وسط الرمال القاحلة في قلب سوريا، تمتد أكبر قاعدة جوية بالبلاد لمسافة 8 كيلومترات فوق عددٍ من المناطق. قاعدة التيفور هي عبارة عن حصنٍ مُحاط بمئات الكيلومترات من رمال الصحراء، وتتكون من العشرات من حظائر الطائرات المحصنة، التي تُخفي المقاتلات الروسية وقاذفات سوخوي التي تطير بسرعةٍ أكبر من سرعة الصوت.
وعلى مدار 7 سنوات من الصراع، اسودّ مدرج التيفور بآثار إطارات الطائرات المطاطية العائدة من غارات الحرب المدمرة بين قوات نظام الأسد والمعارضة السورية التي فشلت في إطاحته، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وحماها موقعها النائي والتحصينات السوفييتية من الكثير من العنف الذي خلف الدمار في جميع أنحاء سوريا، على الرغم من أنَّها ما زالت تحمل ندبات الهجوم المدفعي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عام 2016، الذي دمرَّ 4 مروحيات قتالية.
محور الحرب بين إسرائيل وإيران
واليوم، تعد القاعدة محوراً لحربٍ ضروس مدمرة محتملة، ولكنَّها ليست بين النظام السوري وخصومه المحليين؛ بل بين اثنين من أكبر خصوم المنطقة: وهما إسرائيل وإيران.
رسخت إيران وجودها العسكري داخل حدود حليفها العربي في قاعدة التيفور. وتُقلِع الطائرات الإيرانية من دون طيار من القاعدة لتُحلّق فوق سوريا، بحسب مسؤولين إسرائيلين.
وتُظهر صور القمر الاصطناعي التي التُقِطَت في أبريل/نيسان 2018 وحصلت عليها صحيفة The Guardian البريطانية، ما يُعتَقَد أنَّه بقايا هجوم إسرائيلي على القوات الإيرانية المتمركزة داخل القاعدة، ما يُعد دليلاً على مواجهةٍ مباشرة بين البلدين.
التُقِطَت الصور بعد مرور 48 ساعة من تصريحات روسيا وسوريا بوقوع هجوم لطائرات "إف-15" الإسرائيلية على قاعدة التيفور، وتُظهر ما يبدو أنَّه الجانب الأمامي المُدمَّر لحظيرة طائرات معدنية. وقُتِلَ 7 عسكريين إيرانيين جرّاء ذلك الهجوم، بحسب وكالة Tasnim الإيرانية للأنباء، التي نشرت أيضاً صوراً التُقِطَت من على الأرض لما يبدو أنَّه أبواب الحظيرة البيضاء بعد أن مزقتها الشظايا.
وكانت القوات الإسرائيلية قد نشرت من قبل صورةً جوية لطائرةٍ من دون طيار داخل التيفور تُغادر الحظيرة الشرقية نفسها، مما يشير إلى أنَّ البناء كان يستخدم لصالح عمليات الطائرات من دون طيار الإيرانية.
ويقول عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، للصحيفة البريطانية: "لقد ارتفعت فرص التصعيد إلى صراعٍ عسكري واسع النطاق بسوريا، أكثر من أي وقتٍ مضى. ولا شك في أنَّ إيران تخطط الآن لحاجتها إلى الرد من جانبها. علينا أن ننتظر".
نتنياهو.. وتشويه سمعة إيران
وبحسب الصحيفة البريطانية، سعى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، دائماً إلى تشويه سمعة طهران، التي يصفها بـ"النظام الإرهابي". وفي إعلانه الإثنين 30 أبريل/نيسان 2018، زعم نتنياهو أنَّ المخابرات الإسرائيلية كشفت كذب الحكومة الإيرانية بشأن برنامجها النووي، وأنَّها ما زالت مستمرة في أبحاثها النووية بعد الاتفاق النووي عام 2015. جاء إعلان نتنياهو، قبل أسبوعين فقط من موعد اتخاذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القرار بشأن استمرار الولايات المتحدة في الالتزام باتفاق 2015، وذلك بالتنازل عن عقوبات الولايات المتحدة الأميركية على إيران، ولكنَّ إعلانه لم يأتِ بأي دليلٍ على خرق إيران الاتفاق منذ تفعيله.
نفذت إسرائيل نحو 100 هجوم عبر الحدود منذ بداية التصعيد في سوريا عام 2011، استهدفت فيها دوماً وكلاء إيران، بما في ذلك شحنات الأسلحة إلى حزب الله.
ولكن الإجماع داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية هو أنَّ الحرس الثوري الإيراني مكلَّفٌ الآن بشن هجومٍ انتقامي. وحذرت إيران وحلفاؤها علانيةً بالفعل من التصعيد.
وقال حسن نصر الله، زعيم حزب الله، إنَّ الهجوم الجوي على التيفور "خطأٌ تاريخي"، ويورط إسرائيل في "مواجهةٍ مباشرة" مع إيران. وأضاف: "لم يسبق أن حدث هذا طوال 7 سنوات، أن تستهدف إسرائيل الحرس الثوري الإيراني مباشرةً".
وحذَّر علي شيرازي، ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، من التصعيد، وقال: "إذا أرادت إسرائيل مواصلة وجودها الغادر، فعليها أن تتجنب القرارات الغبية"، بحسب وكالة أنباء Fars الإيرانية. وأضاف: "تستطيع إيران تدمير إسرائيل"، بحسب الصحيفة البريطانية.
