كل شيء في تونس أصبح أغلى: الطعام وكتب المدرسة وحتى الملابس المستعملة.. “الاقتصاد في حالةٍ سيئة للغاية”

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/04 الساعة 18:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/04 الساعة 19:45 بتوقيت غرينتش

في فبراير/شباط الماضي، ارتفع صوت الصراخ بين أعضاء البرلمان التونسي أثناء عملية اختيار محافظٍ جديد للبنك المركزي.

المشهد ليس مألوفاً، وهو ما يشرحه عضو حزب نداء تونس محمد صيداني قائلاً: "في الماضي، كان لدينا زعيمٌ قوي واحد يتخذ القرارات. لكنَّنا نتغير الآن، فهناك 270 نائباً و25 حزباً، ولا أحد يملك الأغلبية. النظام الانتخابي يُبطئ نمو الاقتصاد".

وعندما انتفض التونسيون قبل سبع سنواتٍ ضد حاكمهم الذي حَكَمَ لفترةٍ طويلة، انضم إليهم مُدرِّسان شابان حالمان، آملين أن تقود التظاهرات بلدهم الواقع في شمال إفريقيا ذا العشرة ملايين نسمة إلى مصاف ديمقراطيات العالم الأخرى، هما عادل ومروة جعفري.

يتدبر المواطن أموره ويقترض ويعمل بوظيفة ثانية

لكن اليوم، يمر عادل ومروة بضائقةٍ مالية بينما يستمر اقتصاد بلادهم في التدهور، وتتراجع قيمة العملة، وتفرض الحكومة إجراءات تقشف جديدة. ويقول تقرير لصحيفة New York Times عن جعفري (35 عاماً)، مدرس علوم الحاسوب في مدرسةٍ ثانوية، إنه شغل مؤخراً وظيفةً أخرى لتركيب أطباق القمر الاصناعي وتصليح الحواسيب ليلاً. ويقول: "مع ذلك، ما زلتُ لا أستطيع تحمل نفقات حياتي. بالكاد نتدبر أمرنا، لكنَّنا أخذنا الكثير من القروض. كل شيء أصبح أغلى؛ الطعام، وكتب المدرسة".

وأضافت مروة (34 عاماً)، أستاذة الجامعة المتخصصة في برمجة الحاسب، قائلةً: "والملابس، وأحذية الأطفال. بالطبع نحن قلقون. نحنُ نعاني".

حذَّر الباحثون والاقتصاديون لسنوات من أنَّ مشكلات تونس الاقتصادية ربما تعوق تقدمها السياسي. لكن الآن، يُلقِي مجموعة كبيرة من المنتقدين باللوم على الإجراءات الاقتصادية التي نصح بها المستشارون وهيئات الإقراض الدولية، ونفذها السياسيون التونسيون عديمو الخبرة، في زيادة حجم تلك المشكلات والتسبب في أزمةٍ اقتصادية وسياسية.

ويخشى على الديمقراطية من إجراءات التقشف الجديدة

 

يقول جيهان شندول، الاقتصادي والمؤسس المشارك لمركز أبحاث المرصد التونسي للاقتصاد: "عندما تعمل على إفقار الفقراء والطبقة المتوسطة، فأنت تُقوِّض الديمقراطية. ما يضر العملية الديمقراطية هو إجراءات التقشف التي طُلِبَ منا تنفيذها للحصول على القروض. الديمقراطية التونسية في خطر. غالباً ما تُنتِج هذه السياسات مصاعب طاحنة واضطراباتٍ سياسية يمكنها تقويض الدعم الذي تحظى به الأنظمة الديمقراطية الرأسمالية ذاتها التي يسعى الغرب لبنائها.

وبالفعل اندلعت تظاهراتٌ ضد زيادة الضرائب وارتفاع الأسعار في جميع أنحاء تونس في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد تنفيذ سياساتٍ اقتصادية جديدة دعا إليها صندوق النقد الدولي وداعمو تونس في الغرب. إذ خفَّضت تونس عجز الميزانية على حساب المطالبات الشعبية بتوفير فرص العمل، وتبنَّت سياسات التجارة الحرة التي ربما ستضر المنتجين التونسيين، وسمحت بتخفيض قيمة العملة، ما رفع أسعار الغذاء والوقود.

