بوتين الساحر، تخلص ممن نشر أسراره، فٌرضت عقوبات على البلاد بسببه، لكن لهذه الأسباب لن ينقلب الروس ضده!

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/29 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/30 الساعة 07:28 بتوقيت غرينتش

كان يفغيني غوروف يتكئ على سيارته كرزية اللون من طراز لادا وقت غروب الشمس فوق منحدرات الأورال، بينما يقول إنه يعرف لماذا فَرَضَت الولايات المتحدة عقوباتٍ على صاحب العمل الذي يشتغل لديه في مصنع ألومنيوم الموجود خلفه يعود إلى عهد ستالين.

قال غوروف، الذي يعمل سائقاً في المصنع: "يريدون من الناس أن يثوروا. لكن هؤلاء الأغبياء لا يفهمون أنهم كلَّما ضغطوا على الروسيين، تعزَّزَت وحدتهم سوياً".

وتُؤثِّر المواجهة بين الكرملين والغرب بصورةٍ متزايدة على الروسيين العاديين. لكن قليلاً منهم من يلوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على معاناتهم.

حتى أن عدداً أقل منهم، إلى الآن، مستعدٌ لتحمُّلِ مخاطر محاولة القيام بأي شيءٍ حيال ذلك.

بعد قيادةٍ لمدة ساعتين على طريقٍ وعر من مصنع الألومنيوم، يمر بغابةٍ من أشجار البتولا، وصولاً إلى مقبرةٍ بها قبران محفوران حديثاً.

المقاتلون المدفونون تحت أكاليل الزهور الاصطناعية المُلوَّنة لقوا حتفهم في الصدام الذي وَقَعَ في فبراير/شباط الماضي مع القوات الأميركية في سوريا، ذلك الصدام الذي لم تقل وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة شيئاً عنه. وبعد مرورِ أكثر من أسبوع على ما كَشَفَ عنه مايك بومبيو، المُرشَّح آنذاك لتولي منصب وزير الخارجية الأميركي، أن "مائتي روسي" قُتِلوا في ذلك الحادث، يظل كل شيءٍ هادئاً في مدينة أسبيست الروسية.

لن يكون هناك معنى للاحتجاج

قالت كاتيا، وهي صاحبة متجر تعرف أحد المُتعاقِدين العسكريين الذي لقوا حتفهم، وكانت قد صوَّتَت ضد بوتين في انتخابات الشهر الماضي مارس/آذار: "لن يكون ثمة احتجاجٌ ضد سوريا أو ضد موسكو". وأضافت، بينما لم تكشف إلا عن اسمها الأول: "لن يكون أي معنى لذلك.. لدينا مشكلاتنا الخاصة، لدينا همومنا الخاصة".

ومع استمرار بوتين في دحرِ الديمقراطية، واتجاه روسيا نحو حربٍ باردةٍ جديدة، يشعر القلب الصناعي في البلاد، الذي يقبع في منطقة الأورال، بالعواقب – التي قد تزداد.

وتعود ملكية على الأقل ستة مصانع هنا إلى أوليغ ديريباسكا، وهو حليفٌ لبوتين ضربته العقوبات مؤخراً. وتعيش مدينةٌ كاملةٌ على مبيعات التيتانيوم إلى شركة بوينغ الأميركية متعددة الجنسيات لصناعة الطائرات.

ويقول عمدة مدينة إيكاترينبرغ، وهي أكبر مدن جبال الأورال، إن المنطقة تعتمد على العلاقة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، لكن الكثير من ناخبيه في حالةٍ من الإنكار.

وقال العمدة يفغيني رويزمان في حوارٍ أُجرِيَ معه: "مشكلةٌ كبيرةٌ تتمثَّل في أن ليس الجميع يدركون السبب والنتيجة". وأضاف: "الأمور الأكثر أساسيةً – السياسة الخارجية ومستوى المعيشة اليوم – لا يعرف عنها إلا القليل من الناس".

وقال رويزمان إن مديراً تنفيذياً لأحد الشركات اشتكى له مؤخراً من أن تجارته والطلب عليها قد انخفضا. وأضاف المدير التنفيذي أن النقطة المضيئة الوحيدة كانت هي سياسات بوتين الخارجية: "لأننا أظهرنا الجميع في النهاية".

