وهم يجمعون القمامة في الموصل وجدوا رفات الموتى.. كيف يميز عمال جمع النفايات بين الدواعش وغيرهم؟

كانت تلك كومة أخرى من الجثث غير المعروفة هوية أصحابها بمقبرة جماعية، مثل كثيرين آخرين في بلدٍ ابتُلي بالعنف

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/08 الساعة 06:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/08 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش

على شفا حفرة في أطراف مقلب نفايات بضواحي الموصل في العراق، وضع رجالُ جمعِ النفايات أكياساً تضم جثثاً، وفتحوها كي يتمكن مُشرِفهم من تصوير البقايا، في حال أتى أحدهم ليسأل عن شخصٍ مفقود.

لكن، لا يبدو أن أحداً سيتمكَّن من التعرف على أحبّائه من صور الهاتف تلك، بالنظر إلى حالة التحلُّل الشديد للجثث. ولم تُجمَع عينات الحمض النووي للجثث لأجل التعرُّف المستقبلي على أصحابها قبل أن تُدفَن في تلك الحفر.

كانت تلك كومة أخرى من الجثث غير المعروفة هوية أصحابها بمقبرة جماعية، مثل كثيرين آخرين في بلدٍ ابتُلي بالعنف، هذه المرة، يُعتَقد أنَّ معظم الجثث تنتمي إلى مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذين قُتِلوا في المراحل النهائية لمعركة الموصل، ويقول عمال المدينة إنَّهم استردُّوا ودفنوا ما يقرب من 950 جثة منذ أغسطس/آب 2017.

عودة الحياة

عانت بلدية الموصل كثيراً لتواكب وتيرة عودة السكان بعد طرد "داعش" منذ عام تقريباً، ولم يكن فيها الأطر اللازمة لتطهير الجثث وإزالة الذخائر غير المنفجرة.

لذلك، استعانت البلدية بجامعي القمامة؛ للمساعدة في إنهاء تلك المهمة القاسية، التي لم يتدربوا عليها من قبل.

في زيارةٍ قام بها مؤخراً صحفي The New York Times إيفور بريكيت مؤخراً للموصل، يحكي أنه اقترب من مستودع نفايات البلدية الرئيسي في الضواحي الشرقية للمدينة.. الأدخنة ورائحة حرق القمامة القوية جعلت ذاكرته تستحضر أحداث عام مضى، عندما انضم إلى القوات الخاصة العراقية التي كانت تستعد لاقتحام المدينة المُحاصَرة.

بريكيت يلاحظ أن الحياة عادت إلى طبيعتها بالموصل على نحوٍ لافت، مقارنةً بمستوى الدمار والقتل في السنوات الأخيرة. جزءٌ من الحياة الطبيعية هو جمع النفايات، المهنة الأساسية لجامعي القمامة. وتعتبر مشكلة القمامة المتزايدة واحدةً من أهم التحديات التي تواجه إدارة البلدية.

ومع عودة السكان للمدينة التي كانت غارقة في حرب شعواء منذ أقل من عام، تكدَّست القمامة، وبدأت مستودعات أخرى غير رسمية للنفايات بالظهور في مختلف أنحاء المدينة.

أضف إلى ذلك، نقص شاحنات جمع القمامة؛ إذ حاول أفراد "داعش" حماية مواقعهم في الموصل باستخدام شاحنات جمع القمامة التابعة للبلدية لغلق الطرق، وحتى إنهم حوَّلوا بعضها إلى عربات مفخخة. وعلى مدار أشهر من الحرب الشرسة بغرض استعادة المدينة بعد 3 سنوات من حكم المتشددين، كانت الشاحنات إما مدمرة جراء القصف الجوي، وإما مُفجَّرة على يد المقاتلين المتشددين أنفسهم.

كنز وسط القمامة

وفي مستودع النفايات الرئيسي بالمدينة، ينقِّب بعض أفقر سكان المدينة داخل الأنقاض بحثاً عن شيء يمكن إنقاذه، وكانت تفوح من تلال القمامة رائحة كريهة لا يمكن تفاديها، وكان الدخان الكثيف الذي ينبعث منه الغاز الكيميائي يحرق الأنوف.