وقد يعزف المواطنون عن المشاركة في انتخابات البلديات

ويعتقد المراقبون أن الشعب التونسي سيظهر مدى رضاه أو غضبه من السياسات الاقتصادية لبلاده يوم الأحد القادم 6 مايو/أيار، حين يتجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات الأولى لمجالس البلدية منذ انتفاضات 2010. ويتوقع محللون أن تسجل نسبة عزوف كبيرة عن التصويت بسبب فشل من تسلموا السلطة بعد الثورة في تحقيق الانجازات المطلوبة. ويقر العديد من التونسيين بعدم تحمسهم للانتخابات البلدية بسبب مؤشرات التضخم والبطالة المرتفعة، إضافة الى التسوية بين الاحزاب السياسية التي عرقلت النقاش الديمقراطي على المستوى الوطني، حسبما أوردت وكالة AFP في تقرير لها.

ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته منظمة المعهد الجمهوري الدولي المناصرة للديمقراطية في واشنطن، فإنَّ 83% من التونسيين يرون أنَّ بلدهم يتجه في الاتجاه الخاطئ، وأشار 64% منهم إلى الاقتصاد أو البطالة باعتبارها أكبر مخاوفهم.

الأزمة بدأت في 2008 وتفاقمت بعد انهيار ليبيا

الاقتصاد التونسي في حالةٍ سيئة للغاية. فإجمالي الناتج المحلي ينمو بنسبةٍ ضئيلة تبلغ فقط 2%، في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة إلى 15.5%، وتبلغ 30% في أوساط الشباب.

وتراجعت قيمة الدينار التونسي بنحو 40% مقارنةً باليورو والدولار منذ عام 2011، ما أدى إلى زيادة أسعار الوقود وجميع السلع الاستهلاكية تقريباً. وخفَّضت وكالات التصنيف الدولية مراراً التصنيف الائتماني لتونس، وهو ما قيَّد قدرة الحكومة على الاقتراض للاستثمار في خلق الوظائف وبرامج الأشغال العامة.

ويرد القادة السياسيون التونسيون بأن لم يكن أمامهم سوى الانصياع لطلبات هيئات الإقراض الدولية، ومنها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، التي هي مَدينةٌ لهم بنحو 31 مليار دولار، أو ما يساوي 60% من إجمالي الناتج المحلي.

ويعزو السياسيون هذه المشاكل الاقتصادية إلى الآثار طويلة المدى للانهيار الاقتصادي العالمي منذ عشر سنوات، بالإضافة إلى الاضطرابات في ليبيا المجاورة، الدولة الكبرى الغنية بالنفط التي كانت توفر في الماضي فرص عمل ومشروعات وتحويلاتٍ نقدية من الخارج، لكنَّها الآن أصبحت مصدراً للتهديدات الأمنية، من بينها الهجمات الإرهابية التي دمَّرت صناعة السياحة في تونس.

ويُلقِي هؤلاء باللوم أيضاً على النزاعات الداخلية في البرلمان والتظاهرات في الشوارع، وهي عوامل كان سيسهل كبحها في ظل الحكم الديكتاتوري.

وصندوق النقد الدولي متهم بالمسؤولية عن الأزمة

لكن هناك آخرين يشيرون إلى قراراتٍ بعينها اتخذها القادة التونسيون بطلبٍ من صندوق النقد وقوى غربية أخرى تسببت في تدهور مشكلات تونس. ففي العام الماضي، أجَّل صندوق النقد الدولي منح تونس أحد القروض لأنَّ الحكومة وفقاً للصندوق لم تكن تتحرك بسرعةٍ كافية نحو بيع 3 بنوك وتخفيض عدد الوظائف الحكومية. وأقنع الصندوق تونس بزيادة الضرائب المفروضة على المبيعات لتخفيض عجز ميزانية 2018.

وصُعِقَ التونسيون حين صرَّح بيورن روثر مدير بعثة صندوق النقد إلى تونس لوكالة بلومبرغ الشهر الماضي بأنَّ قيمة الدينار التونسي يجب أن تنخفض أكثر، وهو رأيٌ أربك الاقتصاديين الذين يشعرون بالقلق من أنَّ المستهلكين يعانون بالفعل من أسعار الغذاء والوقود المرتفعة، وأنَّ الحكومة بالفعل تعتصرها دفعات الديون المُقوَّمة بالدولار واليورو.

وكتب المحلل الاقتصادي آرام بالحاج أن الموافقة على تعويم الدينار نزولاً على رغبة صندوق النقد، ستكون عملاً انتحارياً لاقتصاد فشل حتى الآن في التعامل مع المتغيرات الجديدة، وفي بناء نموذج جديد للتنمية. وتساءل في عنوان بحثه: هل يريد بيورن روثر قتل المجتمع التونسي؟.

