نعم، كان سِباقاً للدراجات الهوائية لكنه كشف تزايُد عزلة الفلسطينيين مع تغيُّر ولاءات العرب

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/07 الساعة 14:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/07 الساعة 14:33 بتوقيت غرينتش
Palestinian President Mahmoud Abbas attends the Palestinian National Council meeting in Ramallah, in the occupied West Bank April 30, 2018. REUTERS/Mohamad Torokman

بدأ سِباق طواف إيطاليا "2018 Giro d'Italia"، وهو أحد أكبر سباقات الدراجات الهوائية، في القدس يوم الجمعة 4 مايو/أيار 2018؛ إذ توجه الدرَّاج البريطاني كريس فروم وبقية المنافسين من بوابة يافا، في أول تجربة للحدث، عبر شوارع العاصمة الإسرائيلية المتنازع عليها، وقد تابع ملايين المشجعين الذين كانوا يشاهدون الحدث عبر شاشات التلفاز في جميع أنحاء العالم، بينما كان المتسابقون يصنعون التاريخ؛ إذ يُعد هذا الحدث الرياضي هو الأعلى مستوى الذي يتم تنظيمه في البلاد، والذي عادةً ما يصنع عناوين رئيسية من نوع آخر بالصحف.

تقول صحيفة The Times البريطانية، في تقرير لها قبل بضع سنوات فقط، إنه كان من المستحيل التفكير في إقامة مثل هذا الحدث الرياضي الدولي الكبير بإسرائيل، فقد كان هناك الكثير من العقبات الدبلوماسية. لكن في عطلة نهاية الأسبوع هذه، لم ينطلق السباق الإسرائيلي على مدار 3 أيام وحسب، من القدس إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​ومن ثم إلى الجنوب في صحراء النقب؛ بل كان يضم أيضاً فرقاً برعاية دول عربية: البحرين والإمارات العربية المتحدة، مما يدل على حدوث وِفاق بين إسرائيل وبعض الحكومات العربية الرئيسة بالمنطقة. ومع ذلك، فإنه لا يشير إلى أي تقدُّم في حل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول القدس نفسها.

في انتظار ذكرى تشريد 75% من الفلسطينيين

بعد 8 أيام، في الخامس عشر من مايو/أيار 2018، سيحتفل الفلسطينيون بيوم النكبة، "كارثتهم الوطنية"، وهي الذكرى السنوية الـ70 لتأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، وتشريد ثلاثة أرباع الفلسطينيين من ديارهم لصالح الدولة الجديدة. وبعد أن بدأ راكبو الدراجات في السباق عبر القدس بما يزيد قليلاً على ساعة، اشتبك آلاف الفلسطينيين مع جنود إسرائيليين على حدود قطاع غزة، حيث يخرج الفلسطينيون كل يوم جمعة في احتجاجات يطلَق عليها "مسيرة العودة الكبرى" منذ 30 مارس/آذار 2018. وحتى الآن، لقي 45 فلسطينياً مصرعهم بنيران الإسرائيليين.

تنظم "حماس"، التي تسيطر على قطاع غزة، جزءاً على الأقل من هذه الاحتجاجات. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات هي أيضاً دليل على تزايد يأس الفلسطينيين؛ بسبب عدم إحراز أي تقدُّم نحو إنهاء الحصار المفروض على غزة، والذي فرضته إسرائيل ومصر في أعقاب استيلاء "حماس" الدموي على القطاع في عام 2007.

هل فقد العالم الاهتمام بمأساتهم؟

وترى الصحيفة البريطانية لم يكن الفلسطينيون معزولين عن الجبهة الدبلوماسية بهذا الشكل المتزايد منذ اندلاع أول انتفاضة لهم في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1987. كما كان المبعوثون من جميع أنحاء العالم يتنافسون من أجل التوصل إلى حلول للصراع، وقد وقف العالم العربي بأَسره متضامناً مع إخوانه الفلسطينيين. ولكن الآن، يبدو أن العالم، الذي شغلته الاضطرابات في أماكن أخرى، فقد كل اهتمامه تقريباً بمأساتهم.

يُعزى سبب هذه العزلة، إلى حد كبير، إلى مقاومة بنيامين نتنياهو كل الضغوط الدبلوماسية لإحراز أي تقدُّم ملموس في عملية السلام منذ عودته إلى السلطة بصفته رئيس وزراء إسرائيل قبل 9 سنوات. إلا أن الضغط قد توقف تقريباً منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً لأميركا. ومع ذلك، فإن عزلة الفلسطينيين أيضاً نتيجة لقيادتهم الضعيفة والمنقسمة، وإعادة تنظيم التحالفات داخل المنطقة.

