شهد العراق، السبت 12 مايو/أيار، أول انتخابات برلمانية بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لكن من جهة أخرى فإن الاقتراع تزامن مع تجدد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، في أعقاب قرار دونالد ترمب بإلغاء الاتفاق النووي.
وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فإن هذه الخطوة غذَّت المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في شوارع بغداد، وخاصة داخل أعضاء الحشد الشعبي الشيعي، الذي يتهمه البعض بالموالاة لإيران.
ويقول بعض المسؤولين العراقيين، إنَّ الانسحاب الأميركي من الصفقة قد يجعل العبادي عرضةً للخطر، ويمنح إيران مزيداً من الخيارات، لأنَّ القرار يقوّض قدرته على التوفيق بين الجانبين، إضافةً إلى أنَّه قد يمنح إيران سبباً إضافياً للضغط في صالح تنفيذ مطالبه في بغداد، متجنِّباً زحفاً استفزازياً لحملة أقوى، مع وجود قوة استقلالية ذاتية قوية، مثل قوات الحشد الشعبي، تؤدي دور حصان طروادة.
وفي قواعد الميليشيات في أنحاء العراق، ارتدى القادة الذين أمضوا السنوات الأربع الماضية في الزي العسكري بذلات أنيقة، وراحوا يحيّون الضيوف. إذ يُنسَب إليهم معظم الفضل في هزيمة تنظيم داعش، ويحاول الحشد الشعبي الآن استثمار مكاسبهم في أرض المعركة، للخروج بمكاسب في انتخابات العراق الوطنية الأولى منذ 2014.
التبعية إلى طهران
ويُنظر إلى زعيمها حيدر العامري، ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي على أنَّهما المرشحان المفضلان لإيران والولايات المتحدة على التوالي. فقد أصبحت قوات الحشد الشعبي نفسها نموذجاً مصغراً للصراع على النفوذ بين القوتين.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن وضع قوات الحشد الشعبي بعد الحرب بالنسبة لكثيرٍ من العراقيين أصبح بنفس أهمية مصير البلد نفسه. ويقول بعض كبار المسؤولين العراقيين، إنَّ أهم مشكلات اقتراع يوم السبت 12 مايو/أيار، هي ما إن كانت المنظمة ستُدمج في هياكل الدولة العراقية، أو تصبح مؤسسة مستقلة ذات نفوذ بدلاً من ذلك.
وقال وزير حالي، عن وضع قوات الحشد الشعبي بعد الانتخابات، إنَّه "أمر وجودي تقريباً. يريدون تثبيت أنفسهم كحارس بريتيوري، تماماً مثل نموذج الحرس الثوري الإيراني. إنَّهم يريدون بناء دولة موازية، وهذا من شأنه أن يغير أساسيات الطريقة التي يُحكم بها العراق".
فيما قال الشيخ قيس الخزعلي، العضو البارز في حزب جبهة القوى الديمقراطية، وزعيم فصيل "عصائب أهل الحق"، الذي ربما يعد الفصيل الأكثر هيمنة، وتشارك كتلته السياسية في الانتخابات، إنَّ المخاوف من استيلاء قوات الحشد الشعبي على العراق ليست في محلها.
وقال الخزعلي "من الواضح أنَّه كان هناك سوء فهم لدور دولنا المجاورة في العراق. يعتقد البعض أنَّ شيعة العراق ينتمون للإيرانيين، وأنَّ ولاءنا موجَّه إليهم، وهذا غير صائب تماماً. الشيعة في إيران ليسوا سومريين (عراقيين)، فلديهم ثقافة ومجتمع وقيم مختلفة، وقال: "ما سيحدث للحشد الشعبي سيقرره العراقيون لا الإيرانيون".
وعلى جانب آخر، صرَّح الخزعلي بأنَّ عصائب أهل الحق لن تستمر في حالة الحرب الدائرة، وأنَّها تطمح لدور أكبر في شؤون البلاد السياسية، معترفاً في الوقت نفسه بأنَّ هناك العديد من الأخطاء التي ارتُكبت في الفترة الأخيرة، سواء كان تنظيمه أو أحد التنظيمات الأخرى مسؤولاً عنها.
وأضاف الخزعلي: "يقولون إنَّ السنِّيين إرهابيون، وإنَّنا الخاطفون، ولا بد أن يتوقف هذا لأنَّنا بحاجة لبناء دولة تحتضن الجميع". وتابع: "نحن نحب بلدنا، ولا نرغب في العودة إلى حالة الطائفية مرة أخرى. نوايانا طيبة، ونحن مستعدون للتعاون مع الجميع".
إيران ليست وحدها في الساحة
صحيح أن الحشد الشعبي يُتهم بالموالاة إلى إيران، بالنظر إلى مرجعيته الشيعية والدعم الذي يتلقاه من طهران، إلا أن الساحة السياسية العراقية تعرف تواجد قوى إقليمية أخرى، ما جعل القوائم الانتخابية تتجزأ، لتعلن بشكل غير مباشر عن ولاءاتها لقوى إقليمية متنافسة.
فيقود قائمة "القرار" خميس الخنجر وأسامة النجيفي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس جمهورية العراق. وتضم القائمة 10 أحزاب أصغر في التحالف، ويُنظَر إليها باعتبارها أقرب إلى تركيا وقطر، المحاصرة من جانب السعودية.
وتضم القائمة الثانية المعروفة باسم ائتلاف "الوطنية" حزباً إسلامياً مرتبطاً بالإخوان المسلمين العراقيين، ويُعَد أكبر حزب سُنِّي في البلاد، إلى جانب رئيس الوزراء السابق إياد علاوي.
ويُعتَبَر الحزبان العلمانيان والأحزاب الإسلامية داخل القائمة أقرب إلى إيران، في حين يُنظَر إلى علاوي باعتباره ميَّالاً باتجاه الإمارات. ويُنظَر إلى قائمةٍ ثالثة، وهي قائمة "الحل" التي يترأسها جمال الكربولي، باعتبارها أقرب إلى السعودية.
وبالانتقال شمالاً، تبدو الصورة هي نفسها. فإحدى القوائم التي تُدعى "كردستاني" تتشكَّل من الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، والأول موال لإيران في حين الأخير مُقرَّبٌ من تركيا.
وتتكون القائمة الثانية من إسلاميين كرديين، اتَّحدوا مع مجموعة من معسكر طالباني، تُسمَّى حركة تغيير "غوران". ويقود الثالثة برهم صالح، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس وزراء العراق.
وربما تجد تركيا نفسها عاملاً حاسماً فيما يتعلق بميل العراق إلى الشرق ناحية إيران، أو إلى جنوب الغرب ناحية السعودية والإمارات. والحجة المضادة لهذه الحسابات هي أنَّ العراقيين أياً كانت طائفتهم لا يمكن أن يُعاملوا كوكلاء إقليميين.