هل يسمح ترمب للأوروبيين بمواصلة تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/09 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش

سوف يبحث القادة الأوربيّون عن أي بارقة ضوء في قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي، ليقولوا إنَّ الاتفاق لا يزال قائماً، ويمكن إنقاذه خلال الأشهر المقبلة.

غالباً ما كان يُنظر إلى قرار الولايات المتحدة بشأن إيران وفقاً لقاعدة الأبيض والأسود، فإمّا أن ينسحب ترمب من الاتفاق، أو أن يستمر فيه، حسب تقرير صحيفة The Guardian. والسبب في ذلك يكمن جزئياً في أنَّ ترمب -خلافاً لسلفه- لا يؤمن بأنَّ قاعدته السياسية تقبل بالرماديّ، فالرئيس الذي يتواصل باستخدام 280 حرفاً لا يقايض باستخدام درجات هذا اللون.

وخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA (المعروفة باسم "الاتفاق النوويّ الإيرانيّ") هي وثيقة مكتوبة بمهارة، تسمح بحدوث جميع أنواع التلاعب، إذ إنَّ دليل الولايات المتحدة لعام 2016 المصاحب للاتفاقيّة الأصليّة يقع في 42 صفحة.

وكُلِّفت وزارة الخارجية الأميركيّة في عام 2012 بتحديد هذه "الكميّات الكبيرة" فيما يتعلّق ببراميل النفط المصدّرة يومياً، واختارت إدارة أوباما خفض صادرات إيران النفطيّة بنسبة 20% خلال فترة 80 يوماً.

وستواجه الشركات أو البلدان التي لم تذعن للقرار عقوباتٍ بدورها. بالإضافة إلى أنَّ كلّ أموال النفط وأيّ معاملات أخرى مع البنك المركزيّ الإيرانيّ سيكون مفروضاً عليها أن تحوَّل إلى حسابات ضمان مجمّدة.

وقال ريتشارد نيفو، نائب المنسّق الرئيسيّ السابق لسياسة العقوبات في وزارة الخارجيّة، إنَّ المزيد من الإعفاءات المتعلقة بالعقوبات المفروضة على إيران، التي تشمل التأمين والشحن والنقل والتمويل لا يحل موعدها حتّى 11 يوليو/تمّوز.

تأخذ خطّة العمل الشاملة المشتركة في اعتبارها هذا التفسير للقرار، لأنَّها ليست معاهدة، بل اتفاقاً سياسياً. قال جاريت بلانك، المنسّق السابق لإدارة أوباما للملف الإيرانيّ "ليس للاتفاقيّة أيّ أحكام أو إجراءات رسميّة للانسحاب، فقد يكفّ المشارك في الاتفاقيّة ببساطة عن الامتثال لتعهّداتها".

إبقاء الصفقة سارية من قبل الأوروبيين هل يكون ممكناً؟

بالتالي حتى لو فسَّر ترمب وقف التنازل عن تطبيق العقوبات بأنه انسحاب أميركي، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال بوسعه المحاولة لإبقاء الصفقة سارية المفعول.

وكان الاتحاد الأوروبي يخطط في سرية لمواجهة هذا السيناريو قبل عدة أشهر، بالرغم من نفوره من مناقشة تفكير الكتلة الأوروبية علناً، مفضلاً تركيز كل طاقاته على توضيح المخاطر الناتجة عن الانسحاب الأميركي على السلام في الشرق الأوسط.

يرى وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو، المتعاطف بشكل كبير مع الجناح المعتدل في طهران، أنه بإمكان الاتحاد الأوروبي مواصلة التجارة مع إيران، من خلال منع أميركا من فرض عقوبات على البنوك الأوروبية التي تتاجر مع إيران.

إذ يقول إنه من الممكن أن يسنّ الاتحاد الأوروبي تشريعاتٍ تنص على أن العقوبات التي تفرضها أميركا على الكيانات الأوروبية التي تتعامل مع إيران تعتبر ملغاة وباطلة. وهو ما قام به الاتحاد الأوروبي من قبل، احتجاجاً على قانون العقوبات المفروضة على إيران وليبيا، الذي أصدره الكونغرس الأميركي سنة 1996. إذ مرّر الاتحاد الأوروبي قانوناً للحظر، معتبراً أنه من الخطأ من حيث المبدأ أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات ذات تأثير خارج حدودها.

هل يسمح ترمب للأوروبيين بمواصلة الاتفاق؟

إلا أن كيفية التحرك في هذا النطاق ما زالت مجهولة. كما أن من شأن تحرك كهذا أن يوسّع هوة الخلاف في السياسة الخارجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتتحول إلى مواجهة اقتصادية عابرة للأطلسي. ومن المرجح أن بنوك الاتحاد الأوروبي التي لا تمتلك مصالح في الولايات المتحدة هي التي يمكن أن تخاطر، وترى إنْ كان بإمكان الكتلة الأوروبية حمايتها من الغرامات الضخمة التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية. في الوقت الحالي، ما زالت العقوبات الباقية المفروضة على إيران تثير قلق الشركات الأوروبية، فيما يتعلق بالتعامل التجاري مع إيران.

