فيها 800 ملياردير ورئيسها يتودد للرأسماليين!.. رغم ذلك تلجأ الصين لبرنامج بَطَله ماركس لإقناع مواطنيها بالاشتراكية

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/06 الساعة 20:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/06 الساعة 20:26 بتوقيت غرينتش

يستهل برنامج صيني حلقاته بمقدمة عبارة عن موسيقى أوكسترا ملكية تُعزَف بشكل مفاجئ، ثم تليها رسوم مُحرَّكة بالحاسوب لقطارٍ ينطلق بسرعة، ثم تظهر على شاشة التلفزيون صورة لرجل عجوز ذي لحية بيضاء كثيفة، وبعد ذلك، يعلو تصفيق جمهور الاستوديو ترحيباً بمضيفة البرنامج المفعمة بالنشاط والحيوية.

وقد يبدو هذا البرنامج كأي برنامج حواري آخر للتلفزيون الصيني، لكن ما يميزه عن البرامج الأخرى هو أن ذلك الرجل العجوز كثيف اللحية ليس سوى الفيلسوف الألماني الشهير كارل ماركس.

والبرنامج يحمل عنوان "ماركس كان محقاً" ("Marx Got It Right")، وهو عبارة عن برنامج مُنتج ببراعة ليكون برنامجاً حوارياً وجلسة تلقين للمعتقدات في آنٍ واحد، في توضيح حي للجهود التي يبذلها الحزب الشيوعي الصيني في عهد الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ لضمِّ جيل الألفية في الصين إلى صفِّه، وفقاً لما ذكره تقرير في صحيفة The New York Times، السبت 5 مايو/أيار 2018.

وبما أن أمس السبت، وافق الذكرى السنوية المائتين لمولد ماركس، فقد استغل الرئيس الصيني هذه المناسبة للدعوة إلى تجديد نية الولاء للمبادئ التأسيسية للشيوعية، في محاولة منه لفرض سيطرة الحزب الشيوعي الصيني من جديد على المجتمع الصيني الآخذ في التعقيد بصورة متزايدة.

وقال بينغ في خطابه الذي ألقاه أمام آلاف المسؤولين في مبنى قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة الصينية بكين: "لا توجد في تاريخ الفكر البشري بأسره فكرة أو نظرية أشمل أو أعمق أثراً من الماركسية"، واصفاً كارل ماركس بأنه: "أعظم مفكر في العصر الحديث".

ويعد برنامج "ماركس كان محقاً" ("Marx Got It Right") إحدى محاولات الحزب الشيوعي لتعليم هذا الدرس للشباب الأصغر سناً الذين نشأوا منغمسين في هواتفهم الذكية، بدلاً من مطالعة كتب على غرار "بيان الحزب الشيوعي" لماركس أو "الكتاب الأحمر الصغير" للرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ (المعروف أيضاً باسم "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ").

 

وفي هذه الحلقة من البرنامج، توجِّه المضيفة وو زوي لانغ حديثها إلى جمهورها من الطلاب حسني المظهر في الاستوديو، قائلةً: "بالنسبة للبعض، كارل ماركس ليس سوى صورة لشخص طويل اللحية دائماً، والماركسية ليست سوى مجموعة مفاهيم أو أسئلة اختبارات لا تعنيهم في شيء. واليوم، اسمحوا لي بأن أسألكم جميعاً: هل تفهمون كارل ماركس والماركسية حقاً؟".

عُرض البرنامج مؤخراً على قناة تلفزيون الصين المركزي، وهي المحطة التلفزيونية الصينية الرئيسية المملوكة للدولة، وبلغ عدد حلقاته خمس حلقات فقط، وأتى عرض البرنامج بعد حملة ترويجية واسعة النطاق، شملت جميع المواقع الإلكترونية التابعة للحزب الشيوعي الصيني.

وأُنتج البرنامج بمساعدة مسؤولي الدعاية بالحزب الشيوعي الصيني، باعتباره جزءاً من استراتيجية الحزب التي تستهدف إقناع من هم في مرحلة العشرينيات من العمر بأن ما تعلَّموه في المدرسة، أو غالبهم، النعاس خلاله من فرط الملل، من دروس عن الماركسية اللينينية ما زال صحيحاً.

ليس هذا فحسب، بل إن البرنامج يصرُّ على أن الصين لا تزال باقية على ولائها للاشتراكية، حتى مع وجود ما يصل إلى 800 ملياردير بها، وربما أكثر، وارتفاع أعداد تكتلات شركات التكنولوجيا الحديثة، وانتشار عدم المساواة بين طبقات المجتمع.

وتعقيباً على ذلك، قالت الصحفية والمحررة البريطانية، نيريس أيفري، في تغريدة لها نشرتها على موقع تويتر: "صحيح أنه قد أصبح من السهل تجاهل هذه الفكرة هذه الأيام، لكن "بيان الحزب الشيوعي" للفيلسوف كارل ماركس لا يزال يعد مرشداً مهماً، خصوصاً بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ، على ما يبدو. إنه كتاب ممتع، تجدونه هنا من:

 

 

مع ذلك، حتى جمهور الاستوديو من الموالين للحزب المهذبين قد بدت عليهم سمات عدم الارتياح في الحلقة الثالثة من البرنامج، بعنوان "حول كتاب "رأس المال" ومبادئه الخالدة". في هذه الحلقة، تناول البرنامج دراسة ماركس المحظورة حول أساليب الرأسمالية، والتي وضعها في ثلاثة مجلدات.

