كي تحاصر حزب الله وتمنع حرب إسرائيل وإيران وتحصد مزيداً من النقاط ضد أميركا.. روسيا تسجل حضورها في لبنان بعد الانتخابات

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/08 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/08 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
Russian President Vladimir Putin walks before an inauguration ceremony at the Kremlin in Moscow, Russia May 7, 2018. Alexander Zemlianichenko/Pool via REUTERS

أعرب اللبنانيون عن تفاؤل يشوبه الحذر، بشأن إمكانية إحداث بعض التغييرات في صلب النظام السياسي الطائفي المتزمّت في البلاد، بعد الانتخابات التشريعية. ولكن، في الخفاء، هناك إحدى القوى العالمية الكبرى تراقب لبنان بهدوء، وتعتبره أرضاً ملائمة لاستعراض قوتها في الشرق الأوسط، وفي منطقة المتوسط، على حد السواء، هي روسيا.

تحت عنوان "الصفقة الروسية اللبنانية"، كتبت Christian Science Monitor أن روسيا تعمل على ربط علاقات جديدة مع لبنان من خلال عقد صفقة أسلحة بقيمة مليار دولار، تمتد فترة سداد المبلغ على 15 سنة دون فوائد، بعد كبح جماح المعارضة السورية والمتطرفين، واستعداد نظام بشار الأسد لاستعادة سيطرته على البلاد. وخلافاً لسوريا، وفي ظلِّ التركيبة السياسية الهشة في لبنان، لا يوجد على الساحة رجل قوي يمكن لروسيا التعويل عليه. لذلك، جَعَلَ عدم التوازن على مستوى القوى السياسية الصفقةَ المطروحة قائمة.

التعاون العسكري هو البداية المناسبة للدخول إلى لبنان

يلاحظ مراقبون أن نتائج الانتخابات اللبنانية الأخيرة تصبُّ في مصلحة التأثير الروسي. وقالت مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، مها يحيى لمجلة Newsweek، إن "هناك محاولات لتوسيع نطاق القوة الناعمة الروسية في المنطقة. ومن المرجح أن يتجسّد ذلك من خلال محاولات تعزيز التعاون العسكري، بالإضافة إلى توقيع اللبنانيين على صفقة الأسلحة، التي تم طرحها على طاولة النقاش خلال السنة الماضية". وأضافت يحيى، أن "نتائج الانتخابات البرلمانية قد تسهم في جعل الكفة تميل، ولو بشكل طفيف، نحو تشكل معسكر موالٍ لروسيا. لكن، ونظراً لتوازن القوى الهشّ، الذي تهيمن عليه الطائفية في البلاد، ستظل هذه الفرضية بعيدة المنال في الوقت الراهن".

والوجود العسكري الروسي هنا في وجه الناتو بالمتوسط

 

طال الصراع الغربي الروسي منطقة الشرق الأوسط، ولم تكتفِ روسيا بضمان نصرٍ محتّم للأسد في سوريا، بل عزَّزت أيضاً وجودها العسكري في منطقة البحر الأبيض المتوسط على المدى الطويل، من خلال إنشاء قاعدة بحرية قارَّة هناك، واستئجار منشأتين على الساحل، وهما القاعدة الجوية حميميم، والقاعدة البحرية في طرطوس. في حين سهَّل تعزيز الحضور العسكري الروسي في المنطقة، بحراً وبراً، عملية القضاء على بؤر تنظيم الدولة في جميع أنحاء البلاد، أمّن ذلك أيضاً جداراً عازلاً في وجه القوات العسكرية التابعة لحلف شمال الأطلسي، المتمركزة في البحر الأبيض المتوسط.

وروسيا تحلم بأن يفتح لبنان موانئه ومطاراته لقواتها

وفي شهر فبراير/شباط، نَشَرَ موقع وكالة Sputnik العربي، أن رئيس الوزراء الروسي، دميتري ميدفيديف أمر الجيشَ الروسي بالعمل على إرساء علاقات عسكرية مع لبنان، بهدف السماح للسفن الحربية الروسية باستخدام الموانئ اللبنانية. بالإضافة إلى جعل المطارات اللبنانية محطة عبور للطائرات والمقاتلات الروسية، وإرسال خبراء عسكريين روس لتدريب وتعزيز قدرات أفراد الجيش اللبناني.

ويبدو أن غياب مثل هذه الأخبار في النسخة الإنكليزية للوكالة، وعلى مختلف وسائل الإعلام المرموقة، فضلاً عن المصير المجهول لصفقة الأسلحة، التي تبلغ قيمتها مليار دولار، يعكس عجز روسيا عن اقتحام الساحة اللبنانية بشكل سلس كما كان متوقعاً، في تقدير Newsweek.

لكن عليها أن تتعامل مع تعقيدات النظام الطائفي في لبنان

لبنان، الذي سبق أن عانى صراعاً على النفوذ بين إيران الشيعية والسعودية السُّنية، قد يكون أكبر تحدٍّ تواجهه روسيا في الوقت الراهن. في الأثناء، يطغى على الحكومة اللبنانية الانقسامُ الطائفي بشكل واضح، وغالباً ما يؤدي الاختلال في موازين القوى في لبنان إلى العنف.

