الأمن الوطني رفع تقريراً عاجلاً للرئاسة المصرية: الأوضاع قد تخرج عن السيطرة بعد رفع أسعار تذاكر المترو

ربما لم تكن الحكومة المصرية تتوقع ردة الفعل العنيفة هذه من قِبَل المواطنين في محطات مترو القاهرة، بعد يوم من تطبيق زيادة أسعار التذاكر

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/13 الساعة 20:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/13 الساعة 20:29 بتوقيت غرينتش

ربما لم تكن الحكومة المصرية تتوقع ردة الفعل العنيفة هذه من قِبَل المواطنين في محطات مترو القاهرة، بعد يوم من تطبيق زيادة أسعار التذاكر. بالتأكيد كانت تتوقع غضباً أو استياء، لكن أن يتجاوز الأمر الحد إلى درجة إغلاق محطات مترو واشتباكات مع قوات الأمن، وحتى عبور بوابات الدخول بدون تذاكر، فهو أمر غير مألوف.

يوم السبت 12 مايو/أيار 2018، سيطرت حالة غضب شديدة على المواطنين عقب قرار وزارة النقل المصرية برفع أسعار تذكرة المترو، وتحولت حالة الصدمة التي اعتلت وجوه الركاب في أول يوم عمل بعد القرار، إلى مشاحنات داخل غالبية المحطات، واشتباكات مع أفراد الأمن المتواجدين داخل محطات المترو، حسب ما وثَّق نشطاء بمقاطع مصوّرة بثوها عبرالشبكات الاجتماعية.

ولأول مرة منذ سنوات، تتعالى هتافات ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في محطات مترو مصر، وخرج الأمر عن السيطرة في بعض المحطات، حين قرَّر الركاب إغلاقها تماماً.

جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) كان متابعاً للأحداث بعين ترصد كل كبيرة وصغيرة، تحدث منذ الساعات الأولى، ليرفع في نفس اليوم تقريراً إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يطلق عليه اسم "تقرير حالة أمنية".

بالطبع هذا أمر معتاد ومفهوم وطبيعي أن يقوم جهاز الأمن الوطني برفع مثل هذه التقارير، لكن ما جاء في تفاصيل التقارير كان هو الأهم. أحد المصادر المطلعة بجهاز الأمن الوطني تحدَّث إلى "عربي بوست" بشرط إخفاء اسمه، قائلاً إن الجهاز رفع تقريراً للرئيس، يوم السبت، عن تقديرات ردِّ فعل الشارع المصري حيال زيادة أسعار تذاكر المترو الجديدة.

التقرير نبَّه -بحسب المصدر- أن "الأمور على مشارف الخروج عن السيطرة"، وأن قرار الزيادة سوف يؤثر على الطبقات الأكثر فقراً، بشكل قد يقود إلى "انفجار عشوائي يصعب التكهن بحجمه أو مآلاته"، على حد وصف التقرير.

وأرفق بالتقرير عدد من الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها  بواسطة عناصر أمنية، ظهرت فيها أعداد وُصفت بأنها "ليست بالقليلة" من الركاب، وهي تقتحم بوابات المحطات. كما شمل التقرير مجموعة صور لمحطتي مترو "عزبة النخل" و"المرج"، وقد أغلقت تماماً بواسطة المواطنين، فيما يشبه إرهاصات العصيان المدني، على حد وصف المصدر.

التقرير لم يتضمن توصيةً صريحةً بالتراجع عن الزيادات الأخيرة، هو فقط حذَّر من الغضب الشعبي، تاركاً القرار للرئاسة، على حد تعبير المصدر الأمني، الذي أضاف "لم نتلق رداً من القيادة السياسية على تقريرنا، لكن الرد جاء مساء نفس اليوم على لسان وزير النقل هشام عرفات، الذي صرَّح لأحد البرامج التلفزيونية، أنه لا تراجع عن قرار زيادة تذاكر المترو الأخير".

الرصد يبدو سليماً

عميد الشرطة المتقاعد محمد صابر، عقَّب على الموقف قائلاً، إنه -وبعيداً عن فحوى التقرير- فجهاز الأمن الوطني هو جهاز معلوماتي، وليس وظيفة الجهاز تحليل الموقف أو اتخاذ قرارات سياسية، لكن هدفه قاصر على رصد الموقف على الأرض، وجمع أكبر قدر من المعلومات ووضعها بين يدي متخذ القرار.

هذا أولاً، وثانياً -والحديث للعميد صابر- فإنه بالنسبة لما تم ذكره في هذا التقرير المفترض، فقد ذكر أنه رغم أنه لم يطلع عليه، لكنه يعتقد أن "هذا كلام دقيق إلى حد بعيد".

