يتفقدون الملاجئ ويترصَّدون لأي تحرُّك على الحدود.. الإسرائيليون يعتبرون انسحاب ترمب صكُّ براءة لنتنياهو وفرصته لإعلان الحرب

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 17:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/09 الساعة 17:13 بتوقيت غرينتش
An Israeli tank can be seen near the Israeli side of the border with Syria in the Israeli-occupied Golan Heights, Israel May 9, 2018. REUTERS/Amir Cohen

قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زيارته إلى قبرص ليعود إلى تل أبيب بشكل عاجل، ليقول بعد لحظات من إعلان دونالد ترمب انسحابه من الاتفاقية النووية، ما يلي:"إسرائيل تدعم بشكل كاملٍ، القرار الجريء الذي اتخذه الرئيس ترمب اليوم (الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018) بإلغاء الاتفاق النووي الكارثي مع النظام الإرهابي في إيران".

هذا الإعلان يعني الكثير لنتنياهو، والتفاخر بحدوثه والتشفّي في إيران كانا لا بد أن يحدثا من إسرائيل. لطالما سعى إلى مهاجمة هذا الاتفاق، فأساء إلى الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، حين حاول إفشال الاتفاق النووي في الكونغرس، واستعدى الدول التي تفاوضت بشأنه، وساعد في تحويل دعم إسرائيل إلى قضية حزبية في أروقة السياسة الأميركية، وفق ما نشرت صحيفة The New York Yimes.

لذا، فإن قرار الرئيس ترمب التخلي عن الاتفاق النووي -بالنسبة لنتنياهو- صك براءة.

وقال نتنياهو عن الاتفاق الذي تم عام 2015: "الإسرائيليون عارضوا الاتفاق منذ البداية؛ لأننا قلنا إنه بدلاً من أن يسد الطريق أمام إيران لامتلاك القنبلة النووية، فإنه يفسح الطريق أمامها لامتلاك ترسانة كاملة من القنابل النووية، في غضون سنوات معدودات".

وبغض النظر عن موقف نتنياهو، هناك من يخشى في إسرائيل من إمكانية أن يُحرِّر قرار ترمب إيران من القيود التي ربما منعتها من الردِّ على الغارات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا. وجاءت تلك الهجمات وسط حربٍ خفية، استخدمت إيران خلالها الحرب الدائرة في سوريا لإرساء بِنية تحتية عسكرية قريبة جداً إسرائيل.

بعد ساعة من الإعلان قصفت إسرائيل سوريا وتأهَّبت حدودها الشمالية

الجيش الإسرائيلي أعلن في وقتٍ متأخر من مساء الثلاثاء 8 مايو/أيَّار 2018، أنه وضع قواته في حالة "تأهُّب قصوى"؛ تحسُّباً لهجومٍ إيراني على حدود إسرائيل مع سوريا، واستدعى الجيش لهذا الغرض بعض جنود الاحتياط، وأقام بطاريات القبة الحديدية المضادة للصواريخ، وبعث بتحذيراتٍ إلى السلطات المحلية في الجولان بفتح وتجهيز الملاجئ عقب رصد ما قال الجيش إنه نشاطٌ غير معتاد للقوات الإيرانية.

وبعد نحو ساعة من إعلان ترمب، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية بوقوع ما سمته هجوماً إسرائيلياً جنوب العاصمة دمشق. وصرح مسؤول من التحالف المؤيد لإيران في الشرق الأوسط بأنه أُطلِقَت 4 صواريخ على موقع إيراني في الكسوة، حيث توجد قاعدتان يستخدمهما الجيش السوري وحلفاؤه العسكريون، وضمن ذلك الميليشيات المدعومة من إيران. وذكر المسؤول أن اثنين من الصواريخ قد اعترضتهما الدفاعات الجوية السورية، بينما أصاب الاثنان الآخران هدفهما ودمرا شاحنة على متنها رادار.

ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا مقطع فيديو لما قالت إنه الموقع المستهدف، يُظهر اندلاع نيران هائلة في الأفق مع صوت الإنذار بالخلفية.

وسائل الإعلام إسرائيلية وصفت الغارة بأنها استباقية، وأفادت بأن أحد الأهداف كان قافلةً من الصواريخ في طريقها من قاعدة عسكرية بسوريا إلى الحدود مع إسرائيل. ورفض متحدثٌ باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على الأخبار.

مدخل أحد الملاجئ الإسرائيلية تحت الأرض

"فلسفة نتنياهو موضع اختبار".. ماذا بعد؟

شنَّ نتنياهو حرباً ضروساً على الاتفاق النووي قبل بدايته إبان إدارة الرئيس أوباما. والآن، تبنى ترمب وجهة نظره، ليس فقط فيما يتعلَّق بنقاط ضعف الاتفاقية، ولكن أيضاً حول الأدلة التي قدَّمتها إسرائيل وقال ترمب إنها تثبت "بشكلٍ قاطع" أن إيران كانت تكذب حين أبرمت الاتفاق. وانحاز ترمب كذلك إلى وجهة نظر إسرائيل بوجود حاجة إلى زيادة الضغط على إيران أملاً في عرقلة مساعيها التوسُّعية في الشرق الأوسط.

وذكر أنشيل بفيفير، الكاتب في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ومؤلف سيرة نتنياهو بعنوان "Bibi"، التي حظيت باستحسانٍ واسع عند نشرها: "للمرة الأولى، تخضع فلسفة نتنياهو للاختبار على مدى أوسع بكثير".

اعتبار الرأي العام الإسرائيلي نتنياهو هو المهاجم الرئيسي لألدِّ خصوم إسرائيل، يمكن أن يساهم في تلميع صورته السياسية بالوقت الذي تنتظره لائحة اتهام مطولة في تحقيقات الفساد. ويراهن نتنياهو في هذا الصدد على أن يُنظَر إليه باعتباره ركناً لا غنى عنه لتحقيق الأمن القومي لإسرائيل.

 

هذا الفيديو نشره الجيش الإسرائيلي على حسابه بتويتر يظهر الاستعدادات والاحتياطات التي أُمر بتنفيذها أمس، ويدعو فيه الإسرائيليين إلى ضرورة التقيد بالتعليمات إذ ما صدر أمر بالتوجه إلى الملاجئ.

وقرار ترمب يفتح باب التهديدات من كل حدب وصوب

غير أن قرار ترمب يخلق كذلك مجموعةً جديدةً من المخاطر لنتنياهو وإسرائيل. فبعد ما يقرب من عِقدٍ من الزمن دون حربٍ كبيرة، تواجه إسرائيل الآن تهديدات من كل حدبٍ وصوب تقريباً.

بل إن ألدَّ منتقدي نتنياهو يتعاملون مع هوسه بالتهديد الاستراتيجي الذي تفرضه إيران، على أنه خوفٌ صادق.

والمعارضون يحذرون من أوهام نتنياهو بأن "إيران هي ألمانيا النازية"

ويقول الصحفي الإسرائيلي آري شافيت، لصحيفة The New York Times: "نظرته إلى العالم شديدة الوضوح. إيران في عينه هي ألمانيا النازية، وإسرائيل هي إنكلترا، وهو تشرشل، والولايات المتحدة هي الولايات المتحدة. هدفه الرئيسي هو إقناع روزفلت بالدخول في صراعٍ يُدمّر إيران. لم يفلح في عهد أوباما، ولكنه وجد في ترمب فرصة ذهبية".

وأضاف شافيت أن نتنياهو ينظر إلى إيران باعتبارها خطرة وهشَّة في آنٍ واحد، كدأب الاتحاد السوفييتي في أيام ضعفه حين واجهه رونالد ريغان، ويأمل أن تتبع الولايات المتحدة منهجاً مشابهاً معها: دبلوماسية أميركية بالغة الصرامة وعقوبات تستغل ضعف إيران لإزالة خطرها.

