن أيضاً استخدامهم في اعتراض شحنات الأسلحة، الأفراد أو التمويل القادم من إيران إلى حكومة الأسد، فيما وصفه مسؤولون عسكريون كثيراً بـ"جسر طهران البري" عبر الشرق الأوسط.
وبدأت القوات المدعومة من إيران سريعاً في تحدي الوجود الأميركي، في محاولة، كما يعتقد المسؤولون الأميركيون، لاستعادة معبر حدودي قريب، والربط بالقوات المتحالفة معها في العراق.
وفي مايو/أيار العام الماضي 2017، أطلقت الطائرات الحربية الأميركية النارَ على عدد من القوات التابعة لنظام الأسد، بما في ذلك رجال الميليشيا المدعومون من إيران، الذين كانوا يتجهون نحو القاعدة العسكرية الأميركية.
وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية، عن الهجمات تحدَّثَ على غرار المسؤولين الآخرين بشرط عدم الكشف عن هويته: "لقد كانت أسابيع قليلة مخيفة". كما عزز البنتاغون المراقبة الجوية على القاعدة الأميركية، وعزز القوات هناك بأسلحة مضادة للدبابات لحماية أفضل ضدَّ أي هجوم إيراني مدرع.
وداخل البيت الأبيض، بدأ المسؤولون الذين أرادوا القيام بمزيد من الجهد لمواجهة النفوذ الإيراني بالضغط من أجل توسيع الفقاعة الأمنية حول قاعدة التنف. وقد دعت الخطط الأكثر طموحاً إلى إنشاء منطقة آمنة، حيث يمكن للجيش الأميركي تدريب قوات لتحدي إيران ونظام الأسد في جنوبي سوريا.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: "بالتأكيد بدا الأمر وكأنه لحظة محورية بالنسبة إلى من سيخرج منتصراً بشأن السياسة الملائمة- تلك التي أرادت فعلاً نقل المعركة إلى الإيرانيين في سوريا وتلك التي لم تفعل ذلك".

ترمب غير راغب في المخاطرة

لكن ترمب، كما يبدو في كثير من الأحيان، غير راغب في المخاطرة بصراع مفتوح مع إيران، هو يميل إلى معارضته للاتفاق النووي خلال المناقشات حول الاستراتيجية الأكبر بشأن إيران، حسبما قال مسؤولون حاليون وسابقون.
في الأسابيع الأخيرة -وفي بعض الأحيان حتى في نفس المؤتمر الصحفي- تحدث ترمب عن البقاء في قاعدة التنف، للتصدي لإيران وأعرب عن دعمه لترك سوريا بالكامل.
وقال في مؤتمر صحفي: "سيكون لدينا عائق قوي للبحر الأبيض المتوسط، وهذا بالنسبة لي مهم للغاية، لأنه إذا لم نفعل ذلك، فستكون إيران متجهة مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط". وأضاف: "سوف نعود إلى الوطن في وقت قريب نسبياً".
وكما قال أحد كبار الدبلوماسيين الأميركيين السابقين في المنطقة، إن هذه الرسائل المتضاربة قد تركت حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط "محبطين". وأضاف: "إنهم قلقون من أننا سنغادر… وحول الرسالة التي تُرسل إلى إيران".
وكان ترمب مصراً في محادثات خاصة مع كبار مساعديه للأمن القومي، على أن الأولوية الأميركية في المنطقة هي هزيمة داعش والخروج من سوريا، وليس محاربة إيران.
وقال مسؤول أميركي سابق، إنهم عندما يطرحون قضية سوريا، يقول ترمب: "أريد أن تكون سوريا مشكلة بوتين. وعندما يتحدثون عن العراق، يقول ترمب: "ما هو الحد الأدنى الذي يمكنني القيام به؟". وأضاف المسؤول الأميركي: "إن الإجراءات لا تنسجم لتُشكل ما يمكن أن يكون استراتيجية أكبر ضد إيران".
كما أن كبار قادة ترمب العسكريين غير راغبين في توسيع المهمة في سوريا، وكبح جماح إيران، وهم قلقون بشأن سلامة القوات الأميركية المنتشرة في أنحاء المنطقة.
وقد دعا الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية، إلى تشكيل تحالف من القوات لتجعل من الصعب على الميليشيات المدعومة من إيران أن تعمل في المنطقة.
وتقول صحيفة The Washington Post، إنه يكاد يكون من المؤكد أن أي إجراء قد تسعى الولايات المتحدة إلى تنفيذه ستكون له تكاليف سلبية، مما قد يزيد من المخاطر التي قد يتعرض لها الموظفون الأميركيون. وفي سوريا، السؤال الكبير هو: ماذا، إذا كان هناك أي شيء، سيخلف الوجود الأميركي في التنف إذا ما تابع ترمب وعده بإخراج القوات الأميركية من سوريا.

تحميل المزيد