سعى الجيش الأميركي، على مدار سنوات، من أجل النأي بنفسه عن الحرب الأهلية الوحشية الدائرة في اليمن، حيث تخوض المملكة العربية السعودية حرباً ضد الحوثيين المدعومين من إيران، والذين لا يُشكِّلون تهديداً مباشراً للولايات المتحدة الأميركية.
لكن في أواخر العام الماضي (2017)، وصل فريقٌ من نحو 12 من ذوي القبعات الخضراء (القوات الأميركية الخاصة) إلى الحدود السعودية مع اليمن، في تصعيدٍ مستمر للحروب السرية الأميركية، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times، الخميس 3 مايو/أيار 2018.
وكشفت الصحيفة أن قوات خاصة أميركية تساعد السعودية في تحديد مواقع مخابئ الصواريخ الباليستية ومواقع الإطلاق التي يستخدمها المتمردون الحوثيون في اليمن لمهاجمة الرياض والمدن السعودية الأخرى، تمهيداً لإقلاع الطائرات السعودية وقصفها.
والتفاصيل الجديدة التي تحدثت عنها الصحيفة الأميركية، قالت إنها حصلت عليها من جانب مسؤولين أميركيين ودبلوماسيين أوروبيين.
تخطت مهمتها المحددة
ويبدو أن تلك التفاصيل تتعارض مع بيانات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، التي تفيد بأنَّ المساعدة الأميركية العسكرية للحملة التي تقودها السعودية في اليمن، تقتصر على تزويد الطائرات بالوقود في الجو، والمساعدات اللوجيستية، وتَشارُك المعلومات الاستخباراتية العامة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ليس ثمة إشارة على أنَّ القوات الأميركية الخاصة عَبَرَت الحدود إلى داخل اليمن كجزءٍ من المهمة السرية، لكنَّ إرسال قواتٍ برية أميركية إلى الحدود يُعَد ازدياداً ملحوظاً للمساعدة الغربية لاستهداف المقاتلين الحوثيين الذين هم في عمق اليمن.
ووصف تيم كين، السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، الخميس 3 مايو/أيار 2018، مهمة ذوي القبعات الخضراء بأنَّها "خلطٌ عن قصد للخطوط الفاصلة بين مهام التدريب والتسليح والمهام القتالية".
ودعا، مُستشهِداً بتقرير صحيفة The New York Times، إلى تصويتٍ جديد في الكونغرس على تفويض استخدام القوة العسكرية، وهو تشريع لسلطات الحرب استخدمه 3 رؤساء متعاقبين في مناطق الصراع حول العالم.
وكانت قوات من "القبعات الخضراء" انتشرت على الحدود بين اليمن والسعودية في ديسمبر/كانون الأول 2017، بعد أسابيع من وصول صاروخٍ باليستي قريباً من العاصمة السعودية الرياض.
وقال الجيش السعودي إنَّه اعترض الصاروخ فوق مطار المدينة الدولي، وهو الادعاء الذي أُحِيط بالتشكيك بعد تحليلٍ لصور وفيديوهات للهجوم. لكنَّ ذلك كان كافياً لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لتجديد طلبه المطروح منذ وقتٍ طويل بإرسال الولايات المتحدة قواتٍ لمساعدة المملكة في مواجهة التهديد الحوثي.
مواجهة صواريخ الحوثيين
وذكرت الصحيفة الأميركية أن 6 مسؤولين من الجيش الأميركي وإدارة ترمب وبلدان أوروبية وعربية، قالت إنَّ "القوات الأميركية الخاصة تُدرِّب القوات البرية السعودية لتأمين حدود المملكة".
وأضافوا أن تلك القوات الخاصة تعمل من كثب مع محللي الاستخبارات الأميركيين في نجران، وهي مدينة تقع جنوب السعودية تعرَّضت مراراً لهجماتٍ بالصواريخ؛ للمساعدة في تحديد مواقع صواريخ الحوثيين داخل اليمن.
ووفقاً للمسؤولين الذين تحدثوا جميعاً شريطة عدم الكشف عن هويتهم، يعمل الأميركيون على طول الحدود المليئة بالثغرات بطائرات مراقبةٍ يمكنها جمع الإشارات الإلكترونية لتعقُّب الأسلحة الحوثية ومواقع إطلاقها.
وفي أثناء لقاءٍ لالكونغرس في مارس/آذار 2018، ضغط أعضاء بمجلس الشيوخ على مسؤولي "البنتاغون" بشأن دور الجيش الأميركي في حرب اليمن، وطالبوا بمعرفة ما إذا كانت القوات الأميركية مُعرَّضة لخطر الدخول في أعمالٍ عدائية ضد الحوثيين.
وأخبر مسؤولو "البنتاغون" أعضاء مجلس الشيوخ بما كان مُعلَناً بالفعل، وهو أنَّ القوات الأميركية المتمركزة في السعودية تُقدِّم الاستشارة فقط داخل حدود المملكة وتُركِّز في المعظم على الدفاع عن الحدود.
وأخبر الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية، لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 13 مارس/آذار 2018: "إنَّنا مُفوَّضون لمساعدة السعوديين على الدفاع عن حدودهم. ونحن نفعل ذلك عبر تشارُك المعلومات الاستخباراتية، وعبر الدعم اللوجيستي، وعبر الاستشارات العسكرية التي نُقدِّمها لهم"، وفق قوله.
وفي 17 أبريل/نيسان 2018، أخبر مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي، روبرت كارم، لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أنَّ الولايات المتحدة لديها نحو 50 عسكرياً في السعودية "يساعدون غالباً بخصوص تهديد الصواريخ الباليستية".