في هذا السيناريو الذي يرسمه نتنياهو في خياله، يتهاوى الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات المشددة وتتبعه في ذلك الحكومة الإيرانية.

ووسط هذه الاحتفالات بقرار ترمب، يمكن أن تواجه إسرائيل بعض النتائج غير المستحبة الناجمة عنه.

والسؤال هنا: ماذا سيفعل لو تمسكت الدول الأخرى بالاتفاقية؟

إذا أقدمت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وربما روسيا والصين على دعم الاتفاق النووي ومنح إيران المزيد من الحوافز للالتزام به، ربما تجد الولايات المتحدة أن ما بذلته من تصعيد أصبح هباءً منثوراً. وحينها لن تستفيد إسرائيل شيئاً، وربما يحدث تباعد بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين المُقرَّبين.

على نحوٍ بديل، إذا ردَّت إيران بالتخلي عن الاتفاق واستئناف برنامجها النووي، فسيكون على الولايات المتحدة وحلفائها اتخاذ قرار بإيقاف إيران، "أو سيثبت حينها أن الاتفاق النووي كان أفضل خيار ممكن، وأن الخطوة التي اتخذها ترمب كانت بالغة الحماقة"، على حد قول بيفيفير.

وقال إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي تولَّى حقيبة وزارة الدفاع في حكومة نتنياهو حين ضغط الاثنان لشنِّ غارة جوية إسرائيلية على برنامج إيران النووي، إنه يعتقد أن إيران ستكون أكثر حذراً عقب قرار ترمب؛ "لكيلا ترتكب أي خطأ يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة".

وقال باراك، الذي كان بواشنطن في إطار الترويج لمذكراته المنشورة حديثاً: "الكابوس الحقيقي بالنسبة لآيات الله أن يجدوا أنفسهم في صدامٍ حقيقي مع الولايات المتحدة. إنهم يتقنون اتباع سياسة حافة الهاوية، بناءً على حساباتٍ مدروسة بعناية. وفي ظلِّ وجود الإدارة الأميركية الحالية، لا يمكنهم إجراء حسابات دقيقة".

الحرب خيارٌ وارد.. يُهيَّأ الرأي العام الإسرائيلي له ساعةً بساعة

ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار البرنامج النووي الإيراني الخطر الوحيد أو حتى الأكثر إلحاحاً الذي تشكله إيران على إسرائيل. فخلال الشهور الأخيرة، شارك الخصمان في حرب تتزايد دمويتها وصراحتها في سوريا.

يقول نتنياهو إن إيران مُصرَّةٌ على أن تُشكِّل تهديداً بالغاً لإسرائيل بالطائرات من دون طيار والصواريخ الموجَّهة والميليشيات الشيعية التي تقودها إيران. وفي المقابل، يصر على منع هذا التهديد.

وخلال الأيام القليلة الماضية، امتلأت وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية بتقييماتٍ وتكهُّناتٍ محمومة بأن الإيرانيين، ومن خلفهم نتائج الانتخابات اللبنانية وقرار ترمب، سيكون لديهم مطلق الحرية بالرد على الغارات الأخيرة المنسوبة إلى إسرائيل على البنية التحتية العسكرية الإيرانية المتزايدة في سوريا.

ووسائل الإعلام تتفقد أهلية الملاجئ

بل افتتحت المحطات الإذاعية المسائية بسيناريوهات مخيفة حول هجمات صاروخية يشنها وكلاء إيران من الميليشيات الشيعية ومحاولة التسلُّل المحتملة من سوريا أو لبنان. وانتقلت الطواقم التلفزيونية للتأكُّد من جاهزية الملاجئ شمال إسرائيل. وفي يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، دخلت الولايات المتحدة على هذا الخط المحموم ووجَّهَت تحذيراً لموظفيها في إسرائيل بعدم الاقتراب من مرتفعات الجولان التي تقع على الحدود مع سوريا.

