من لندن إلى مستشفى الأمل في حلب: السوري عماد يحول أرباح مطعمه الشهير إلى سوريا ويغير نظرة الأوروبيين إلى اللاجئ

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/30 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/30 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش

رائحة الكمون والنعناع تذكره بالرائحة الزكية المنبعثة من أفنية البيوت الكبيرة في العاصمة السورية دمشق التي لطالما غطتها زهور الياسمين وأشجار الفاكهة وغمرتها أشعة الشمس الدافئة.

فيما مضى، كان عماد الأرنب من بين أشهر طهاة العاصمة السورية، وكانت مطاعمه تحظى بشعبية واسعة طوال العام وتشتهر بتقديم حصص سخية من الطعام وجوٍّ من الألفة والحميمية لا ينغصه شيء، وفقاً لما جاء بصحيفة The Guardian البريطانية.

إلى أن اندلعت الحرب في سوريا، وحلت المأساة والخسارة بعماد؛ إذ تعرض اثنان من مطاعمه للقصف أثناء الحرب، وبدا أن الرجل فقد كل شيء إلا شيئاً واحداً، احتفظ به رغم المأساة.

54 فرداً على قارب يتسع لـ9 أشخاص

في يوليو/تموز عام 2015، غادر عماد دمشق ليلاً وانطلق في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر إلى إنكلترا بحثاً عن حياةٍ أكثر أماناً له ولأسرته.

انطلق عماد بسيارته إلى لبنان، ثم سافر بالطائرة إلى تركيا، ومنها استقل قارباً إلى اليونان -وتحدَّث عن ذلك قائلاً: "كنَّا 54 فرداً على متن قارب يتسع لـ9 أفراد فقط"- ومن اليونان، ارتحل سيراً على الأقدام إلى مقدونيا، ثم إلى صربيا، ومنها إلى المجر.

بعد ذلك، قضى 64 يوماً في بلدة كاليه بشمال فرنسا، وكان يبيت الليل على أبواب إحدى كنائس البلدة مع 13 سورياً آخر.

وحين وصل عماد إلى المملكة المتحدة، عمل فيها موظفاً للمبيعات في أحد معارض السيارات. لكنَّه سرعان ما عاد إلى العمل الذي يشغف به بمساعدة عدد من الجمعيات الخيرية.

فقد افتتح سلسلة من المطاعم المؤقتة المتواضعة في قلب العاصمة البريطانية لندن تكتظ بالزبائن كل ليلة؛ حتى أنَّ آخر مطاعمه، الذي أطلق عليه Imad's Choose Love Kitchen، قد مدَّ فترة عمله منذ فترة وجيزة حتى نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل على أقل تقدير بسبب طلب الجماهير.

قصة المستشفى الذي تذهب إليه أرباح المطعم

 يقع مطعم Imad's Choose Love Kitchen قريباً من سوق الزهور في شارع كولومبيا بحي بيثنال غرين في العاصمة الإنكليزية لندن. ويجذب المطعم زبائنه بدعوتهم إلى "تجربة المذاق السوري الحقيقي".

لكن هذه المرة، فبدلاً من أن يحتفظ عماد بأرباح المطعم لنفسه، قرر أن يخصصها لمساعدة من يعيشون أوضاعاً عصيبة في بلاده. لذلك، فإن جميع أرباح المطعم تذهب لتمويل مستشفى الأمل، وهو مستشفى أنقذ حياة عشرات الآلاف من سكان حلب.

مستشفى الأمل كان أول مستشفى يُبنى بالتمويل الجماعي في مطلع عام 2016. ويوفِّر المستشفى حضانات لحديثي الولادة، وعلاجاً للنساء الحوامل، ورعاية ما بعد الولادة، فضلاً عن إجراء العمليات الجراحية لإنقاذ حياة المصابين في الصراع الذي تدور رحاه منذ سبع سنوات.

وهو المستشفى الوحيد في منطقة حلب السورية بأسرها، ويقدم المستشفى خدماته لأكثر من 250 ألف شخص. وبفضل جهود عماد وغيره من المتبرعين، سيظل المستشفى مفتوحاً شهراً آخر على الأقل، وفقاً لمنظمة Help Refugees البريطانية غير الحكومية.

عندما غير الطعام نظرتهم للاجئين

لاشك أن الطعام يمثّل جزءاً كبيراً من الثقافة السورية، هكذا يقول عماد لصحيفة The Guardian؛ مضيفاً: فالمرء لا يستطيع التخطيط للمستقبل دون طعام.

الطعام هو ما يقرِّب الناس من بعضهم ويلم شملهم: فعندما كنّا في بلدة كاليه، لم يكن سكَّان منطقة الكنيسة التي كنَّا نبيت على أبوابها مرتاحين لوجودنا هناك، وأنا أتفهم موقفهم هذا تماماً، لكننا كنَّا 14 سورياً يائساً لا يوجد أمامهم حل آخر. وبمرور الوقت، قررنا أن نطهو الطعام ونقدِّمه لجميع جيراننا".