كان معظم عاملي القمامة من الأطفال، يفتشون في كل صندوق قمامة جديد بمزيجٍ من الإثارة واليأس، مستخدمين قضباناً معدنية معقوفة، ويُشجِّعون بعضهم بفكرة أنَّه ربما يوجد كنز وسط القمامة.

كانت النساء موجودة أيضاً للبحث في تلك الظروف القاسية، كبرى أفراد المجموعة أوضحت أنَّ الكثيرات منهنّ كنَّ أرامل، وكانت هذه هي طريقتهنّ الوحيدة من أجل البقاء وإعالة أطفالهنّ. كُنَّ ممنوعاتٍ من ممارسة مثل تلك الأنشطة في ظل حكم "داعش"، ولم تنضم تلك الأعداد الكبيرة من النساء إلا بعد هزيمة التنظيم فقط.

روائح نتنة ترشدهم

ينتهي الحال أيضاً بالجثث التي يستعيدها جامعو القمامة إلى مستودع نفايات تابع للبلدية، لكنَّها تُدفَن في حُفَر لا تحمل علامات، على تخوم المستودع، وفي حال عثورهم على جثة يُعتَقد أنَّها تعود لمدني وليس لداعشي، يُسلِّمونها للمشرحة.

في جنبات المدينة القديمة المُدمَّرة، حيث خاض المقاتلون آخر محاولاتهم الدفاعية، كان عمال النظافة يفتشون في الأنقاض عن أي علامات لوجود جثث، وكثيراً ما كان يرشدهم السكان المحليون نحو مصدر الرائحة النتنة، ويتذمرون من أنَّهم لا يستطيعون العودة لديارهم بسببها.

تحمل منطقة الميدان، التي تحصَّن فيها المقاتلون قبل أن يُقتَلوا في نهاية المطاف، لافتةً كُتِب عليها بالعربية: "هنا مقبرة داعش".

وبعد أكثر من 6 أشهر من التحلل، كان من الصعب جداً التعرف على الكثير من الرفات، خصوصاً في غياب التدريب على أساليب الطب الشرعي والمعدات اللازمة. وعلى الرغم من ذلك، كان العمال يجدون دليلاً في كل جثة يحددون به أن صاحبها كان ينتمي إلى "داعش".

الدلائل تتمثل إما في الملابس الرثة، أو اللحية الكثة، أو زوج أحذية جديد، يقول العمال إنَّ المقاتيلن فقط هم مَن كانوا يمتلكونها في المدينة بتلك المرحلة، وفي الكثير من الأحيان، كان التعرف على الجثث مستحيلاً.

ركام من الجثث

وفي منزلٍ متهدمٍ على ضفة نهر دجلة زمردي اللون، تكوَّمت أكثر من 30 جثة فوق بعضها، في غرفة يصعب الوصول إليها. هذه الجثث تعود لأشخاص إما أُعدِموا في أثناء رقادهم، وإما قُتِلوا بمكانٍ آخر ثُمَّ أُلقوا في الداخل. لكن، لا توجد أي إشارة على وجود شخص كفء أو مهتم لتأكيد ما حدث لهؤلاء الأشخاص.

أخرج رجال جمع النفايات بعض الجثث خارج الغرفة، لكنَّهم رأوا أنَّهم يحتاجون لاستدعاء حفار؛ لإخلاء طريق مباشر أكثر نحو المنزل. لم يُنهوا عملهم ذلك اليوم، وتحرّكنا. وقال بعض الرجال إنَّ هناك مواقع أخرى كثيرة مماثلة مدفونة تحت الأنقاض.

وبمجرد أن امتلأت الشاحنات المسطحة بما يقرب من 20 جثة، حان الوقت لدفنها. وفي مستودع نفايات السحاجي، على بُعد أقل من 20 دقيقة بالسيارة غرب الموصل، كان الحفار بالفعل يحفر مقبرة جماعية، حيث سترقد الجثث.

بدت إحدى الجثث أكثر سلامةً، وكأنَّ صاحبها يرفع ذراعيه لوجهه لحماية نفسه، انطلقت ضحكات مكتومة من طرف رجال جمع النفايات.. بدا كما لو كان رجال "داعش" خائفين من الموت.

تحميل المزيد