من المستبعد تماماً أن يفرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوباتٍ على عدوه اللدود إيران، ثم يسمح لأوروبا بكل سرور بأن تقوّض تلك العقوبات.
لكن هناك دبلوماسيين أوروبيين كانوا يأملون في إقناع الرئيس الأميركي بالعدول عن الانسحاب، بالبرهنة على أنَّ التصدي لمخاوفه بشأن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، أو ما تفعله إيران في اليمن أمرٌ ممكن، مشيرين إلى بنود الصفقة المتعلقة بتسوية النزاعات، باعتبارها سبيلاً آخر لإرجاء حدوث انهيار تام للوضع.

أما كبار الدبلوماسيين لدى الأمم المتحدة، فيرون أنَّ إيران ليست متورطةً في دعم المتمردين الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية، بالقدر الذي تصورّه وسائل الإعلام في كثير من الأحيان.
وبخصوص فرص أوروبا في الاضطلاع بدور الوسيط النزيه بين ترمب وإيران، فذلك يعتمد على مدى النفوذ الذي يتمتع به المعتدلون في طهران. وفي هذا الصدد، قال نيفيو: "[الرئيس الإيراني حسن] روحاني قد بدأ بالفعل يتعرض لهجومٍ عنيف بسبب فشل التكنوقراط، من الناحية الفنية".
وأضاف: "من المفترض به أن يكون الرجل الهادئ المتحكم، الذي يمكنه التدخل وقيادة سفينة الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية. لكنَّ مزيج عدم الاستقرار الاقتصادي مع الإضرار بالاتفاقية سيدمر مكانته تماماً داخل إيران، وهذا يمكن أن يُمكِّن المتشددين".

وحذر كذلك جيك سوليفان، كبير مستشاري ترمب خلال مفاوضات الاتفاق، من أنَّ انسحاب أميركا من الاتفاق يمكن أن يضعف التظاهرات ضد الحكومة في إيران، حيثُ يوجد غضب تجاه ظروف المعيشة وفرص العمل. وأضاف: "لم يعد الغرب عذراً قوياً في طهران للمتاعب الاقتصادية التي يواجهها المواطنون. لم يعد الناس مقتنعين بذلك. لكن إن انسحبت الولايات المتحدة بينما ما زالت إيران ملتزمة بالاتفاق، سيعود هذا العذر في الظهور مجدداً".
ومع ذلك، سيرغب روحاني في استمرار الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، والموقعين الآخرين على الاتفاق غير الولايات المتحدة، وقال الأربعاء، إنَّه لو انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية، ستواجه إيران "بعض المشكلات لشهرين أو ثلاثة، لكنَّنا سنتجاوز الأمر".

بعد ساعات أعلن الأوروبيون تواصلهم مع الإيرانيين

وبعد ساعات من إعلان ترامب الانسحاب، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأربعاء، أنه سيلتقي الإثنين المقبل، إلى جانب نظيريه من بريطانيا وألمانيا، ممثلين عن إيران، للتباحث في سبل الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني.

وصرَّح لودريان لإذاعة "آر تي إل": "سنجتمع مع نظيري البريطاني والألماني الإثنين المقبل، وأيضاً مع ممثلين عن إيران لدراسة الوضع معاً".

وشدَّد لودريان "يجب أن يظلَّ الإيرانيون على هذا التصميم، بالبقاء في الاتفاق في مقابل حصولهم على امتيازات اقتصادية، سيسعى الأوروبيون إلى الحفاظ عليها".

ويهدف الاتفاق إلى تسهيل التبادلات الاقتصادية مع إيران، لقاءَ تعهّدها بوقف نشاطاتها النووي، لكن الشركات الأوروبية يمكن أن تعدل عن الاستثمار في هذا البلد، بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية.

وشدَّد لودريان على أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا تريد أيضاً التباحث مع إيران حول "اتفاق إطار عام"، يشمل اتفاق "فيينا"، لكنه يجيب عن "الأسئلة الصعبة التي لا تزال مطروحة"، والالتزامات النووية الإيرانية لما بعد 2025، وبرنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وتأثيره على المنطقة.

ويهدف الاتفاق إلى تسهيل التبادلات الاقتصادية مع إيران، لقاء تعهدها وقف نشاطها النووي، لكن الشركات الأوروبية يمكن أن تعدل عن الاستثمار في هذا البلد، بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية.