أوروبا ضد ترمب.. الانسحاب من الاتفاق النووي يضر بمصالح شركاتها والتمرد الأوروبي على واشنطن وارد

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/09 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش

تشهد مدينة بروكسل لقاءاتٍ مكثفة بين ممثلي دول الاتحاد الأوروبي، للاتفاق على حظر تطبيق العقوبات الأميركية، في تحرك نادر ضد حكومة حليفة.

وقالت وكالة AFP، إن القوى الأوروبية سارعت منذ صباح الأربعاء، لإنقاذ الاتفاق الذي يُقيّد برنامج إيران النووي، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب واشنطن منه، وإعادة فرض العقوبات على طهران.

ويُبدي القادة الأوروبيون تصميماً على محاولة إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، رغم أنَّ هذا على الأرجح سيضعهم في مواجهة رئيسٍ أميركي عنيد، مصمم على مواجهة إيران باعتبارها "الدولة الأولى الراعية للإرهاب".

وتمثل هذه المواجهة اختباراً صعباً لقوة تحمل التحالف الأوروبي المُنسّق المفاجئ، الذي حافظت عليه ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، بعد محاولات فاشلة ومهينة بذلتها لمنع ترمب من الانسحاب، حسب تقرير لصحيفة The Guardian.

هكذا تخسر الشركات الأوروبية من القرار

وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، أكد أن واشنطن تتصرف "بموجب العقوبات بشكل مباشر أو ثانوي". ويعني ذلك أنه قد يتم استهداف الشركات الأوروبية التي لديها استثمارات أو عمليات في الولايات المتحدة، في حال واصلت التعامل تجارياً مع إيران.

وانتقد وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، احتكار الولايات المتحدة لنفسها دور "شرطي الاقتصاد العالمي"، وقال إن الانسحاب من الاتفاق النووي "خطأ" في مجال الأمن الدولي، وأيضاً من وجهة نظر اقتصادية، إذ ستترتب عليه تبعات لشركات فرنسية، على غرار "توتال" و"سانوفي" و"رينو" و"بيجو".
وقال إن "الفائض التجاري الفرنسي مع إيران ازداد خلال عامين، ثلاثة أضعاف" بينما يمنح القرار الأميركي الشركات الأجنبية "مهلاً قصيرة جداً، لا تتجاوز ستة أشهر" للخروج من إيران.

ومضى يقول "من شأن ذلك أن يطرح مشكلات على كل الشركات الأوروبية، لكن ما هو أهم من المشكلة الاقتصادية هو مسألة المبدأ وفرض عقوبات من الخارج".

العقوبات الأميركية على الشركات ستبدأ من عقود النفط

العقوبة الأولى التي سيُعيد ترمب فرضها، هي إلزام الشركات بإثبات تقليصها الشديد لعدد صفقات النفط مع إيران، عبر بنكها المركزي. سيستغرق قياس هذا الأمر 180 يوماً. لكنَّ ترمب أشار كذلك بنبرةٍ لا هوادة فيها، أنَّ هناك عقوباتٍ أوسع نطاقاً سيُعاد فرضها على إيران، رغم أنَّه لم يضع لذلك إطاراً زمنياً.

الكثير من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران كان لها تأثيرٌ كبير بالفعل على البنوك الأوروبية المرتبطة بعلاقاتٍ اقتصادية مع الولايات المتحدة، وتسعى لتجنّب تلك المخاطر.

اللقاءات السرية بين أوروبا وإيران بدأت قبل إلغاء الاتفاق

على مدار الأسابيع الماضية، كان الاتحاد الأوروبي يراجع سراً المواجهات السابقة المماثلة مع الولايات المتحدة، بشأن مسألة العقوبات، لكنَّه لم يتحدث علناً عن خططه الاحتياطية، وفضّل التركيز على كيفية إقناع الولايات المتحدة بالتراجع.
وقالت ماجا كوسيانسيتش، المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي في شؤون العلاقات الخارجية الثلاثاء: "نعمل على خططٍ لحماية مصالح الشركات الأوروبية".
وفي محاولةٍ لطمأنة الإيرانيين ومنع التصعيد، وقبل ساعاتٍ من إعلان ترمب، أكد مسؤولون من فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وجهاز السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي على دعمهم للاتفاق الإيراني، وذلك في لقاء بنائب وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، وهو كبير مفاوضى إيران في الملف النووي، أمس الثلاثاء. وقال مصدر من وزارة الخارجية الألمانية، إنَّ أوروبا ستلتزم بالاتفاق النووي الإيراني ما دامت إيران ملتزمةً بتعهداتها.

وهناك حشد أوروبي إيراني لمواجهة الخطوة الأميركية

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال إنه سيلتقي الإثنين المقبل، مع نظيريه البريطاني والألماني، ممثلين عن إيران "لدراسة الوضع"، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيُجري محادثات هاتفية مع نظيره الإيراني حسن روحاني، بعد ظهر الأربعاء، تعبِّر عن "رغبتنا في البقاء في الاتفاق".