لم يكن عماد ورفاقه المرتحلين في بلدة كاليه الفرنسية يملكون سوى كرسي صغير للنزهات ووعاء واحد وشوكة واحدة، لكن هذا هو كل ما كانوا يحتاجونه لتقديم الطعام لما يصل إلى 50 شخصاً.

وقال عماد: "في بداية الأمر، كان لدينا جار صعب المراس حقاً. ذلك الجار كان يصرخ بوجهنا قائلاً: "اغربوا عن وجهنا! عودوا إلى بلادكم!".

وفي يوم من الأيام، ذهبنا جميعاً للصيد، وحين عدنا بما اصطدنا، قدمت له سمكاً وقلت له: "أعلم أنك متضايق بشدة من وجودنا، ولديك كل الحق في ذلك، لكن هلا تتجاوز عن كل ذلك وتجرِّب هذه السمكة من فضلك".

فردَّ عليَّه الجار قائلاً: "أنا لا أقبل الصدقة من أحد، لذا يجب أن أعطيك ثمنها"، فقال له عماد: "هذا غير ممكن. لكن إذا أردت أن ترد لي الجميل، فمن فضلك اشحن لي هاتفي.

ويضيف "سرعان ما أصبح يشحن لنا جميع هواتفنا في منزله لمدة ساعتين كل يوم".

وتعقيباً على فترة إقامته في بلدة كاليه الفرنسية، قال عماد إنَّه تعرَّف على بعضٍ من أعزِّ أصدقائه هناك، إذ قال: "كانوا يزوروننا للاطمئنان علينا، ويسألوننا إن كنَّا نحتاج إلى أي شيء.

يقول "أحد أعزِّ أصدقائي الآن كان يزورنا كل صباح حاملاً إلينا الشاي، وكان يترك لنا ورقة صغيرة يكتب عليها "صباح الخير، أحبكم جميعاً" مع رسمة وجهٍ مبتسم. مثل هذه اللفتة الطيبة هي ما كان يمنحنا الأمل ويذكرنا بأن الإنسانية ما زالت موجودة بين الناس".

ما دور والدته في هذا النجاح؟

يقدم مطعم Imad's Choose Love Kitchen وجبات سورية تقليدية من ثلاثة أطباق، وجميع العاملين به من المتطوعين التابعين لمنظمة Help Refugees البريطانية. كذلك، فإن جميع المأكولات التي يقدمها المطعم هي مأكولات اعتادت والدة عماد أن تطهوها له في سوريا.

قال عماد معلقاً على ذلك: "أمي كانت أفضل طاهية على الإطلاق: أتذكر أن الجميع كانوا يثنون على طعامها ويطلبون منها أن تعلّمهم وصفاتها".

توفيت والدة عماد بعد وصوله إلى إنكلترا بأقل من شهرين. وقال عماد: "أعتقد أن أمي كانت لتفتخر بي بشدة، فقد كانت تقول دائماً إن المرء هو من يصنع المال، وليس المال هو من يصنعه.

لطالما كانت أمي على يقينٍ من أنني حتى لو خسرت كل شيء، فإنني قادر على أن أبني حياتي من الصفر ثانيةً. الخسارة الحقيقية الوحيدة هي خسارة شخص عظيم مثلها".

تجربة ساحرة في خضم الفوضى 

عماد يجلب لك عشاء سورياً حميماً ولذيذاً في شارع كولومبيا في لندن، بعد النجاح الذي حققه مطعم سوهو بهذه الكلمات، تشجع منظمة Help Refugees البريطانيين على ارتياد المطعم.

والتذاكر قيمتها 40 جنيهاً إسترلينياً، بما في ذلك تبرع بقيمة 15 جنيهاً إلى مستشفى الأمل، حسب موقع المنظمة، الذي يعد بأن يكون تجربة طعام فريدة وساحرة.

وعن سبب مساعدة منظمة Help Refugees عماد في افتتاح مطعمه، قالت جوزي نوتن المديرة التنفيذية للمنظمة بأنَّ غرضهم من ذلك هو خلق شيء إيجابي في خضم الفوضى التي عمَّت الشرق والغرب دون تفرقة.

وأضافت جوزي: "لقد كانت حملات القصف الأخيرة التي شهدتها سوريا غايةً في الفظاعة. لذلك، كُنَّا مفعمين بالرغبة في تقديم يد العون بأي وسيلة. من هنا، جاءتنا فكرة إنشاء مكان يتيح لعامة الشعب البريطاني رؤية أن اللاجئين يساهمون في ثقافة بريطانيا ويقدمون للناس طريقة عمليةٍ بسيطة لمساعدة من هم في أمسِّ الحاجة إلى المساعدة".

صحيحٌ أن عماد كان "سعيداً للغاية بالعودة إلى الطهي عبر هذه التجربة"، بيد أنَّه قال إنَّ راحته الحقيقية هي حين يغادر الزبائن مطعمه قائلين: "عجباً! هذه ألذ فلافل أكلتها على الإطلاق!" أو حين يسألونه عن سر مذاق طعامه الرائع قائلين: "قل لي يا عماد، كيف أعددت طبق الحُمّص هذا؟".

 

علامات:
تحميل المزيد