مباشرة، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، انطلق السياسيون والخبراء في تعداد حزمة العقوبات الاقتصادية التي من المتوقع أن تعيد واشنطن فرضها على طهران.
وحسب مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، فإن العقوبات على إيران دخلت حيز التنفيذ مجدداً، وأكد على ضرورة عدم توقيع اتفاقيات تعاون جديدة معها، مباشرة بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق، يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار.
من جانبه، أوضح وزير الخزانة الأميركي، ستيف منوشين، في نفس يوم الإعلان عن قرار ترمب، أن العقوبات على طهران ستُطبق مجدداً خلال فترة زمنية تتراوح بين 90 و180 يوماً.
تاريخ بداية تطبيق العقوبات
من المزمع أن تدخل حزمة العقوبات الأولى المفروضة على طهران حيز التنفيذ بتاريخ 6 أغسطس/آب القادم، حيث لن تتمكن الحكومة الإيرانية اعتباراً من هذا التاريخ من شراء الدولار الأميركي، كما لن تستطيع التجارة بالذهب والمعادن الثمينة.
وإلى جانب ذلك، ستفرض واشنطن عقوبات تحظر بموجبها طهران من تجارة الألمنيوم، والفولاذ، والفحم، فضلاً عن عقوبات في قطاع تصنيع السيارات، وفرض قيود على المعاملات بالريال الإيراني خارج إيران.
كما ستُطبق الحزمة الثانية من العقوبات على طهران، بتاريخ 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث ستُفرض بموجبها قيوداً دولية على الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، فضلاً عن حظر شراء النفط والمواد البتروكيماوية ومنتجات البترول من إيران، وعقوبات على قطاع الطاقة الإيراني بشكل عام.
وستطال العقوبات كذلك قطاعَ السفن الإيراني، كما ستُفرض قيود على تعاملات البنك المركزي الإيراني مع المؤسسات المالية الأجنبية.
ودعت وزارة الخزانة رجالَ الأعمال والمؤسسات في أميركا لإنهاء علاقاتهم التجارية مع الحكومة الإيرانية أو نشاطاتهم في إيران، حتى موعد أقصاه 4 نوفمبر/تشرين الثاني، محذِّرة إياهم من أنهم سيتعرضون للعقوبات، بخلاف ذلك، اعتباراً من 5 نوفمبر/تشرين الثاني.
إلغاء تراخيص بوينغ وإيرباص
وأعلن وزير الخزانة الأميركي بأن بلاده ألغت التراخيص الممنوحة لشركتي بوينغ وإيرباص، بشأن اتفاقيات بيع طائرات الركاب التي عقدتها مع الشركات الإيرانية.
وكانت بوينغ قد وقعت اتفاقاً مع شركة الخطوط الجوية الإيرانية، بقيمة 16.6 مليار دولار لبيعها 80 طائرة ركاب، واتفاقاً آخر مع شركة "إيران أسيمان"، لبيعها 30 طائرة بقيمة 3 مليارات دولار، في حين وقعت إيرباص عقداً مع الخطوط الإيرانية لبيعها 100 طائرة مقابل 19 مليار دولار.
صادرات النفط الإيراني في خطر
وفي الوقت الذي يربط فيه الخبراء بين قرار ترمب بخصوص الاتفاق النووي مع إيران وارتفاع أسعار النفط، توقع منوشين ألا تتسبب العقوبات على إيران في أي ارتفاع لأسعار النفط، وأشار إلى أن أسواق النفط العالمية حددت الأسعار، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال انسحاب واشنطن من اتفاق النووي الإيراني.
لكن من جهة أخرى، شهدت أسعار النفط ارتفاعاً إثر ارتفاع احتمال انسحاب واشنطن من اتفاق النووي في الأسابيع الأخيرة، حيث سجَّلت الإثنين الماضي، 7 مايو/أيار، أعلى مستوى لها منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014.
ويحذر الخبراء من أن إعادة العقوبات على إيران، التي تُعد ثالث أكبر دولة في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، سيؤثر سلباً على مجال البترول الإيراني واستثماراته وإنتاجه وصادراته، ما سيؤدي إلى تراجع عرض البترول الإيراني في السوق العالمي، وارتفاع أسعار البترول بالتالي.