وشدَّد لودريان على أن القوى الأوروبية ستحاول "الحفاظ" على الامتيازات الاقتصادية التي حصلت عليها إيران، إثر رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق، وهو ما عبَّر عنه مسؤول من الرئاسة الفرنسية، قال لوكالة AFP، إن المسؤولين الأوروبيين سيبذلون "كلَّ جهد" ممكن لحماية مصالح شركاتهم العاملة في إيران.

لكن أوروبا لا تريد كسب عداوة الحليف الأميركي

والخطر هنا هو تداعي تلك الوحدة التي شكَّلها الثلاثي الأوروبي حول الحاجة للحفاظ على الاتفاق، بسبب الخلاف حول مدى استعداد كلٍّ منها لاستعداء رئيسٍ أميركي عنيد كهذا، للحفاظ على الاتفاق، فضلاً عن إسرائيل والسعودية.

النبرة التي تتحدى بها شخصياتٌ مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرار ترمب، وخطابه العنتري، ستكون محوريةً في العلاقات عبر الأطلسية المستقبلية. ففي إعلانه عن الانسحاب من الاتفاق، بدا ترمب حاسماً، ولم يتنازل أمام رأي التحالف الأوروبي، واتَّهم حلفاءه الأوروبيين بأنَّهم مخدوعون بـ"خيالٍ كبير روَّج له نظامٌ قاتل". والأسوأ من ذلك، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، هو أنَّه قال إنَّه سيفرض أعلى مستوى من العقوبات"، مضيفاً بوضوح أنَّه من الممكن فرض عقوبات على أي دولٍ أخرى تساعد إيران.

وأمام خطابٍ كهذا، فإنَّ المساحة المتاحة أمام أوروبا للمناورة والتفاوض مع واشنطن تبدو محدودة.

وتستطيع أوروبا الوقوف في وجه واشنطن كما حدث عام 1996

توقع مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن تبذل أطراف الاتفاق النووي، سيما الجهات الأوروبية، قصارى جهودها، ليس بالقول فقط، بل على صعيد الواقع أيضاً، من أجل إنجاح الاتفاق النووي. والإشارة إلى المصالح الأوروبية التي ستتأثر بإلغاء الاتفاق.
والسؤال هنا بالنسبة لأوروبا، هو ما إن كان يمكنها العثور على وسيلةٍ أكثر فاعلية لحماية شركاتها التي تتاجر مع إيران من العقوبات الأميركية؟

حدث ذلك من قبل

ثارت أوروبا ضد أميركا، نتيجة قانون العقوبات الليبية والإيرانية الذي أقرَّه الكونغرس عام 1996، ومرَّرت حينها قانوناً يؤكد على أنَّ العقوبات الأميركية الثانوية على الشركات الأوروبية التي تتاجر مع إيران أو ليبيا ليس لها أي تأثيرٍ قانوني. وهدَّد الاتحاد الأوروبي كذلك بنقل الأزمة مع الولايات المتحدة لمنظمة التجارة العالمية.

وكيف كان الرد الأميركي؟

تراجعت الولايات المتحدة بصورةٍ عامة، وانتصرت أوروبا.

لكن الحسابات تبدو أكثر صعوبة هذه المرة

لا تريد أوروبا الدخول في خلافٍ مع حلفائها الطبيعيين في السعودية وإسرائيل وواشنطن، بخصوص قرارٍ حرج مثل دور إيران في الشرق الأوسط. ومن شأن مواجهةٍ علنية بين الولايات المتحدة وأوروبا في مجلس أمن الأمم المتحدة، حول مستقبل الاتفاق النووي، أن تفيد روسيا على الأرجح، كما تحلل صحيفة The Guardian.

لكنَّ ترمب يبدو مستعداً لمعاقبة الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران. فنبرة خطابه في البيت الأبيض تشير إلى أنَّه لن يقبل بأي تهديدٍ لنفوذه السياسي، من شأنه أن يعقد تسويةً في العلاقات بين الغرب وإيران.

السؤال الأوروبي الأصعب: تحدي ترمب أم الخضوع له؟

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تقرير ما إن كان سيمضي قدماً في مقترحاته، التي صاغها بالأصل لإقناع ترمب بالاستمرار في الاتفاق، وتتضمن التفاوض مع إيران حول اتفاقٍ مُكمِّل يتضمن برنامج الصواريخ الباليستية خاصتها، وسياستها الخارجية المائلة إلى التدخل في الشرق الأوسط، والبنود المثيرة للجدل في الاتفاق.

حاليّاً، يواجه زعماء أوروبا معضلةً عويصة: الخضوع لقيادة ترمب رغم أنَّهم يقولون إنَّها ربما تُسبب اضطراباتٍ في الشرق الأوسط، أو تحدي حليفهم الأقرب بشأن أكبر قرارات السياسة الخارجية في رئاسته.

وقال طوني بلينكين، نائب وزير الخارجية الأميركي السابق في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إن "قدرة أوروبا على إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران تعتمد بشكل كبير على قدرتها على جني الفوائد الاقتصادية، حتى من دون الولايات المتحدة. القادة الأوروبيون أمام مفترق طرق، إما المخاطرة بحدوث اضطراب في منطقة الشرق الأوسط، أو تحدي أقرب حلفائهم بشأن سياسته الخارجية".

 

تحميل المزيد