الرجل الأكثر شعبية بالعراق، ليس بالضرورة هو من سيحكم البلاد، بعد الانتخابات التشريعية القادمة.
فرغم حديث استطلاعات للرأي من تصاعد شعبية رئيس الحكومة العراقي الحالي حيدر العبادي، فإن الانقسامات داخل الكتل الشيعية الكبرى، ستجعل اختيار رئيس الحكومة عملية معقدة لا تعتمد على الشعبية فقط.
وستكون الانتخابات البرلمانية العراقية، المُزمع إجراؤها في 12 مايو/أيار الجاري، هي الاستفتاء الوطني الأول منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 2017.
ولكن المهم أن هناك تطورين جديدين في هذه الانتخابات في عراق ما بعد داعش، يتعلقان بالتحالفات التي تسعى لتمثيل الأغلبية الشيعية في العراق، حسب تحليل لإبراهيم المراشي، الأستاذ المساعد لتاريخ الشرق الأوسط بجامعة سان ماركوس في كاليفورنيا، نُشر في موقع Middle East Eye البريطاني.
التطور الأول هو أنَّ الميليشيات الشيعية التي ظهرت كردِّ فعلٍ على هجوم داعش في عام 2014 قدَّمت نحو 500 مرشح لمنافسة 7 آلاف مرشح آخر على مقاعد البرلمان العراقي، البالغ عددها 329 مقعداً.
والثاني هو أنَّه، منذ بداية هذا العام، هناك 5 فصائل شيعية مختلفة على الأقل تتنافس على المنصب المرغوب فيه بشدة: رئيس وزراء العراق. وبالمقارنة، خلال الانتخابات الوطنية الأولى التي أُجرِيَت بعد سقوط صدام حسين عام 2005، ترشّحت الفصائل الشيعية الكبرى ضمن قائمةٍ موحدة، تحت اسم الائتلاف العراقي المُوحَّد.
إنهم مَن يختارون رئيس الوزراء وليس الشعب
أهمية دراسة وضع الأحزاب والائتلافات الشيعية تكمن في أنَّ رئيس الوزراء التالي للعراق سيخرج من بينها، فاختياره يكون بناء على أصوات الكتل البرلمانية وليس شعبيته بين الناس، وهوية هذا الشخص ستُحدد مصير الوحدة الوطنية في العراق.
اللافت أن استطلاع رأي أُجرِيَ مؤخراً في الفترة من 17 إلى 21 مارس/آذار 2018، وشمل مشاركين من جميع محافظات العراق، البالغ عددها 18 محافظة، كشف أنَّ نحو 60% من الناخبين لم يقرِّروا بعدُ مَن سيؤيدون في الانتخابات، وهو مؤشرٌ على أنَّه ليست هناك نتائج مؤكدة متوقَّعة في الانتخابات التي ستُجرَى بعد أقل من أسبوعين.
وهذه الشبكات المعقدة من الائتلافات تتنافس على مقاعد البرلمان
عادةً ما تُشكل أحزاب العراق المختلفة ائتلافاتٍ قبل التنافس في أي انتخابات لزيادة عدد الأصوات التي يمكنها الحصول عليها.
وفي انتخابات عام 2018، تشمل الائتلافات الشيعية المتنافسة ائتلاف "نصر العراق" بقيادة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي يترشَّح لشغل منصبه لولايةٍ ثانية. ويحاول اسمه استغلال الانتصار العراقي على تنظيم داعش. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ هذا الائتلاف يحظى بتأييد أكبر عدد من الناخبين بنسبة تصل إلى 15%.
والائتلاف الثاني الذي يحظى بتأييد 5% في استطلاعات الرأي هو ائتلاف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي تنحَّى عن منصبه عام 2014، لكنَّه يسعى الآن للعودة مجدداً إلى معترك السياسة. يقود المالكي ائتلاف "دولة القانون"، مُستخدماً الاسم الذي اقترحه خلال الحملة الانتخابية عام 2010.
والعبادي والمالكي هما سياسيان ينتميان لحزب الدعوة، الذي كان كتلةً واحدة خلال الانتخابات العراقية الأولى عام 2005، لكنَّه انقسم منذ ذلك الحين حول الولاء لشخصيتين سياسيتين بدلاً من أن ينقسم أيديولوجياً.
الائتلاف الثالث الذي يحظى بتأييد 2.5% من الناخبين هو ائتلاف الميليشيات الشيعية، المعروفة رسمياً باسم وحدات الحشد الشعبي. رشَّح الائتلاف عدداً من المرشحين تحت اسم ائتلاف "الفتح".
وأبرز هؤلاء المرشحين هو هادي العامري، زعيم منظمة بدر. ورغم أنَّ مرشحي الحشد الشعبي استقالوا من مناصبهم في الميليشيات لخوض الانتخابات، ستستمر علاقاتهم غير الرسمية بوحداتهم العسكرية، التي يرتبط بعضها بإيران.
الائتلاف الرابع هو ائتلاف "الحكمة"، الذي يقوده الزعيم الديني عمار الحكيم، الذي كان يقود سابقاً حزب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ويحظى بتأييد 0.6% من الناخبين.
وانفصل العامري والحكيم عن حزب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي كان حزباً شيعياً كبيراً في المنفى، خلال فترة حكم صدام حسين. ومثل حزب الدعوة، عاد حزب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي إلى العراق بعد 2003، لكنَّ كلا الحزبين عانيا من الانقسامات والتحزُّب منذ ذلك الحين.
الائتلاف الخامس يحمل اسم "السائرون"، وهو مثالٌ غير مألوف لتحالف الإسلاميين مع حزبٍ علماني راسخ، إذ يجمع الصدريين مع الشيوعيين.