ويبلغ معدل صادرات البترول الخام الإيراني مليوني برميل يومياً، نصفها يذهب إلى الصين والهند، وحوالي 25% منها إلى الدول الأوروبية.
ويتوقع الخبراء أن العقوبات ستُسفر عن انخفاض الصادرات الإيرانية من البترول في المرحلة الأولى، بمعدل 500 ألف برميل يومياً، فضلاً عن تراجع الإنتاج اليومي من البترول الخام، من 3.8 مليون برميل بالوقت الحالي، لتصل حتى 2.9 مليون برميل يومياً.
وبسبب العقوبات الأميركية تكون الاتفاقيات التي وقعتها شركة الطاقة الفرنسية "توتال"، والشركة الصينية الوطنية للبترول، مع الحكومة الإيرانية، بخصوص الغاز الطبيعي، والتي تمتد إلى 20 عاماً بقيمة 5 مليارات دولار، تكون قد دخلت مرحلة حرجة. كما يحظر قرار ترامب الحكومة والشركات الإيرانية من توقيع اتفاقيات جديدة بمجال الطاقة.
خياران أمام إيران
قال توماس بوغ، الخبير في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" المستقلة للأبحاث، ومركزها لندن، إن هناك خيارين أمام إيران عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.
وأفاد بوغ في بيان مكتوب، أن الخيار الأول هو استمرار التزام إيران بالاتفاق النووي مع الدول الأخرى بالاتفاق، مثل إنكلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين.
وأشار بوغ إلى أنه في هذه الحالة لن تفرض الدول الأوروبية قيوداً على الطرق البحرية التي تتبعها إيران في تصدير البترول، لافتاً إلى أن الدول الآسيوية لن تولي اهتماماً لعقوبات ترامب، وستستمر في استيراد البترول الإيراني.
أما في حال انسحاب إيران من الاتفاق، وبدئها مجدداً في برنامج تخصيب اليورانيوم، أوضح بوغ أن الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات مجدداً على الطرق البحرية الإيرانية، لافتاً إلى أن التوتر التجاري بين بكين وواشنطن، قد ينجم عنه استمرار الصين في استيراد البترول من إيران.
ولفت بوغ إلى أن أسعار البترول ارتفعت بمقدار 20 دولاراً للبرميل خلال عدة أسابيع من فرض العقوبات الأولى على إيران عام 2012، مضيفاً أن الوضع هذه المرة لن يكون مشابهاً.
إيران تنتظر دعم الصين وأوروبا
من جانبه، لفت ريتشارد نيبهو، الباحث في مركز سياسات الطاقة العالمية التابع لجامعة كولومبيا بولاية نيويورك الأميركية، ونائب منسق العقوبات السابق في وزارة الخارجية الأميركية، لفت إلى احتمال أن يقف الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة بوجه قرار عقوبات ترامب.
وقال نيبهو في تقرير أعده بهذا الخصوص، إن الضرائب الجمركية الإضافية أفسدت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لافتاً أن ضغط ترامب على الدول الأوروبية، بدلاً من التعاون معها في فرض العقوبات على إيران، سيُلحق الضرر بالرئيس الأميركي.
ولفت إلى أن بعض الدول، وعلى رأسها الصين، تميل إلى خرق قرار العقوبات الأميركي، مشيراً إلى احتمال أن تخفض إيران أسعار البترول المُباع إلى هذه الدول.
وأوضح أن هناك 3 خيارات أمام إيران، أبرزها، انسحاب إيران من الاتفاق النووي والاستمرار في برنامج تخصيب اليورانيوم، أو أخذ دور "المظلوم" دون الاعتراض على قرار الولايات المتحدة، والسعي للتفريق بين أميركا وحلفائها الأوروبيين نتيجة ذلك.
وأشار نيبهو إلى الاقتصاد الهش وانخفاض الاستثمارات في إيران، لافتاً إلى أن حكومة طهران قد تعلن أن الولايات المتحدة انتهكت الاتفاق إثر انسحابها من الاتفاق وفرضها عقوبات مجدداً على إيران.