ويجادل المدافعون عن الصندوق بأنَّ السماح بانخفاض قيمة العملة في تونس سيساعد الصناعات التونسية على الانطلاق بقوة، ومنها صناعة النسيج، التي تنافسها الآن الواردات من الصين وتركيا.

لكنَّ صندوق النقد يقول إنَّ الحكومة التونسية هي في النهاية من يتخذ القرارات بخصوص الاتجاه الاقتصادي الذي تسلكه الدولة.

لكن الصندوق مصمم على تنفيذ برنامج من 4  بنود

ومن جانب صندوق النقد، الذي تعرَّض لانتقاداتٍ شديدة في الثمانينيات والتسعينيات لفرضه إصلاحاتٍ اقتصادية مُوجِعة على الدول النامية، يُصِر الصندوق أنَّه لا يدعو للتقشف في تونس.

وزارت بعثة من صندوق النقد الدولي تونس في الفترة 4-11 أبريل/نيسان الماضي، برئاسة بيورن روتر. وفي نهاية الزيارة أصدرت البعثة بياناً على موقعها الإليكتروني، قالت فيه إن "النمو الاقتصادي يواصل التحسن، تدفعه جودة جودة الموسم الزراعي، وزيادة الاستثمار، والتعافي المبكر الذي تشهده الصادرات. ومن ناحية أخرى، ترتفع المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد الكلي: فالتضخم ارتفع بسرعة مسجلاً 7.6% في شهر مارس، وتغطية الاحتياطيات الدولية لا تزال أقل من 90 يوماً من الواردات، والدين العام والخارجي بلغا 71% و 80% من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي".

واقترح البيان خفض عجز الميزانية بمزيد من تخفيض دعم الطاقة "غير العادل"، وإعادة النظر في فاتورة أجور ضخمة يتحملها القطاع العام، ورفع سن التقاعد وإجراءات أخرى.

وفيما يبدو تنسيقاً مع الصندوق، طرحت الحكومة التونسية منتصف أبريل/نيسان الماضي حزمة الإصلاحات الكبرى التي تعتزم تنفيذها خلال الفترة المقبلة.

وتقوم هذه الإصلاحات على أربعة محاور هي الإصلاح الجبائي الضريبي، وتوازن المالية العمومية، وإصلاح منظومة الدعم، والضغط على كتلة الأجور الموجهة إلى القطاع العام.

والأسعار أصبحت شكوى البائعين والزبائن في نفس الوقت

يمكن ملاحظة الضغوط الاقتصادية التي يرزح تحتها المواطنون التونسيون في أسواق الملابس المستعملة في العاصمة. كانت هذه الأسواق مترامية الأطراف تجذب في الماضي الفقراء والشباب، وعدداً قليلاً من محبي الملابس الفاخرة. الآن يعتمد عليها الكبار كذلك وعائلات الطبقة المتوسطة، ويشكون من ارتفاع أسعارها أكثر مؤخراً. فالمعطف الذي ثمنه كان لا يتعدى 3 دولارات يتجاوز الآن 8 دولارات.

وعبَّر عن ذلك توفيق جندوبي (29 عاماً)، الذي يعمل موظفاً بمتجر بقالة، وقال: "لم نعد نشتري أشياء جديدة، حتى الملابس المستعملة أصبحت أغلى. بدأتُ أشعر أنَّ كل شيء هنا أصبح باهظاً. لا يمكنني تحمل التكلفة".

تعاني عائلة جعفري لتُدبِّر أمرها بدخلٍ مشترك للزوجين يصل إلى 15 ألف دولار أميركي في العام، يتبقى لهم منه يومياً بعد دفع الإيجار، والديون، ومصروفات مدارس أطفالهم نحو 13 دولاراً فقط، تنفقها العائلة المكونة من خمسة أفراد على التنقلات، والطعام، والملابس، وأي بنودٍ إضافية.

وأعرب نشطاء حقوق الإنسان عن قلقهم مما يرونه ميلاً نحو الاستبداد في تونس، وهو ما يظهر من خلال مقاضاة السياسيين، والصحفيين، والنشطاء الذين ينتقدون الشرطة والجيش. ويقول المحللون إنَّهم قلقون من أنَّ البلاد ربما تتجه نحو نظام حكمٍ استبدادي مماثل لنظام حكم مصر بعد انقلاب 2013. ونقلت صحيفة New York Times عن المحلل والصحفي فاضل علي رضا المقيم في تونس قوله: "نحنُ نقترب من هذا، ببطء. وليس من الواضح ما إذا كنا سنشهد انفجاراً عنيفاً بسبب ذلك".

تحميل المزيد