Financial Times: الإجراءات الاقتصادية الصارمة في مصر بدأت تؤتي ثمارها.. لكن هل سيشعر بهذا التحسن المواطنون؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/02 الساعة 15:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/02 الساعة 15:45 بتوقيت غرينتش

في إعلان تلفزيوني حديث، روّجت وزارة الاستثمار المصرية للرواية الرسمية حول سرعة إمداد المستثمرين بالخدمات في مراكزها البرّاقة بالقاهرة وأماكن أُخرى.

وبحسب ما نقلته صحيفة Financial Times البريطانية، 2 مايو/أيار 2015، يُظهر الإعلان مجموعة من رجال الأعمال يتوقّعون أن يجدوا صورة كاملة للبيروقراطية سيئة السمعة في مصر، ولكن وبدلاً من الاضطرار إلى الوقوف في الطوابير إلى ما لا نهاية، دعاهم مسؤول مُهذّب للاستراحة والتمتّع بفنجان من القهوة حتى الانتهاء من أوراقهم، ما تعجّب منه أحدهم، قائلاً: "إنها خدمة خمسة نجوم".

إلى جانب الإجراءات الصارمة الرامية إلى إضفاء حالة من الاستقرار على الاقتصاد الذي أطاحت به سنوات من الاضطراب بعد ثورة 2011، تريد مصر إحياء الاستثمار المحلي والأجنبي؛ للمساعدة في خلق فرص عمل لنحو 700.000 شخص يدخلون سوق العمل كل عام.

وتقول الصحيفة إنه بعد 18 شهراً من بدء برنامج الإصلاح المتّفق عليه مع صندوق النقد الدولي، يقول رجال الأعمال والمحللون إن الإجراءات القاسية، مثل تعويم الجنيه، وتقليص دعم الطاقة، تُظهر الآن نجاحاً.

ويتوقّعون أن تنطلق الاستثمارات مع تحسّن المؤشرات الاقتصادية، بينما تنظر الشركات الدولية باهتمام إلى أكبر دولة عربية من حيث عدد السكّان.

أبرز النتائج

وكجزء من صفقة صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار أميركي، أصدرت البلاد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قراراً بتعويم العُملة. وسرعان ما فقد الجنيه نصف قيمته في مقابل الدولار الأميركي؛ مما أدّى إلى صدمة سِعرية للبلد الذي يعتمد بشكل هائل على الواردات، وبلغت معدّلات التضخّم أكثر من 30% في يوليو/تموز 2017، ولكنها تراجعت في مارس/آذار من العام الجاري (2018) لتبلغ 13.3%، ومن المتوقّع أن تنخفض أكثر.

ومن المتوقّع كذلك أن يتقلّص عجز الميزانية إلى 8.4% من إجمالي الناتج المحلي في العام المقبل، بعدما بلغ 9.8% بالسنة المالية الجارية التي تنقضي في يونيو/حزيران، بحسب الصحيفة البريطانية.

وأنهت اكتشافات الغاز الطبيعي؛ مثل حقل "ظُهر" – لذي بدأ العمل فيه هذا العام (2018)، فضلاً عن الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية- مشكلات الطاقة التي شوّهت الصناعة بالسنوات الأخيرة. كما تم اعتماد قانون جديد للإفلاس، طال انتظاره من قِبل المستثمرين في يناير/كانون الثاني 2018. وتخطط الحكومة لبيع أسهم العديد من الشركات المملوكة للدولة قبل نهاية عام 2018، بحسب الصحيفة البريطانية.

يقول طارق توفيق، رئيس غرفة التجارة الأميركية في مصر، إن المستثمرين الأجانب كانوا ينتظرون رؤية ما إذا كانت "الإصلاحات مستدامة وذات جدوى سياسية"، وأضاف أن "الشركات متعددة الجنسيات بالولايات المتحدة الأميركية تستعد لمد نطاق استثماراتها بعد التأكد من استمرار الإصلاحات".

إصلاحات أقل ضخامة من سابقاتها

وكانت معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجالي النفط والغاز، وكان بعضها بمجال الطاقة المتجددة. ولكن على الرغم من أن تلك القطاعات حيوية، فإنها لا تخلق سوى عدد قليل من الوظائف للمواطنين.

ويقول المصرفيون إن المستثمرين بدأوا ينظرون بعناية إلى الرعاية الصحية، والسلع الاستهلاكية، والمنسوجات، والتصنيع؛ إذ يقدّم ذلك سوقاً محلّية لنحو 98 مليون مواطن، ويتيح إمكانية للتصدير بعد تخفيض قيمة العملة.