وأضاف "بشكل شخصي، ومن متابعة دوائرنا المحيطة، خصوصاً المرتبطة بالطبقات الفقيرة، يمكن بسهولة إدراك مدى تأثير هذا القرار عليهم. وعليه، أعتقد أن الرصد سليم جداً". وقال إنه ينصح بالتراجع فوراً عن هذه الزيادة، أو أن يتم اتخاذ تدابير اقتصادية واجتماعية مناسبة لتعويض الفقراء عن الفرق في الأسعار.

وأوضح أنه "يجب أن يحدث هذا فوراً لتفويت الفرصة على العناصر المثيرة للقلاقل، مثل 6 أبريل والإخوان، الذين يتحيَّنون مثل هذه الفرص لإشعال البلد وإسقاط الدولة"، على حد تعبيره.

الحكومة لن تستجيب

لكن ريمون عزيز، الباحث في الشؤون السياسية، علَّق على تقرير الأمن الوطني، قائلاً: "غالباً لن تستجيب الحكومة لمثل تلك التحذيرات، ولن تتراجع عن قرار زيادة الأسعار".

وفسّر رأيه هذا بأن مثل هذه الحكومات، التي وصفها بالقمعية، تدرك جيداً أن التراجع خطوة للخلف معناه فتح باب لن يمكن سده مستقبلاً، وعليه فالحل الأمثل الذي تلجأ له هو المضي قدماً في طريقها.

واستعاد عزيز تجربة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، مع "انتفاضة الخبز" عام 1977، حين تراجع عن قرار رفع بعض الأسعار، في أعقاب الهبَّة الشعبية. لكنه أكد أن قرار التراجع الذي اتَّخذه السادات لن يتكرر مع الرئيس الحالي السيسي، "السيسي ليس السادات، فهو لا يملك قدرات المناورة السياسية التي كانت لدى سلفه، ولا وضعه هو نفس وضع نظام السادات".

وأضاف أن صعود السيسي إلى الحكم جاء بطريقة مختلفة حولها علامات استفهام، وبدأ حكمه بإجراءات قمعية كبيرة ضد المعارضين، على حد تعبيره، وذلك عكس السادات الذي لم تكن شرعيته على المحك. وأضاف أن السيسي لا يحب السياسة بشكل عام، مستعيداً تصريحاً سابقاً للرئيس المصري الحالي، قال فيه "أنا مش سياسي… أنا مش بتاع كلام"، واصفاً إياه بأنه يحكم بعقلية المقاتل العسكري الذي لا يتراجع ولا يتقهقر، وتلك إشكالية كبرى في بلد شديدة التعقيد مثل مصر.

وأوضح أن قرار السيسي الأخير بمضاعفة أسعار المترو يتسق تماماً مع فلسفة الرجل في الحكم، الفلسفة التي عبر هو صراحة عنها في العام الماضي، أثناء افتتاح عدد من المشروعات الخدمية والتنموية في محافظة قنا، قائلاً "لا توجد خدمات في الدنيا بمثل الأسعار التي توجد لدينا".

وعن رؤيته للغضب الشعبي حيال قرارات رفع الدعم المتوالية، أوضح السيسي في اللقاء ذاته موقفه، قائلاً: "المواطن الذي نقول له إننا سنزيد عليك سعر التذكرة بمقدار جنيه، يرد قائلاً إنه غلبان وغير قادر… صحيح وأنا أيضاً غلبان وغير قادر".

ونجح الرئيس المصري حتى الآن بامتياز في عبور كل العقبات التي واجهته نحو السيطرة على مقاليد الحكم، مروراً بالعديد من الأفعال التي كان يعتبرها البعض خطوطاً حمراء لا يمكن تجازوها، مثل اعتقال الفريق سامي عنان رئيس أركان جيش مصر الأسبق، بعد إعلانه نيته الترشح للرئاسه، مروراً بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

التحدي الأكبر كان يتَّضح مع فكرة رفع الدعم بشكل كامل عن الوقود والكهرباء، وهو ما بدأ فيه بشكل تدريجي بالفعل دون وقوع مشكلات تُذكر، حتى ظنَّ البعض أن الشارع المصري لن يُظهر أي معارضة وسط ارتفاع الأسعار الجنوني الذي حدث مع قرار تعويم الجنيه. لكن قرار وزير النقل الأخير برفع قيمة تذاكر المترو غيَّر وجهة النظر هذه، وأعطى علاماتٍ على إمكانية تحرُّك الطبقة الفقيرة وتحت المتوسطة ضد الإجراءات الاقتصادية الصعبة هذه.

السؤال الآن: إذا كانت الحكومة والرئاسة المصرية تجاهلت تقرير الأمن الوطني الأخير، وأصرَّت على زيادة الأسعار، وراهنت على قدرته على امتصاص غضب الناس وتجاوزه، فالمأزق الأكبر أمامه سيكون خلال شهرين، حين يرفع أسعار المنتجات البترولية، فهل يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة وقتها؟ وكيف سيتعامل الرئيس المصري مع غضب الفقراء حينها؟.

علامات:
تحميل المزيد