في 14 مايو/أيار 2018، عشية يوم النكبة، سيصل وفد رفيع المستوى من واشنطن، ربما يضم ترمب، إلى القدس؛ لافتتاح السفارة الاميركية الجديدة رسمياً.

عصف قرار ترمب بالاعتراف رسمياً بالمدينة بصفتها عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب، الذي أعلنه في ديسمبر/كانون الأول 2017، بالقواعد الدبلوماسية التقليدية. وحتى ذلك الحين، كانت سياسة أميركا والحكومات الأخرى هي أن وضع القدس لن يتم الاتفاق عليه إلا كجزء من اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

توقع منتقدو ترمب أن يتسبب القرار في حدوث فوضى عارمة بالعالم العربي، مع اعتبار القدس ثالث مدينة مقدسة في الإسلام. ولكن، لم تحدث سوى القليل من الإدانات الدبلوماسية عديمة العاطفةَ.

أوضح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في جولته الموسعة بالعواصم الغربية الشهر الماضي (أبريل/نيسان 2018)، في أثناء اجتماعات خاصة، أن القضية الفلسطينية لم تعد تحظى بشعبية كبيرة في "الشارع العربي". وإلى جانب زعماء عرب آخرين من السنّة، فإنه يركز بشكل أكبر على مواجهة إيران الشيعية ووكلائها، الذين يزيدون سيطرتهم على دول المنطقة مثل اليمن وسوريا ولبنان.

ومن هذا المنطلق، ينظر السعوديون وشركاؤهم إلى إسرائيل كحليف مفيد. وعلى الرغم من أن معظم التفاعل بين السعوديين والإسرائيليين، الذين ليس لديهم علاقات دبلوماسية رسمية، يحدث من وراء الكواليس، فهناك أيضاً إشارات علنية. في شهر مارس/آذار 2018، وللمرة الأولى، سمح السعوديون لشركة طيران أجنبية (طيران الهند-Air India)، بالتحليق فوق مجالهم الجوي متجهةً إلى تل أبيب، مما وفَّر أكثر من ساعتين من وقت الرحلة.

العالم يترقب خطة "سلام ترمب"

لكن، ما أثر كل ذلك على الفلسطينيين؟ بعد إعلان ترمب بشأن القدس، رفضوا إجراء أي اتصال مع إدارته. لَم تشمل الزيارات التي قام بها مايك بنس نائب الرئيس، ووزير الخارجية الجديد مايك بومبيو، إلى إسرائيل، لقاءات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتتوقع مصادر في واشنطن أن تنشر الإدارة في غضون أسابيع "خطة سلام ترمب" للشرق الأوسط، ربما بدعم من السعودية. وهم يتوقعون أن يرفض الفلسطينيون الخطة. إذا حدث ذلك، فإن الدبلوماسيين السعوديين يحذرون من أن القضية الفلسطينية ستصبح أكثر تهميشاً.

وقد ظهرت خيبة أمل الرئيس عباس يوم الإثنين 30 أبريل/نيسان 2018، عندما ألقى خطاباً أمام المجلس الوطني الفلسطيني، زعم فيه أن اليهود قُتلوا في المحرقة "ليس بسبب هويتهم الدينية، ولكن بسبب وظائفهم الاجتماعية. . . وانخراطهم في الأعمال المصرفية وما إلى ذلك".

وقد قوبلت هذه التصريحات، التي تُعتبر معاديه للسامية على نطاق واسع، بالإدانة من جميع أنحاء العالم.

وقد اعتذر عباس، يوم الجمعة 4 مايو/أيار 2018. لكن الرجل، البالغ من العمر 82 عاماً، يُنظر إليه على نطاق واسع، على أنه شخصية من الماضي. بعد أن فقد سيطرته على غزة لصالح "حماس" وانتصر عليه نتنياهو في كل خطوة، فقد فشل في تحقيق الوحدة أو إحراز تقدُّم للفلسطينيين، الذين هم ليسوا أقرب إلى الحصول على دولتهم الآن مما كانوا عليه عندما خلف عباس، ياسر عرفات عام 2004.

 

 

 

تحميل المزيد