انسحاب أميركا كارثة ستجعل المحافظين يزدادون قوة.. الإيرانيون منقسمون حول قرار ترمب من الاتفاق النووي

في عام 2015، خرج الإيرانيون إلى الشوارع للاحتفال بانتصار المفاوضات وإبرام الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، آملين أن يصبح هذا الاتفاق بمثابة طوق النجاة لهم ولاقتصاد بلادهم

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/10 الساعة 07:03 بتوقيت غرينتش

"كان من المفترض منذ البداية أن نصدِّق كلام قائدنا خامنئي، وألا نثق بأي حكومة أميركية"، بهذه العبارة بدأ جليلي أصفهاني، الصحفي الذي يعمل بصحيفة "وطن أمروز" المحسوبة على التيار المحافظ.

عبارة تعكس مقدار الإحباط والغضب الذي يشعر به بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي وإعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية السابقة، ملوحاً بمزيد من العقوبات التي ستنال كل مَن يتعامل مع إيران، ليعود الايرانيون بغتةً إلى المربع صفر مرة أخرى بعد 3 سنوات من الأمل.

في عام 2015، خرج الإيرانيون إلى الشوارع للاحتفال بانتصار المفاوضات وإبرام الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، آملين أن يصبح هذا الاتفاق بمثابة طوق النجاة لهم ولاقتصاد بلادهم. في ذلك الوقت، زادت شعبية الرئيس حسن روحاني ومِن ورائه التيار الإصلاحي، مقابل المحافظين الذين أبدوا تحفُّظهم على الاتفاق.

لكن اليوم، انقلبت الآية، وعاد المحافظون إلى الواجهة، قائلين للشعب الإيراني: "ألم نحذركم سابقاً؟". وهذا ما ظهر في صحيفة "وطن أمروز"، التي عنونت صفحتها الأولى بعبارة "نهاية اللاشيء"، في إشارة منها إلى أن الاتفاق النووي كان لا شيئاً بالأساس، وهي وجهة نظر تعكس رأي المحافظين في إيران عن الاتفاق النووي.

أصفهاني يرى أن الاتفاق النووي كان مجرد مضيعة للوقت ولا فائدة منه من قَبل انسحاب الولايات المتحدة، مضيفاً في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الغرب لا يريد التعاون مع إيران، ويخشى قوتها، على حد تعبيره.

ورغم الشعور بالإحباط، فإنه لم يُخفِ سعادته بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق؛ إذ إن هذا يؤكد وجهة نظره حول الاتفاق، ويرى أن إيران من دون هذا الاتفاق أفضل وتستطيع أن تزيد قوتها الدفاعية دون تدخل أحد.

خامنئي: قلت لكم مراراً وتكراراً لا تثقوا بأميركا

بالنسبة لقمة السلطة في إيران الآن، خرج الرجلان الأقوى بتصريحات تعكس توجُّه كل منهم. فقد ألقى المرشد الأعلى لإيران، الأربعاء 9 مايو/أيار 2018، كلمته أمام حشد من طلاب الجامعات بمناسبة أسبوع المعلم في إيران، ووصف خامنئي حديث ترمب أمس بانه "سطحي وسخيف".

منذ إبرام الاتفاق النووي وخامنئي يبدو دائماً غير راضٍ عن هذا الاتفاق، حتى إنه في إحدى المرات خرج ليردَّ على تهديدات ترمب، قائلاً: "سنحرق الاتفاق النووي إذا استمرت تهديدات الولايات المتحدة".

لذلك، صرح خامنئي، الأربعاء 8 مايو/أيار 2018، قائلاً: "لقد قلت لكم مراراً وتكراراً، إنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة. أنا غير متفائل بالتفاوض معها، وأقول لترمب نيابة عن الشعب الإيراني: خسئت".

وبينما يتبنى الرئيس روحاني ووزير خارجيته فكرة الإبقاء على الاتفاق مع الدول الأوروبية الثلاث، يرى التيار المحافظ، وعلى رأسه المرشد الأعلى، أن هذا الأمر غير مقبول، فصرح خامنئي قائلاً في هذا الصدد: "أنا لا أثق بالدول الأوروبية أيضاً، ويجب أن يعطوا لنا الضمانات اللازمة للاستمرار في هذا الاتفاق".

سعيد شريف زاده، السياسي المحافظ، يصف نفسه بأنه سعيد للغاية بانسحاب ترمب من الاتفاق، "الجمهورية الإيرانية أقوى من هذا الأخرق (ترمب)، ولن نضع أنفسنا تحت رحمته؛ لذلك أدعو الإيرانيين والقادة لإحراق هذا الاتفاق، المحكوم عليه بالفشل منذ اليوم الأول".

روحاني: إيران باقية.. ولقد خرج العنصر المزعج

لكن، آسمان نجادي، المدرسة بإحدى المدارس الإعدادية بالعاصمة، تُعارض كلام سعيد تماماً، قائلة إن "تلك السياسات المتهورة هي التي ضيعتنا طوال السنوات الماضية، وانسحاب ترمب بمثابة كارثة؛ لأنه سيجعل المحافظين يزدادون قوة ويشعلون إيران في وقت قريب".

وخرج الرئيس الإيراني روحاني مباشرة، في كلمة متلفزة، الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، ليقول إن إيران باقية في الاتفاق، واصفاً ترمب بـ"العنصر المزعج".