وتدخَّل ذوو القبعات الخضراء للتعامل مع مشكلة صعبة متزايدة تواجه الجيش السعودي. وحضورهم هو أحدث مثال على العلاقات الآخذة في الاتساع بين الولايات المتحدة والسعودية في ظل الرئيس ترمب والأمير ابن سلمان.
وفي مارس/آذار 2018، التقى ولي العهد مع ترمب وكبار مسؤولي الأمن القومي الأميركيين بواشنطن، ووافقت وزارة الخارجية الأميركية على بيع ما تُقدَّر قيمته بـ670 مليون دولار من الصواريخ المضادة للدبابات، ضمن حزمة أسحلة تضمَّنت أيضاً مكونات لدبابات ومروحيات أميركية الصنع اشترتها السعودية سابقاً.
وقال ترمب في ذلك الوقت: "السعودية دولة غنية جداً، ونأمل أن يمنحوا الولايات المتحدة بعض تلك الثروة، في صورة وظائف ومشتريات لأفضل المعدات العسكرية بالعالم".
عمليات مختلفة
ويختلف دعم الجيش الأميركي للحملة السعودية ضد الحوثيين عن حملة "البنتاغون" ضد المسلحين الآخرين في اليمن.
فعلى مدار العامين الماضيين، وسَّعت القوات الحكومية المدعومة أميركياً والإمارات العربية المتحدة حرباً غامضة في مناطق وسط وجنوب اليمن. واستهدفت تلك الجهود أكثر من 3 آلاف من أفراد الفرع التابع لتنظيم القاعدة وحلفائه القبليين؛ ما دفعهم إلى المناطق الداخلية الجبلية الوعرة.
ووفقاً للقيادة المركزية الأميركية، شنَّت الولايات المتحدة العام الماضي (2017) أكثر من 130 غارة جوية في اليمن كجزءٍ من حملة ترمب المكثفة ضد التنظيمات الإرهابية. استهدفت معظم الغارات مسلحي القاعدة، وشُنَّت 10 غارات ضد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وقال المسؤولون إنَّ الدعم الأميركي للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، وهو عبارة عن حملة تتضمَّن الإمارات والأردن ومصر، وَرَدَ أول الأمر في وثيقةٍ تعود لعام 2015، معروفة باسم "مذكرة رايس"، على اسم سوزان رايس، التي أصبحت فيما بعدُ مستشارة الأمن القومي بإدارة أوباما.
وأوردت المذكرة تفاصيل المساعدات العسكرية، وكان الهدف منها النأي بالولايات المتحدة عن شن أي عمليات هجومية ضد الحوثيين، وبدلاً من ذلك، التركيز على مساعدة السعوديين على تأمين حدودهم.
لكن في ظل إدارة ترمب، يبدو أنَّ نطاق تلك المبادئ الإرشادية قد اتسع، مثلما يتضح من إضافة طائرات المراقبة الأميركية وفريق ذوي القبعات الخضراء.
صواريخ نحو المملكة
ومع إطلاق الحوثيين عشرات الصواريخ على السعودية، ومن ضمنها صواريخ مُعدَّلة أقصر مدى مضادة للطائرات وذخيرة إيرانية مستوردة، فقد استغل البيت الأبيض ووزارة الخارجية الضربات لإدانة الحوثيين وداعميهم الإيرانيين أيضاً، ما أكَّد موقف الإدارة المتشدد ضد طهران.
إذ قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الأحد 29 أبريل/نيسان 2018، في أثناء زيارته الرياض: "تزعزع إيران استقرار المنطقة بأكملها؛ إذ تُقدِّم الدعم لميليشيات وكيلة وجماعات إرهابية، إضافةً إلى أنَّها تعمل كتاجر سلاح للمتمردين الحوثيين في اليمن".
وبحسب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي، روبرت كارم، فإنَّه منذ عام 2015 أطلق المتمردون الحوثيون أكثر من 100 صاروخ باليستي وعدة صواريخ أخرى ضد مراكز سكانية رئيسية ومطارات دولية ومنشآت عسكرية وبنية تحتية نفطية في السعودية.
ووفقاً للبيانات التي جمعها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أطلق الحوثيون في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2018 الجاري أكثر من 30 صاروخاً، وهو تقريباً العدد نفسه الذي أطلقوه عام 2017.
وقال مايكل نايتس، وهو زميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني، إنَّ القوات السعودية تحاول التصدي للأسلحة القادمة من الساحل الغربي لليمن -مثل الميناء الذي يسيطر عليه الحوثيون بمدينة الحُديدة، حيث يعتقد المسؤولون في الرياض أنَّ الصواريخ يجري شحنها عبر هذا الميناء- وهي لا تملك سوى خيارين قابلين للتطبيق.
وبحسب نايتس، فإن الخيار الأول يتمثل في العثور على الصواريخ بأماكن تخزينها، ما يتطلب جهداً مكثفاً من المراقبة. أمَّا الخيار الثاني فأصعب؛ ويتمثَّل في الهجوم على مواقع الإطلاق، وأضاف: "إنَّهم بصدد مشكلة صعبة للغاية".
ويمكن للمتمردين الحوثيين إخفاء قاذفات الصواريخ المتحركة في أي مكان، بدءاً من المجارير وحتى تحت جسور الطرق السريعة. ويمكن نقلها بسهولة لعمليات الإطلاق السريعة.
ويتطلَّب التعامل مع تلك المشكلة اتباع التحالف الذي تقوده السعودية نظاماً جيد التنسيق، يمتد من الأقمار الاصطناعية وحتى القوات على الأرض؛ لضمان عثور الطائرات على قاذفات الصواريخ سريعاً وتدميرها.
وقال الجنرال ديفيد غولدفين، رئيس أركان سلاح الجو الأميركي، في مقابلة: "ببيئة من الصواريخ المتنقلة، يُعد تحقيق ذلك تحدياً".