وكشفت إسرائيل عن قدرٍ غير معتاد من المواد الاستخباراتية الإضافية، بدءاً من الصور الجوية الملتقطة لطائراتٍ إيرانية دون طيار، ووصولاً إلى أرشيف إيران النووي الذي حصل عليه الموساد الإسرائيلي، في عمليةٍ جريئة. ويعد كشف نتنياهو عن هذا الأرشيف، الأسبوع الماضي، خروجاً غير مألوف عن عرف الدولة الإسرائيلية، التي لم تقر باستهداف مفاعل نووي سوري عام 2007 إلا قبل أسابيع فقط.

ويقول إيهود يعاري، زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المقيم بإسرائيل: "هذه ضرباتٌ تحذيرية مُوجَّهة للإيرانيين والسوريين والروس"، وذلك في إطار التعقيب على حملة العلاقات العامة الحالية. وأضاف يعاري أن "المقصود كان إخبار الإيرانيين بأنهم إذا كان بوسعهم إخفاء ما يسعون لفعله وإخفاء بصماتهم من خلال تصدير بعض وكلائهم في سوريا، فإن هذا لن يجدي نفعاً".

والجدال الداخلي تحوَّل من جدوى الحرب إلى تبعاتها

وليست هذه هي المرة الأولى التي يستل فيها نتنياهو سيوفه ضد إيران. غير أن الأمر هذه المرة يختلف بقدرٍ كبيرٍ عمَّا كان عليه في 2010، حين بدأ يُروِّج لأول مرة لغارةٍ عسكرية لعرقلة برنامج إيران النووي.

وفي ذلك الوقت، عارضه جنرالات إسرائيل، وكذلك كثيرٌ من أعضاء حكومته. أما الآن، فحتى الإسرائيليون المعتدلون تُقلقهم تحركات إيران القتالية، التي يزداد وضوحها مع الزمن.

ويقول شافيت: "التهديد الإيراني المعتاد بات أوضح، ولهذا السبب يحظى نتنياهو بدعم معظم أفراد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهو دعمٌ لم يحظَ به فيما يخص المسألة النووية". ويضيف: "هناك إشاراتٌ على وجود حالة ضعف بالداخل الإيراني، وهو يرى أنه من الممكن استغلال هذه الحالة. ومع وجود الصقور في سدة صنع القرار بالبيت الأبيض، فإنه يمكنهم أن يستمعوا إليه بطريقةٍ مختلفة تماماً عن التي اتبعها الفريق السابق في إدارة أوباما".

وسادت حالة من الجدل داخل حكومة نتنياهو، ولكنه جدل لم يتناول ما إذا كان يجب مواجهة إيران؛ بل بالأحرى تبعات هذه المواجهة.

ومناصرو نتنياهو يرونها أكثر فرصة سانحة في وجود ترمب "لطحن إيران"

وقالت إحدى الفرق المتجادلة، وفقاً لعوفر زالزبيرج، المُحلِّل في مجموعة الأزمات الدولية، إن الاتفاق النووي مشوبٌ بالأخطاء، غير أن إسرائيل تواجه تحديات أكثر إلحاحاً من إيران في سوريا، وأن الاتفاق النووي منح إسرائيل وقتاً لبناء قدراتها العسكرية التي يمكن أن تحتاجها لتدمير برنامج إيران النووي إذا لزم الأمر.

وقال زالزبيرج إن المجموعة الأخرى، التي تضم رئيس الوزراء، تنظر إلى هذا الأمر باعتباره أكثر لحظة سانحة لطحن إيران بالضغوط الاقتصادية وتهديدات عسكرية ذات مصداقية.

وأضاف: "يقولون لدينا بومبيو ولدينا بولتون، أين سنكون بعد عامين أو أربعة؟"، في إشارة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو. وتابَعَ: "لدينا رئيسٌ يرى الاتفاق النووي كارثة. الآن هو الوقت المناسب إذن".

علامات:
تحميل المزيد