محمد أبو باشا، رئيس قسم تحليل الاقتصاد الكلي في بنك "إي إف جي هيرميس"، البنك الاستثماري الإقليمي، يقول إن المستثمرين ينظرون عادة إلى "إجهاد الإصلاح" –وهو مصطلح يشير إلى الافتقار إلى الدعم العام وفقدان الثقة بالإصلاحات الموافقة للسوق- باعتباره خطراً، ولكنه يعارض ذلك، قائلاً إنه "لا يوجد سبب لمثل هذه المخاوف؛ لأن الإصلاحات القادمة أقل ضخامة من تلك التي تمت بالفعل"، ويشير أبو باشا إلى أن التضخم المرتفع الذي شهده الاقتصاد منذ انخفاض قيمة العملة أدى إلى تراجع معدلات الطلب، وهو ما بدأ بالارتفاع في الآونة الأخيرة، بحسب الصحيفة البريطانية.

وأضاف قائلاً: "يستغرق الأمر وقتاً لاستعادة مستويات الطلب بعد مثل هذه التعديلات الجذرية التي مرّت بها مصر. لذلك، فإنه من الطبيعي ألّا نشهد الكثير من الاستثمارات الأجنبية الآن"، وتابع: "بدءاً من العام المقبل (2019)، سنشهد زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر مع عودة الطلب إلى مستوياته المعتادة".

وهذا يعني أن المواطنين المصريين لن يشعروا بهذا التحسن في القريب العاجل؛ نظراً إلى تعقُّد الوضع الاقتصادي بمصر.

وخلال الفترة الماضية، زادت الأسعار بشكل كبير نتيجة لتعويم العملة، كما ارتفع التضخم بشكل ملحوظ، وتراجع التصدير بسبب ارتفاع سعر الدولار في الأسواق المحلية.

ماذا عن الشركات المصرية؟

وبحسب الصحيفة البريطانية، مع ارتفاع التضخم، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة في عام 2017 بنسبة 7% لتصل إلى نحو 20%، مما جعل الاقتراض محظوراً على الشركات المصرية.

ولكن، بعد أن بدأ التضخم في الانخفاض، بدأت أسعار الفائدة بالتراجع حالياً.

وبحسب ما نقلته FT، يقول مصرفي مصري رفيع المستوى: "منذ شهر أغسطس/آب 2017، شهدنا انتعاشاً للشركات المصرية"، وأضاف: "كانت المصانع تعمل بنصف طاقتها بعد تخفيض قيمة العملة، ولكنها الآن تعمل بما يتراوح بين 60%، و65% من طاقتها الإنتاجية وتتزايد النسبة كل شهر".

وتابع قائلاً: "بناء على ذلك، لا أعتقد أن الشركات ستقوم باستثمارات ضخمة الآن، وأضاف أنه "على الرغم من ذلك، بنهاية العام، ومع ارتفاع مستويات الطلب وتراجع أسعار الفائدة، سيخلق هذا حركةً مثاليةً لصالح  الاستثمار".

هل الجيش منافس؟

يقول محللون ورجال أعمال للصحيفة البريطانية، إن مصر لا تزال مضطرة إلى خفض مستويات البيروقراطية، فضلاً عن تحسين فرص الحصول على الأراضي اللازمة لإقامة مشاريع جديدة وضمان المنافسة العادلة؛ وكان التنافس مع مؤسسة الجيش أحد المخاوف بالنسبة للبعض، حيث أمدّت المؤسسة العسكرية نطاق مشاركتها في الاقتصاد منذ أن تولّى عبد الفتاح السيسي، وهو رجل عسكري سابق، منصب الرئاسة في عام 2014.

وقد اعتمد السيسي على شركات الجيش لدفع الاستثمار، في وقت عانت فيه الحكومة الفوضى، ولم يكن القطاع الخاص مستعداً للاستثمار. ويقول المسؤول المصرفي إن دور الجيش لا يزال يشكل مصدر قلق، "لكنه فقدَ هيمنته بشكل كبير"، وتابع أن دور المؤسسة العسكرية "ليس كبيراً بما فيه الكفاية لتعطيل السوق"، وأنه "لا تزال هناك هوامش ربح هائلة" من نصيب القطاع الخاص.

أمّا صندوق النقد الدولي، فليس مقتنعاً تماماً، ومن دون ذكر الجيش، حذّر في تقرير حديث من أن الدور الكبير لمؤسسات لدولة "يحدُّ من النطاق المالي للاستثمارات الإنتاجية"، و"يهدد القطاع الخاص".

علامات:
تحميل المزيد