انتهت الانتخابات البلدية في تونس ولكن التحدي الأكبر بدأ للتو.. لماذا يخاف البعض من تجربة الحكم المحلي الجديدة؟

منح الدستور الجديد لتونس ما بعد الثورة، صلاحيات واسعة لرؤساء البلديات المحلية في تدبير الشأن المحلي للمدن والجهات

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/08 الساعة 07:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/08 الساعة 07:15 بتوقيت غرينتش

منح الدستور الجديد لتونس ما بعد الثورة، صلاحيات واسعة لرؤساء البلديات المحلية في تدبير الشأن المحلي للمدن والجهات، والذين تم انتخابهم في 6 مايو/أيار 2018، خلال أول انتخابات بلدية بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

ولم تُزل هذه الصلاحيات التخوفات والتحديات التي تواجهها تجربة الحكم المحلي في تونس، من قبل سلطة الرقابة التي يمكن أن تفرضها سلطة القرار السياسي للأغلبية الحاكمة، باعتبار أن نظام اللامركزية سيحُد من سلطة المركزية السياسية، التي طالما استعملها النظام السياسي الحاكم، في بسط مشاريعه السياسية وتدخله المباشر في حياة المواطن التونسي.

ويكمن التحدي الأكبر أمام المجالس البلدية الجديدة، في تحقيق توقعات الناخبين فيما يتعلق بزيادة ميزانيات البلديات، في دولة تُصدِر فيها الحكومة المركزية القرارات الرئيسية بشأن كيفية وأوجه إنفاق الأموال.

استقلالية تتسم بالضبابية

وبغضِّ النظر عن نتائج الانتخابات البلدية، وانحسار التنافس بين أبرز حزبين، هما حركة النهضة ونداء تونس، غير أن تشكيلة المجالس البلدية لن تخضع لإملاءات حزب بعينه، فهي تضم مزيجاً متجانساً يضم في تركيبته 18 عضواً من مختلف القوائم المنتخبة.

وستُنقل حسب الدستور الجديد مسؤوليات وصلاحيات أوسع إلى رؤساء البلديات المحلية، إذ سيتمتعون بنوع من الاستقلالية المالية، تحت إشراف ومراقبة السلطة المركزية.

ويعتبر خبراء في القانون الإداري والقانون العام، أن إرساء مجلة الجماعات المحلية قبل إجراء الاستحقاق البلدي بأيام قليلة، يعد نقلة قانونية وتشريعية، ستقلب المشهد السياسي في البلاد، بتحويل الحكم إلى المحليات والبلديات المنتخبة بشكل ديمقراطي، بعد تخلّي الدولة عن جانب من صلاحياتها ونفوذها المالي والإداري.

غير أنهم يعتبرون أنها ما زالت تجربة جديدة في تونس، تتطلب إصلاحات تدريجية، باعتبار عدم انتخاب المجالس الجهوية سنة 2020.

في سياق متصل، انتقد أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"عربي بوست"، بعضَ الفصول التي تخول للسلطة المركزية تولي مهام المجلس البلدي دون إذن قضائي.

واعتبر أن السلطة المركزية يمكن أن تلعب دور الرقابة، لكونها تتحكم في الموارد المالية للمجالس البلدية، مشيراً إلى أن هذه الاستقلالية "تتسم بالضبابية"، بحسب تعبيره.

وينص الفصل الرابع عشر من مجلة الجماعات المحلية (قانون البلديات) على أن الجماعات المحلية تتمتع بصلاحيات مشتركة بينها وبين السلطة المركزية، تباشرها بالتنسيق والتعاون معها على أساس التصرف الرشيد في المالية العمومية والأداء الأفضل للخدمات.

وكان البرلمان التونسي قد أتم المصادقة على قانون البلديات الذي يشمل 392 بنداً ستنظّم قواعد الحكم المحلي التشاركية، قبل إجراء الانتخابات البلدية.

طریق المواطن لصنع القرار وتجسید الحكم المحلي

وستقوم المجالس البلدية المنتخبة بتصريف الشأن الیومي للمواطنین في مختلف البلديات، ويھم ذلك البنیة التحتیة مثل بناء وإصلاح الطرقات والأرصفة التابعة للبلدية، وكذلك تھیئة وصیانة الحدائق والمساحات الخضراء، والسھر على رفع القمامة المنزلیة في الأوقات المحددة، وعدم السماح بتكدس أطنان النفايات كما حدث في السنوات التي أعقبت الثورة.

 كما تعمل المجالس البلدية على عملیة الإنارة العمومية بالطرقات والساحات التابعة لھا، بالإضافة إلى إنجاز الأسواق البلدية وتھیئتھا وترميمھا، ونفس الشيء بالنسبة للمسالخ ومراكز الاصطیاف وفضاءات المعارض والتظاھرات التجارية والثقافیة.

كما تسھر المجالس البلدية على إعداد أمثلة التخطیط العمراني، وتعمل على احترامھا من المواطنین، وتحرص على اتخاذ الترتیبات المتعلّقة بالمحافظة على الخصوصیات المعمارية للمنطقة البلدية، وتشرف كذلك على تسمیة الأنھج والساحات والمركبات والحدائق البلدية.

هذا وتقوم المجالس البلدية بإعداد برنامج للاستثمار والتجھیز البلدي، في حدود الإمكانات المالیة المتاحة، بالنظر إلى كون ھذه المجالس ستتمتّع بالاستقلالیة المالیة، وستفرد لھا من میزانیة الدولة اعتمادات خاصّة بھا، وكذلك بالاستقلالیة الإدارية التي ستسمح لھا باتّخاذ مختلف القرارات، في إطار صلاحياتها.

من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن هناك فصولاً غير واضحة أثارت جدلاً واسعاً بخصوص صلاحيات السلطة المركزية، التي يمكن أن تؤثر سلباً على مسار الحكم المحلي، معتبراً أن قانون الجماعات المحلية ما زال مجرد نصوص، لم تخضع للممارسة.

وأضاف أن تجربة الحكم المحلي تبقى تجربة ونقلة نوعية في تونس، بغضِّ النظر عن النقد الموجَّه لقانون مجلة الجماعات المحلية.

تونس تريد تخصيص أكثر من 10% من موازنة البلاد للبلديات

هذا، وأعلن وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر، في 30 أبريل/نيسان، أن السلطات التونسية تريد زيادة ما تخصصه موازنة الدولة للبلديات، من 4% إلى ما بين 10 و15% خلال السنوات القليلة المقبلة.

وقال الوزير في مؤتمر صحفي "استراتيجيتنا هي رفع الميزانية، لأن مفاتيح نجاح اللامركزية يتطلب ميزانية هامة".

وتُخصّص الحكومة التونسية حالياً نسبة 4% من موازنة الدولة للبلديات، و"هذا غير كافٍ، مقارنةً بما هو موجود في دول البحر الأبيض المتوسط"، حسب الوزير.

وأضاف أن "القانون الجديد يتضمَّن نقاطاً تتعلق بقواعد التصرف المالي، من بينها ألا تتجاوز كتلة الأجور 50% من مصروفات المجلس البلدي"، وهو قرار وصفه الوزير بـ"الثوري".

علامات:
تحميل المزيد