وفي تلك الحلقة، قالت مضيفة البرنامج وو زوي لانغ: "أنا سعيدة جداً بوجود العديد من أصدقائنا الشباب من جميع أنحاء البلاد معنا، لكي نعيش معاً قصص الأوقات العصيبة التي مرّ بها ماركس أثناء تأليفه كتاب "رأس المال". لا شك أن الماركسية تظهر جليةً في كل أزمة كبرى وكل نقطة تحوُّل يشهدها التاريخ البشري الحديث، وأحد المؤشرات الكلاسيكية على هذا هو كتاب رأس المال لكارل ماركس".

 

 

وبعد ذلك، سألت مضيفة البرنامج الجمهور عمن قرأ الكتاب منهم، فرفع واحد أو اثنان منهم أيديهم. بيد أن مضيفة البرنامج كانت لديها إجابة لأي طالب يتخذ من الرأسماليين أمثال رجل الأعمال الصيني الشهير ومؤسس موقع Alibaba.com جاك ما، أو ستيف جوبز، قدوةً لهم، وكانوا بحاجة إلى الإقناع لكي يبدأوا في مطالعة كتاب كارل ماركس.

هذه الإجابة هي: "وفقاً للتقارير التي نشرتها وسائل الإعلام، لو كان كارل ماركس ما زال حياً، لأصبح من أثرى أثرياء العالم فقط من ريع مبيعات كتابه رأس المال".

 والضحك والمزاح أمران نادران في كل حلقة جدية، تستغرق 33 دقيقة من حلقات البرنامج. إلا أنَّ البرنامج يستخدم الرسوم الكارتونية والأمثلة الشعبية ليجادل بأنَّ ماركس اكتشف حقائق أساسية حول كيفية تطور المجتمعات، وأنَّ الصين لا تزال تتشكل من خلال مُثل ماركس العليا في المساواة.

ولم يُذكر شيء في البرنامج عن إجراءات عدم المساواة في الثروة في الصين، والتي اقتربت من المستويات الموجودة في الولايات المتحدة، حتى بينما يتودد الرئيس الصيني شي للرأسماليين العالميين في مدينة دافوس بسويسرا.

وفي الوقت الذي حاول فيه شي جذب المستثمرين الأجانب، فقد حاول أيضاً إنشاء أيديولوجيا مُميزة، جزء منها قائم على القيم الشيوعية القديمة، وجزء منها استدعاء للتقاليد الصينية القديمة، التي تُلقح الصين ضد ضجة الأسواق الحرة والديمقراطية الليبرالية.

ونادراً ما يذكر الحزب الشيوعي الصيني هذه الأيام الصراع الطبقي، وقد تبنَّى نهج السوق الحرة منذ عصر دنغ شياو بينغ في الثمانينيات.

ومع ذلك، يصر القادة على أن تبقى الصين فوق قواعد الرأسمالية التي لا تعرف الرحمة. والأهم من كل شيء، فإنَّهم يؤكدون على أن الماركسية تعني الحفاظ على حكم الحزب الواحد.

وقال حساب يحمل اسم Bill Bishop على تويتر: "يبدو أمراً جديراً بالملاحظة أنَّ عدداً قليلاً من الناس يبدون وكأنَّهم يرون شي جين بينغ ماركسياً ولينينياً، وبصورة خاصة أنَّ لديه نظرة ماركسية فيما يتعلق بالعلاقات الدولية. ماذا لو كان كذلك حقاً؟ كيف يمكن أن يغير هذا تحليلنا لشي وما يفعله الحزب الشيوعي؟".

 

 

ونقلت The New York Times عن وانغ شين شنغ، أستاذ الماركسية في جامعة نانكاي في شمالي الصين، قوله: "لا أعتقد أنَّ الحديث عن الماركسية جاء فجأةً، ولكن الذكرى السنوية الـ200 لميلاده تعدُّ إطاراً زمنياً مهماً للغاية، وهناك العديد من الأنشطة التذكارية. إنَّ اقتصاد السوق الصيني هو اقتصاد يستخدم علم اقتصاد السوق كأداة لتحقيق قيم وأهداف الاشتراكية".

وينتمي برنامج "Marx Got It Right" إلى سلسلة من الدعاية الصينية المُوجهة للشباب، على الرغم من أن النتائج قد يبدو أنها جاءت بالإجبار.

وفي العام الماضي، أنتج مسؤولون في جنوبي الصين سلسلة بعنوان "Socialism Is a Bit Hip" أو "الاشتراكية هي صيحة بعض الشيء"، والتي حاولت محاكاة التقلبات الهائلة للثقافة الشعبية.

كما قامت جماعات راب مدعومة من الحزب بتأليف الأغاني الوطنية باستخدام كلمات أغان مُدنسة للغاية، لدرجة أنَّها تتطلب وجود تحذيرات بتوجيه الوالدين.

وخارج الاستديو التلفزيوني المُخطط له بإحكام، أعرب الشعب الصيني عن مزيد من الشكوك حول برنامج "Marx Got It Right". وعلى موقع "Zhihu"، وهو موقع صيني مشهور لنشر الأسئلة والتعليقات، سخر المُستخدمون من التصفيق المُصطنع في البرنامج والتبادلات المُتكِّلفة بين الطلاب والأساتذة.

وذكر أحد التعليقات على الموقع الصيني، أنَّ "أحد أهم الأفكار في الماركسية هو "الشك في كل شيء. هذا الأمر كله جعل ماركس رجلاً عظيماً، ولكن ماركس عارض فكرة عبادة الشخصية. أما بالنسبة للمُمثلين الشباب، فكلما قل ما قيل عنهم كان ذلك أفضل، فهم مُجرد حُراس حُمر صغار".

علامات:
تحميل المزيد