من وجهة نظر إسرائيل، ازداد دعم القوات الإيرانية لسوريا في أثناء الحرب ليشمل كمياتٍ كبيرة من الأسلحة، التي تصل أحياناً في صورة مساعداتٍ إنسانية كتمويه، بالإضافة إلى القوات المقاتلة. ومنذ 2015، استُخدِمَت طائرات الشحنات العسكرية -التي تحمل علاماتٍ لتبدو كطائراتٍ مدنية- بانتظام لنقل موظفين من مطار مهرآباد في العاصمة الإيرانية طهران. وأُحضِرَت أيضاً أنظمة أسلحة متقدمة، بما في ذلك الطائرات دون طيار.
أين تتمركز القوات الإيرانية في سوريا؟
وتمركز فنيو الطائرات من دون طيار الإيرانيون داخل مطار دمشق الدولي، ولكنَّهم انتقلوا تدريجياً إلى القواعد الموجودة في أنحاء البلاد. ويُعتقد أنَّ هذه القوات تعمل من دمشق، وحلب، ومطار صيقل بالقرب من العاصمة، وقاعدة دير الزور الشرقية، وقاعدة التيفور الشهيرة.
وقال علي الفونه، وهو باحث لدى المجلس الأطلسي يتتبع وجود إيران في سوريا: "بادئ ذي بدء، كان يقتصر هدف طهران على إبقاء نظام الأسد في السلطة، وتأمين الممر البري من إيران إلى لبنان".
وأضاف: "ومع ذلك، ببلوغ تلك الأهداف، تدرس طهران كيفية الحفاظ على صراعٍ أقل حدة مع إسرائيل، بهدف إبقاء إسرائيل مشغولةً، ورفع تكلفة الهجمات الإسرائيلية المحتملة ضد إيران في المستقبل".
ونفى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، تشغيل إيران طائراتٍ دون طيار داخل البلاد، وقال إنَّ التيفور ليست قاعدةً إيرانية. ومع ذلك، أكد مصدر عسكري إسرائيلي أنَّه ما زالت توجد طائرات دون طيار داخل القاعدة، قائلاً: "نحن متأكدون من وجود طائرات دون طيار إيرانية داخل قاعدة التيفور"، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويعد هجوم أبريل/نيسان 2018 على التيفور هو الثاني من نوعه من قبل إسرائيل.
ففي فبراير/شباط 2018، أسقطت إسرائيل طائرةً أخرى من دون طيار إيرانية، صرَّحت فيما بعد بأنَّها كانت محمَّلة بالقنابل. وبخرق المجال الجوي الإسرائيلي، مثلت الطائرة من دون طيار أول محاولة إيرانية للتحرك مباشرةً ضد خصمها الأزلي، الذي ردَّ على الفور، وشن هجوماً على التيفور، كما تقول الصحيفة البريطانية.
هجوم وقائي أم رد فعل؟
وعكس هجوم فبراير/شباط 2018، كان هجوم أبريل/نيسان 2018 وقائياً أكثر منه رد فعل. وفي لعبةٍ تقوم على مبدأ "العين بالعين"، من المتوقع أن تقوم إيران بالحركة التالية.
وفيما وُصف بمحاولةٍ لدرء إيران عن أي خطوة انتقامية قد تخطط لها، عُرِضَت في الشهر الماضي (أبريل/نيسان 2018) صورٌ بالأبيض والأسود للقواعد السورية التي تتمركز فيها القوات الإيرانية، في الصحافة الإسرائيلية والأجنبية.
ووفقًا للمراسل العسكري لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، فإنَّ الرسالة لإيران واضحة: "قواتكم مكشوفة تماماً للاستخبارات الإسرائيلية، وبذلك فأنتم معرَّضون لهجماتٍ أخرى".
وليس واضحاً ما إذا كان هذا التكتيك قد نجح في ردع إيران؛ إذ أثار هجومٌ صاروخي مساء الأحد 29 أبريل/نيسان 2018 -لم تعلق عليه إسرائيل، ولكن يُعتقد أنَّه استهدف مستودعاً لصواريخ أرض/أرض تتمركز فيه القوات الإيرانية- المخاوف من رد فعلٍ عنيف، بحسب الصحيفة البريطانية.
خنق إسرائيل
قيام الجيش الإيراني بعملياتٍ عسكرية على أرض دولة تشترك مع إسرائيل في حدودها يمثل "خنقاً" لإسرائيل، بحسب تعبير أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي.
وعلى هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 من سوريا وما زالت تسيطر عليها، بدأت القوات الإسرائيلية في الاستعداد لحربٍ واسعة بين الدولتين، وهو الوضع الذي لم يتعرض له البلد الصغير منذ عقود، بحسب الصحيفة البريطانية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، يُعد الهجوم البري الإيراني أمراً بعيد الاحتمال، إضافةً إلى أنَّ الحدود تسيطر عليها المعارضة المناهضة لإيران، وليس قوات حليفة. ولهذا يعتقد البعض أنَّ القيادة الإسرائيلية تبالغ في تقدير الخطر.
حتى في الوقت الذي تحوم فيه مروحيتان إسرائيليتان فوقه، نفى عساف مندل (45 عاماً)، الذي سافر إلى الجولان مع زوجته وطفليه، وجود أي تهديدٍ مباشر للحرب مع إيران. وقال إنَّه أمرٌ لا يصدَّق.
وأضاف: "الحكومة تخيف الناس. وجود إيران داخل سوريا أمرٌ سيئ، ولكنَّنا نملك جيشاً قوياً".