والصدريون هم أتباع الزعيم الديني مقتدى الصدر، وهم المجموعة الوحيدة التي لم تكن منفيةً تحت حكم حزب البعث. بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، خرج أعضاء الائتلاف الرئيسيون من بين الشيعة الذين عانوا خلال فترة حكم صدام حسين.
وأعلن الصدريون مؤخراً تحالفاً مشتركاً مع الحزب الشيوعي العراقي، تحت اسم "السائرون"، ويحظى الائتلاف بتأييد 3.4% من الناخبين، أي أكثر من نسبة التأييد التي يحظى بها ائتلاف وحدات الحشد الشعبي.
أما آخر هذه الائتلافات فهو ائتلاف "الوطنية"، الذي لا يعد من الفصائل الشيعية، لكن يقوده الشيعي إياد علاوي، الذي تحدَّث كثيراً عن توجهاته العلمانية، ونجح في الماضي في حشد العراقيين السنة، لدعمه في طموحاته لشغل منصب رئيس الوزراء. ويحظى هذا الائتلاف بتأييد 0.9% من الناخبين.
كلهم يتباهون بالانتصار على داعش ولكن هناك قضايا أخرى تهم الناخبين
يمكن لمرشحي الحشد الشعبي أن يزعموا أنَّهم حرَّروا العراق من داعش، لكن في الانتخابات ما يهم الناخبين العراقيين هو 3 قضايا: توفير فرص العمل، والخدمات، والأمن.
وهاجم المنتقدون ائتلاف وحدات الحشد الشعبي، واصفين إياه بأنَّه حزبٌ طائفي تأسَّس في وقتٍ ينبغي فيه للحكومة التالية تعزيز التماسك الوطني في العراق.
وردَّت وحدات الحشد الشعبي بأنَّ 25% من أعضائها هم من السنة، واستخدمت مواقعها الإلكترونية لتوضيح أنَّ وحداتها المقاتلة تضم فرقاً هندسية عملت على مشروعاتٍ لتطوير البنية التحتية.
وفي استطلاع الرأي، قال 70% من المشاركين، إنَّهم يثقون في ائتلاف وحدات الحشد الشعبي وقائده العامري، الذي يحظى بمعدل شعبية يصل إلى 60%، تجعله الثالث من بين القادة العراقيين بعد العبادي 79%، والصدر 66%.
لكن من المعتاد أن يحظى شاغل المنصب الحالي بأفضليةٍ على منافسيه، حين يترشح لمنصبه مرةً أخرى.
وتشير أرقام استطلاعات الرأي إلى أنَّه لا ائتلاف من بين هذه الائتلافات يمكنه حشد ما يكفي من الأصوات، لتشكيل أغلبية في البرلمان، ما سيعني أنَّه ستكون هناك الكثير من المفاوضات والتحالفات بعد انتهاء التصويت، وأيضاً فيما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء.
السُّنة يخشون العامري ويفضلون العبادي.. ولكن لدى الأكراد الأمر مختلف
إن تمكّن ائتلاف العبادي من التفاوض على استمرار رئيس الوزراء الحالي في منصبه لفترةٍ ثانية، ربما تكون تلك نتيجةً مرضية للعرب السنة، الذين يرونه أقل طائفية، لكنَّها ربما تُزعِج الأكراد الذين يعارضون موقفه الرافض لاستقلالهم.
إذ تظهر أكبر شعبية للعبادي في المناطق المحرَّرة من داعش، وهي في أغلبها مناطق سنية، حيث تُقارب الـ90%، ولكنها تتراجع في المناطق الكردية، ولكنها تقارب الـ70%.
أما إن أصبح العامري رئيس الوزراء الجديد كقائد أكبر التحالفات، فستُزعِج هذه النتيجة العرب السُّنة الذين يرونه طائفياً متعصباً.
وبينما يحظى مقتدى الصدر بمعدل شعبية يصل إلى 66%، أي الثاني بعد العبادي ، فإنَّه لم يُشِر مطلقاً إلى رغبته في الترشح لمنصبٍ سياسي. ولكنَّ التحالف بين الصدريين والشيوعيين يستطيع مع ذلك أن يُغلِّب كفة أحد الائتلافين على الآخر، ويصل بقائده (العبادي أو العامري ) إلى المنصب.
لكن الانسجام السياسي سيكون الأولوية الإجبارية
أخيراً، يجب أن تأخذ المفاوضات بعد الانتخابات في اعتبارها الدور الإيراني، الذي سيكون عاملاً مؤثراً خلال هذه العملية.
ستفضل إيران العامري على العبادي، نظراً للعلاقات الوثيقة بين الأول وطهران، بينما يحاول العبادي الموازنة بين علاقات العراق الخارجية مع السعودية والولايات المتحدة، خصوم إيران في المنطقة.
وبغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات، تشير الانقسامات داخل النخبة السياسية الشيعية إلى أنَّ عملية تشكيل الحكومة ستكون طويلة وشاقة، بناءً على سوابق ماضية. فبعد 2010 و2014، استغرق تشكيل مجلس الوزراء عدة أشهر، ولم يكن موجوداً حينها سوى حزبين شيعيين مهيمنين أو ثلاثة.
وهذا سيناريو مُقلق، إذ تحتاج الحكومة العراقية القادمة إلى تعزيز الانسجام السياسي، وقدرة الدولة على مواجهة القضايا الحرجة، مثل نزوح السكان داخلياً والبطالة والأزمة البيئية، وهي معضلات الأمن الإنساني التي خلقت الظروف الكامنة التي دفعت العراقيين المغتربين إلى الانضمام إلى جماعاتٍ متطرفة مثل داعش في المقام الأول.