تواجدهم في سوريا سيطول ولهذا يفضلهم الأكراد على الأميركيين.. القوات الخاصة الفرنسية لمواجهة التطرف أم للدفاع عن مصالحهم الخاصة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/10 الساعة 06:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/10 الساعة 10:04 بتوقيت غرينتش

في شمالي سوريا، أصبح مصنع شركة "لافارج" لصناعة الإسمنت قاعدة للقوات الخاصة التابعة للتحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة. وفي مقال نشرته صحيفة Le Monde الفرنسية، فإنه في هذا الموقع الاستراتيجي، الذي كان سابقاً بمثابة غنيمة حرب لتنظيم الدولة، أقامت الوحدات الفرنسية المنتشرة على الأراضي السورية مقرها العسكري، منذ سنة 2015، مع نظيراتها الأميركية والبريطانية.

وعلى الرغم من أن القوات الفرنسية تتحرك بسرية تامة على أرض الميدان في سوريا، إلا أنها تلعب دوراً محورياً ضمن الاستراتيجية التي تتبعها باريس في البلاد.

فعلى الصعيد العسكري، تشارك القوات الفرنسية مع قوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل الأكراد غالبيتها، منذ غرة مايو/أيار، في الهجوم الذي استؤنف ضد آخر معاقل تنظيم الدولة في شمال شرقي البلاد. ولعلاقة الشراكة بين القوات الفرنسية وقوات سوريا الديمقراطية أبعادٌ سياسية، حيث ينسجم موقف باريس إزاء الأزمة السورية مع الرؤية التي تتبناها هذه القوات على أرض المعركة، بما يخدم مصالح فرنسا في البلاد.

التواجد في الساحل الإفريقي والشرق الأوسط ضرورة ملحة

في 26 أبريل/نيسان، أعلن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أن فرنسا ستُعزّز حضورها في سوريا، وفي منبج بالتحديد. وقد أرسلت باريس قرابة 50 عنصراً من قوات الكوماندوز، لتساند القوات الأميركية التي تقدر بحوالي 300 عنصر. وقد تم الكشف عن هذه المعلومات بشكل مشترك من قبل الحليفتين.

ظلَّت القوات الفرنسية متكتّمة على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تواجدها في البلاد. وقد اعترفت السلطات التنفيذية في فرنسا، بشيء من التحفظ، بتوجيه القوات الخاصة للقتال ضمن الخطوط الأمامية في عملياتها الخارجية الرامية إلى مكافحة الإرهاب.

في العادة، لا تثير مثل هذه السياسة الخارجية المتبعة جدلاً سياسياً واسع النطاق. وفي الوقت الذي أعلن فيه جيمس ماتيس عن مشاركة القوات الخاصة الفرنسية في سوريا، نشر بعضُ القراصنة على الإنترنت مقاطعَ فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، تصوّر تجوّل مركبات قتال مدرعة تحمل العلم الفرنسي إلى جانب المركبات الأميركية، مما يدل على تواجد هذه القوات في المناطق المحيطة بمدينة منبج.

وقد تم اتخاذ قرار بإرسال القوات الفرنسية الخاصة من قبل أعلى سلطة في البلاد. ويبدو أن رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، مقتنع أكثر من سلفه، فرانسوا هولاند، بمزايا شنّ حرب ضد المتطرفين، شأنه شأن المديرية العامة للأمن الخارجي في فرنسا.

نتيجة لذلك، عمل الجيش الفرنسي على زيادة عدد وحداته منذ سنة 2013، حيث باتت تضم قيادة العمليات الخاصة حوالي 4300 عنصر، بما في ذلك 600 عنصر ينشطون خارج البلاد، وفي ساحات حرب تعتبر رئيسية بالنسبة لفرنسا، على غرار الساحل الإفريقي والشرق الأوسط.