وفي المشهد السياسي الآن كُتلتان رئيسيتان حسب Newsweek، تحالف 14 آذار، وتحالف 8 آذار الموالي لإيران، الشريك الاستراتيجي لروسيا في سوريا. وليس من الواضح ما إذا كانت العلاقة التي تجمع موسكو بطهران ستخلق روابطَ لها مع الحلفاء في لبنان.

انضمَّ ميشال عون، مؤسس التيار الوطني الحر (الحزب الذي يتكون في معظمه من الموارنة) الذي عُرف بعدائه الشديد للنظام السوري، إلى تحالف 8 آذار، ليصبح في سنة 2016 رئيساً للبنان، مُنهياً بذلك أزمةً دامت 29 شهراً. وفي الوقت الذي تؤدي فيه تعقيدات النظام الطائفي في لبنان غالباً إلى إقامة تحالفات يشوبها التوتر بين خصوم سابقين، أعربت كلٌّ من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والمملكة العربية السعودية عن قلقها، إزاء عودة حزب الله إلى المشهد السياسي في لبنان. وقد فضَّلت واشنطن التحاور مع سعد الحريري، نجل الرئيس الراحل، رفيق الحريري، الذي يقود كرئيس للوزراء تحالف 14 آذار، الموالي للغرب، والذي يحظى بدعم المملكة العربية السعودية.

وأن تملأ الفراغ الذي تركته السعودية على أرض لبنان

على عكس الولايات المتحدة الأميركية، تبنَّت روسيا مقاربةً متعددةَ الأقطاب إزاء الشرق الأوسط. وبدلاً من التركيز على حليفٍ واحدٍ في المنطقة، حافظت موسكو على اتصالات دائمة وودية مع كلٍّ من مصر ولبنان وإيران والعراق وإسرائيل وقطر والسعودية وسوريا وتركيا، وبلدان أخرى. وبعد عرضها لأسلحة متطورة، على غرار نظام الدفاع الجوي إس-400، لمشترين إقليميين محتملين، بدا أن عرض روسيا الذي بلغت قيمته مليار دولار، والمتعلق بتزويد القوات المسلحة اللبنانية، بمثابة امتداد لخطة بوتين، الرامية إلى تعزيز نفوذه في المنطقة.

في تصريحه لمجلة Newsweek، قال المحلل الأمني المعني بالشؤون السورية والروسية، نيل هاور، إن "عرض روسيا الأخير الذي قدمته للبنان، يأتي في الوقت الذي تتطلع فيه موسكو إلى استغلال مكانتها في المنطقة، انطلاقاً من تدخلها في سوريا. لقد سجلت روسيا حضورها في كل دول المنطقة تقريباً، خاصة تلك التي تربطها علاقة متوترة بالولايات المتحدة الأميركية (مصر وتركيا على وجه الخصوص)، لعرض المنتجات التي تتصدر قائمة صادراتها؛ ألا وهي الأسلحة".

كما أضاف المحلل الأمني أن "ذلك ما يملأ الفجوة التي خلَّفتها المملكة العربية السعودية أيضاً في لبنان، نتيجة إلغائها لصفقة مساعدات عسكرية بقيمة ثلاثة مليارات دولار في سنة 2016، بسبب مخاوف السعوديين المتعلقة بعزوف الحكومة والجيش اللبناني عن ردع حزب الله".

وتغيُّر طبيعة العلاقة الغامضة مع حزب الله  

منذ سنة 2016، كانت الولايات المتحدة الأميركية قد تعهَّدت بتقديم 1.6 مليار دولار للقوات المسلحة اللبنانية. من جانبه، يحاول الجيش اللبناني خلق مسافة بينه وبين حزب الله، على الرغم من أن القوتين المحليتين عملتا جنباً إلى جنب، أثناء تصدّيهما لتنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام، التي كانت تتبع تنظيم القاعدة سابقاً، شرق الأراضي اللبنانية، وبالقرب من الحدود السورية.

يشوب الغموض العلاقة التي تربط روسيا بحزب الله، اللذين عملا معاً لدعم نظام الأسد. ولكن، لا تُناسب علاقات موسكو مع كل من إسرائيل والسعودية، أولئك الذين نصبوا أنفسهم ضمن "محور المقاومة" المناهض للغرب، الذي يضمّ حزب الله وإيران وسوريا. كما أصبح دور روسيا في المنطقة يثير الانزعاجَ، في الوقت الذي تُكثِّف فيه إسرائيل استهدافها لإيران وحلفائها في سوريا.

وأن تواجه المهمة الأصعب: منع الحرب بين إيران وإسرائيل

تؤكد روسيا على مكانتها كوسيط قوي في المنطقة، ومن المتوقع أن تتبنَّى المهمة الصعبة، والمتمثلة في منع نشوب حرب بين إيران وإسرائيل. في هذا الإطار، قالت مها يحيى لمجلة Newsweek، إنه مع تصاعد التوترات، قد يحتاج لبنان لروسيا، على أمل أن تتمكن موسكو من وضع حدٍّ لدوامة العنف الخطيرة، التي قد تدمر البلاد والمنطقة ككل، جراء حرب جديدة، والتي من الواضح أن الولايات المتحدة قد اختارت أي جانب تسانده فيها. كما ذكرت يحيى أنه "في هذه المرحلة، يتطلع الكثيرون إلى احتواء روسيا للتصعيد الواضح بين إيران وإسرائيل، ومنع نشوب صراع في لبنان".

تحميل المزيد