ويرى المحلل السياسي الإيراني أمير زنكنه، أن موقف روحاني هو الأكثر منطقية، فيقول لـ"عربي بوست"، إنه يرى أن الصواب هو أن تظل إيران في الاتفاق، "لن نضيِّع كل تلك السنوات بسبب شخص أحمق مثل ترمب، ولن نغامر بمستقبل بلادنا، فالبقاء هو أفضل ما تفعله إيران في ذلك الوقت"، على حد تعبيره.

لكن رحيم، الذي يمتلك شركة للاستيراد والتصدير، يرى أن كل من يطالب إيران بالبقاء في الاتفاق النووي لتقليل الخسائر التي ستلحق بالاقتصاد الإيراني، مخطئ.

وأضاف لـ"عربي بوست"، أن البقاء في الاتفاق "محض هراء"، حسب وصفه، هو يعمل في مجال التجارة، وكان يعيش على أمل فتح الأسواق مع الدول الأوروبية، "الآن أشعر بأن مستقبلي دُمِّر، لا توجد أي شركة أو مستثمر يريد التعاون مع أي رجل أعمال إيراني؛ خوفاً من العقوبات".

بذلنا قصارى جهدنا وشعبنا يتفهم

بعد مجيء دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، تبدلت الأحوال بالنسبة للإيرانيين، فمنذ اليوم الأول وهو يهدد إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي.

بدأ القلق يتسرب إلى نفوس الإيرانيين، الذين ما زالوا لم يجنوا ثمار الاتفاق، لتأتي الأخبار السيئة ويعلن ترمب يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق، ليعود الايرانيون بغتةً إلى المربع صفر مرة أخرى بعد 3 سنوات من الأمل.

"لست حزيناً، ولكني قلِق، وأرجو أن يتفهم الشعب الايراني الجهود التي بذلناها من أجل نجاح هذا الاتفاق، لقد كانت نوايانا حسنة"، كانت تلك كلمات السياسي الإصلاحي حسين صادقي، التي عبر بها عن مشاعره بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووى.

لكن صادقي يرى في الوقت نفسه، أن الأمل ما زال موجوداً، فيقول لـ"عربي بوست"، إنه لا يريد أن يُصاب الإيرانيون بالإحباط، "لقد نجحت الدبلوماسية الإيرانية من قبلُ في انتزاع حقوقنا، وتستطيع أن تعيد الأمر مرة ثانية".

بينما يرى يغما، طالب كلية الطب، أن روحاني والتيار الإصلاحي فشلوا في جميع ما وعدوا به الإيرانيين، فيقول: "الاتفاق كان الانتصار الوحيد لنا كإصلاحيين، وكان الشيء الوحيد الذي وعد به روحاني الشعب وصدق فيه، لكن الآن الكل محبَط؛ لأننا سنعود إلى زمن ما قبل رفع العقوبات وتصبح إيران معزولة".

نواب البرلمان يحرقون العَلم الأميركي والاتفاق النووي

بالأمس، أعلن عدد من النواب في البرلمان الإيراني أنهم يعملون على مشروع قانون عاجل لخروج إيران من الاتفاق النووي، خاصة بعد مؤتمر نتنياهو. وبانسحاب ترمب الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، ازداد غضبهم وعقدوا جلسة طارئة، صباح الأربعاء 9 مايو/أيار 2018، أقدموا فيها على إحراق نسخة من الاتفاق النووي وعَلم الولايات المتحدة، وسط شعارات "الموت لأميركا".

لكن، يرى البرلماني السابق، الإصلاحي، أحمدى مهدي، أن هذا الأمر "هراء"، فيقول لـ"عربي بوست"، إن البلاد لا تُدار بتلك الطريقة، "لا أرى أي معنى لتلك التصرفات الصبيانية، ما زال هناك أمل في أن تحقق انتصاراً آخر، لكن بالدبلوماسية والحوار".

ويرى أستاذ العلوم السياسية علي رضا محسني، أن ما يحدث منذ الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، في إيران من قِبل التيار المحافظ "تهوُّر"، ويخشى أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التعنت، "القادة المحافظون في إيران كانوا -وما زالوا- على خلاف مع روحاني والتيار الإصلاحي على أمر الاتفاق النووي، فهم يرون أن هذا الاتفاق محاولة من الغرب للسيطرة على إيران، والآن بعد انسحاب ترمب واحتضار الاتفاق يحاولون بشتى الطرق إزاحة التيار الإصلاحي تماماً عن المشهد السياسي في إيران، وذلك الأمر سيؤجِّج الصراع بين التيارين، وهذا كان آخر ما نتمناه، خاصة في الفترة الحالية".

القليل من الأمل

"معصومة" تعمل معدَّة برامج في إحدى المحطات الاذاعية الإيرانية، ترى أن الإحباط تمكَّن من الإيرانيين، فتقول: "لا فائدة من أي شيء، ولا بقاء إيران في الاتفاق سيعود علينا بالنفع، لقد أُصبت باليأس، فليفعلوا ما يريدون".

لكن، يبدو أن هناك من يتحلى ببعض من الأمل عكس "معصومة"، فيقول آذري: "لم نخسر كل شيء، فلدينا علاقات قوية مع روسيا والصين، ونستطيع أن نقوي من إنتاجنا المحلي، فقد عشنا سنوات تحت العقوبات الأميركية ونستطيع أن نكمل مهما كان الأمر".

تحميل المزيد