أهداف استخباراتية وأمنية

تندرج مهام القوات الفرنسية ضمن إطار محدد، حيث لا يمكن لفرنسا أن تثبت التزامها العسكري تجاه الحرب السورية، من دون أن ترسل قواتها الخاصة. ويمكن القول إن هذه القوات تعد من بين القوات الأولى التي انتشرت في منطقة العمليات، من أجل تحقيق أهداف استخباراتية، ومكافحة الإرهاب. وقد سقط أول قتيل فرنسي، ينتمي لقوات الكوماندوز، خلال عملية "سرفال"، التي قادتها القوات الفرنسية في مالي، خلال شهر يناير/كانون الثاني في سنة 2013، في حين قُتل أول جندي فرنسي في سوريا خلال شهر سبتمبر/أيلول سنة 2017.

أما في سوريا، فتُعتبر كل من قيادة القوات الخاصة والمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسيتين من الأذرع الرئيسية المسلحة التي توظفها باريس لتنفيذ سياستها الخارجية، والتي تعمل جنباً إلى جنب مع حليفتها الأميركية. فضلاً عن ذلك، تمثل فرنسا أحد أطراف التحالف الذي يضم كلاً من المملكة المتحدة والأردن والسعودية.

وتتجسد المهمة الرئيسية للكوماندوز الفرنسي في المساهمة في القضاء على تنظيم الدولة، ومنع عودة المقاتلين الذين حاربوا في صفوف هذه الجماعة إلى فرنسا. وفي هذا السياق، تعد طبيعة المعلومات المقدَّمة للتحالف إحدى أهم أسس العلاقة التي تربط باريس بقوات سوريا الديمقراطية، التي تحتجز العشرات من المتطرفين الأجانب والمئات من السوريين.

وفي العراق، سجَّلت قوات الكوماندوز الفرنسية حضورَها منذ سنة 2014، وعمدت إلى إدخال تعديلات على طبيعة نشاطها في البلاد في عدة مناسبات. وفي البداية، قامت القوات الخاصة الفرنسية بتدريب القوات الكردية، في أربيل، في عدة مجالات، من قبيل مكافحة المتفجرات والإنقاذ. في هذا الإطار، قال قائد القوات الخاصة، الأميرال لوران إيسنار، إنه "عندما نصل إلى مسرح العمليات، يجب أن يتم تقبل وجودنا أولاً من قبل شركائنا، حتى نتمكن من تقديم الضمانات التي تعكس التزامنا، وهو ما سيسمح لنا بتقديم التدريبات اللازمة".

هجمات باريس وضرورة الانتشار في سوريا

تولَّت فرنسا قيادة الضربات الجوية والتوجيهات التكتيكية، واستمرَّت في هذه المهمة من خلال انخراط العديد من عناصرها في وحدات النخبة العراقية، وذلك في خضم المعارك التي شهدتها مدينة الموصل. ومنذ أن تمت استعادة المدينة، قلَّصت فرنسا عدد القوات الخاصة المتمركزة على الأراضي العراقية. في المقابل، كانت وحدات من القوات الأجنبية ومشاة البحرية جاهزة لملء الفراغ الذي خلَّفته القوات الفرنسية.

وفي سوريا، تأقلمت قيادة القوات الخاصة الفرنسية مع التحالفات التي تكوَّنت في إطار الحرب التي تدور رحاها في البلاد. وعندما أصبحت القوات الكردية شريكاً للتحالف المناهض لتنظيم الدولة، وذلك عبر بذل جهود حثيثة في كوباني لمحاربة التنظيم، أقنعت القوات الفرنسية فرانسوا هولاند بأهمية الحفاظ على روابط التعاون مع  هذه القوات.

من جهتهم، لم يُخفِ الدبلوماسيون الحريصون على عدم المساس بالعلاقات الفرنسية مع تركيا، حليفة الناتو، تردّدهم بشأن التدخل في سوريا. وخلال فبراير/شباط سنة 2015، التقى الرئيس الفرنسي بنسرين عبدالله وآسيا عبدالله، الممثلتين عن الأكراد في سوريا. وقد كان هولاند أول رئيس دولة يلتقي بممثلين عن القوات الكردية. وإلى الآن لم يسر على خطى هولاند سوى خليفته إيمانويل ماكرون.

مع نهاية سنة 2015، تنامى وجود القوات الخاصة الفرنسية في سوريا بالاعتماد على العتاد الأميركي. ووفقاً لما أفاد به مصدر مطلع "كانت هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني في باريس حاسمة في اتخاذ قرار بشأن الانتشار في سوريا". وقد شاركت قوات الكوماندوز الفرنسية في القتال في مدينة منبج، في أغسطس/آب سنة 2016، حيث مثَّل ذلك اختباراً آخر ناجحاً لقوات سوريا الديمقراطية.

ومن ثم، شاركت هذه القوات في استعادة الرقة، خلال الفترة الفاصلة بين يونيو/حزيران، وأكتوبر/تشرين الأول سنة 2017. ومما لا شك فيه أن قوة العمليات الأميركية من وراء خطوط العدو لا تضاهى، إلا أن لباريس أيضاً ثقلها، ذلك أنها أرسلت قواتها لدعم الوحدات الكردية والدخول إلى قلب هذه المدن.

في صيف سنة 2017، وبعد انتخابه مباشرة، أَمَرَ ماكرون بإعداد تقييم استراتيجي حول سوريا. وفي قصر الإليزيه، اقترحت الخلية الدبلوماسية وهيئة الأركان الخاصة بعض الخيارات المتعلقة بالحضور الفرنسي في سوريا، وذلك قبل عيد الميلاد بوقت قصير. وقد كان الهدف واضحاً، حيث تمثَّل في مواصلة دعم قوات سوريا الديمقراطية بعد سقوط الرقة، من أجل تعزيز سيطرتها على المزيد من الأراضي التي تقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات.

في الأثناء، تسبَّب الهجوم الذي شنَّته تركيا على عفرين، في أوائل مارس/آذار، لإخراج القوات الكردية من هذه المنطقة في شمال غربي سوريا، تسبَّب في خلط جميع الأوراق. فقد اضطرت قوات سوريا الديمقراطية، التي استولت على هذه الجبهة الجديدة، إلى تعليق عملياتها ضد المتطرفين. وبالنظر إلى أن الجيش الفرنسي يدرك أن رجب طيب أردوغان لن يتوقف عند هذا الحد، فقد أقنع ماكرون بإعادة نشر القوات الفرنسية والتعزيزات الأميركية في منبج، التي كانت تمثل الهدف الموالي لأنقرة.

تجدر الإشارة إلى أن الحلفاء وعدوا، في سنة 2016، أردوغان بمغادرة المنطقة بعد تحرير المدينة. وبالنسبة للفرنسيين، لم يكن من المستحسن، على الصعيدين الأخلاقي والاستراتيجي أن يتخلى التحالف عن قوات سوريا الديمقراطية، التي يرون أنها القوات الوحيدة القادرة على السيطرة على شمال شرقي سوريا على المدى الطويل. وفي منبج، كانت فرنسا والولايات المتحدة تفضلان الحفاظ على الأراضي التي يسيطر عليها شركائهما المحليون في مواجهة طموحات تركيا.

وفي 29 مارس/آذار، استقبل ماكرون وفداً من قوات سوريا الديمقراطية. أما في واشنطن، فقد نجح الرئيس الفرنسي في إقناع دونالد ترامب، في أواخر أبريل/نيسان، بعدم الانسحاب من سوريا في غضون ستة أشهر، مثلما كان يأمل الرئيس الأميركي. نتيجة لذلك، تم تعزيز وحدات القوات الخاصة، واستؤنفت عمليات قوات سوريا الديمقراطية ضد جيوب المتطرفين في شمال شرقي سوريا.

من جانبه، يُبدي الجيش الفرنسي إعجابَه بالنواة الكردية لقوات سوريا الديمقراطية، حيث إن الشراكة التي تجمع بين الطرفين آتت أُكلها "بشكل يفوق كل التوقعات"، من وجهة نظر الفرنسيين. وفي هذا الإطار، قال أحد الخبراء، في إشارة إلى طبيعة الجندي المثالي والنشط الداعمين للجيش الفرنسي، إن "المقاتلين الأكراد السوريين أشبه بالقطط النحيفة، فهم أكثر شراسة وانضباطاً وتنظيماً من أي قوة أخرى في المنطقة، باستثناء الجيوش النظامية".

ووفقاً للمختص في الشؤون الجيوسياسية، جيرارد شالياند، والملمّ بخصائص هذه الأراضي الحربية، يمكن الحديث عن التعاطف المتبادل، المبني على الكُره المشترك تجاه العدو المتطرف.

علاقة خاصة جداً بالأكراد

بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، وعلى الرغم من أنه لا يمكن مقارنة الإمكانات الفرنسية بالقوة الأميركية، إلا أنه يُنظر لباريس على أنها حليف سهل المنال، ومستمع جيد لبعض المطالب. وخلال معركة الرقة، دافعت القائدة الكردية، التي تعرف "بالرفيقة كلارا"، عن القوات الفرنسية، في مقارنة بنظيراتها الأميركية، وفقاً لما ذكره شاهد عيان. وقد قالت القائدة: "أنتم أقوى بكثير، ولكنكم لا تقفون في الصفوف الأمامية! وهو ما يقوم به الفرنسيون! إن لديكم تكنولوجيا خاصة بكم، ولكنهم يظلون أشجع منكم".

وفي باريس، عقَّب مصدر مطلع على هذه التصريحات، قائلاً إن "العلاقة بين الأكراد وفرنسا تختلف عن علاقتهم بأطراف أخرى، إذ إن ما بين الأكراد وفرنسا يتجسَّد في معرفة عميقة، كما أن العلاقات الإنسانية التي تجمع بين الجهتين أفضل بكثير".

تفرض قوات مكافحة الإرهاب على قيادة العمليات الخاصة التأقلم مع الوضع على أرض الواقع. وقد أكد الأميرال لوران إيسنار، أن "التزاماتنا الآن في البلاد باتت على المدى الطويل، لأن نهاية المعركة ضد تنظيم الدولة لا تعني بالضرورة المغادرة الفورية للقوات الخاصة". وأضاف إيسنار أنه "عندما يخسر تنظيم الدولة أراضيه سيضطر إلى اللجوء إلى العمل بشكل سري، وبالتالي من المهم الحفاظ على وجود بعض العملاء على عين المكان، لتبين مدى تدخل القوى الإرهابية والمعارضة في الصراع العرقي، أو الديني، أو السياسي".

لقد وعدت باريس بتقديم الدعم الإنساني والطبي لقوات سوريا الديمقراطية. كما أصدرت فرنسا قراراً بصرف 50 مليون يورو لمساعدة هذه القوات في إدارة اللاجئين الذين فرّوا من عفرين، ودعم إدارة السجناء المتطرفين.

تعزيز التواجد العسكري الفرنسي

ذكر مصدر مطلع أن "مهمة فرنسا في سوريا تسير بالفعل نحو التزام سياسي أكبر، بالنظر إلى التزامها العسكري، مع العلم أن هذا الإجراء يعد جزءاً من سلسلة متصلة من الخطوات. كما نعتزم الاستفادة من علاقاتنا المميزة مع شركائنا المحليين لتحقيق أهداف على المدى الطويل".

 في الحقيقة، عزَّزت النجاحات التكتيكية، التي حققتها قيادة القوات الخاصة الفرنسية في السنوات الأخيرة مكانة هذه القوات، انطلاقاً من ليبيا، ووصولاً إلى سوريا. في هذا الصدد، صرَّح الرئيس السابق لهذه القيادة، كريستوف جومار، أنه "بالنظر لتحول هذه القوات الخاصة إلى قوى تدخل على أعلى مستوى، قابلة للتأقلم في مختلف المواقع، والعمل على أفضل وجه مع غيرها من القوات، ولأن الساسة أنفسهم مهتمون بها، فقد أصبحت أداة سياسية قادرة على البروز في المشهد العسكري".

وتكشف البرامج العسكرية المتعلقة بالفترة القادمة ما بين سنة 2019 و2025، التي وقّع عليها ماكرون، طموح نشر القوات في منطقتين رئيسيتين للعمليات، التي تتمثل في "فرقتي عمل" تضم 300 عنصر مدججين بإمكانات جوية. وبالنظر إلى حاجتها للاستثمارات العاجلة، باعتبار أن هذه الوحدات ليست بمنأى عن الاستنزاف، فذلك يجعلها تعزز مكانتها ضمن جهاز الأمن الذي يخضع لأوامر الرئيس الفرنسي.

 

علامات:
تحميل المزيد