ستار حديدي بين روسيا والغرب

ولا تزال الحياة جارية حتى مع أن الطرفين يتحدَّثان عن ستارٍ حديدي جديد يُشيَّد بين روسيا والغرب. وقد نشر الكرملين الاحتياطات المالية لروسيا من أجل تخفيف التأثير على الناس العاديين، وتساعد في ذلك أسعار النفط المرتفعة. وقال مسؤولون روس إنهم مستعدون للتدخُّل لمساعدة الشركات التي تضرَّرَت بفعلِ العقوبات الأميركية الأخيرة.

ويبدو أن الصوت الناقد الأبرز في المنطقة سوف يفقد منبره قريباً، إذ سوف يغادر رويزمان، المسؤول الروسي المُنتَخَب الأشهر الذي ينتقد بوتين، منصبه في سبتمبر/أيلول المقبل بعد أن ألغى سياسيون مؤيدون لبوتين مؤخراً انتخابات العمودية في المدينة.

وقال كونستانتين كيسيلييف، وهو باحث  سياسي ينتقد بوتين، إن "قدرة الناس على الاعتياد على الأشياء، وعلى التكيُّف، عاليةٌ للغاية". وتابَعَ: "ليس هناك حراكٌ في الشارع إلا قليلاً".

وقال فقط 6% من الروس لمركز ليفادا، وهو مركزٌ مستقل لاستطلاعات الرأي، الشهر الماضي مارس/آذار، إنهم سيشاركون في الاحتجاجات السياسية إذا حدثت بالفعل – وهي في أدنى مستوياتها على الأقل منذ العام 2010. وإلى حين وقوع الاحتجاجات، فإنهم يناشدون السلطات لإصلاح مشكلاتٍ معينة، مثل مَكَبَّات القمامة كريهة الرائحة. وعلى النقيض، أطاحت احتجاجات الشوارع في جمهورية أرمينيا، السوفيتية سابقاً، برئيس الوزراء، يوم الإثنين 23 أبريل/نيسان.

وقال دينيس فولكوف، من مركز ليفادا: "لا أستبعد احتمالية اندلاع أية احتجاجات. لكنها ستتركَّز على مشكلاتٍ محلية".

يرفضون التهم على رئيسهم

وأفضت بعض الاحتجاجات المحلية إلى عددٍ من النتائج، مثل تدفُّق الغضب الشعبي إزاء حريق مركزٍ تجاري أودى بحياةِ 60 شخصاً في مارس/آذار الماضي في مدينة كيميروفو، ما أدَّى إلى إقالة الحاكم المحلي. لكن بوتين يُنظَر إليه في هذه الاحتجاجات المحلية على أنه شخصٌ يمكنه مساعدة الناس على حلِّ مشكلاتهم، وليس باعتباره سبباً لها.

بينما على صعيد قضايا السياسة الخارجية التي كثيراً ما تتصدَّر العناوين الرئيسية في الغرب – من الجغرافيا السياسية إلى تدخُّلات الكرملين بالخارج – فإن الروس يقفون إلى حدٍّ كبير إلى جانب بوتين.

وحتى برغم أن المواقع الإخبارية الناقدة مُتاحةٌ بحريةٍ في روسيا، والإنترنت يغزو أقاصي البلاد، لا يزال التلفزيون المملوك للدولة بنفس التأثير الآن كما كان منذ خمس سنوات. وفي استطلاعٍ أُجرِيَ الشهر الماضي، أخبر 85% من الروس مركز ليفادا أن التلفزيون كان واحداً من مصادر الأخبار الرئيسية بالنسبةِ لهم، مقارنةً بـ27% ذكروا الإنترنت – وهو تغيُّرٌ بسيطٌ عن العام 2013.

ويرفض العديد من الروس الاتهامات المُوجَّهة ضد رئيسهم ويرونها ذرائع كاذبة لفرض عقوباتٍ جديدة. وتصف النشرات الإخبارية تسميم العميل الروسي السابق المزدوج، سيرجي سكريبال، في إنكلترا، بأنه خدعةٌ فادحةٌ أعدَّتها أجهزة مخابرات غربية للإضرار بروسيا. وقال 9% فقط من الروس لمركز ليفادا إنهم يعتقدون أن بلدهم وراء واقعة التسميم.

وقد يعتقد مسؤولون غربيون أن العقوبات تبعث رسالةً واضحةً، لكن بالنسبة للروس فإن العقوبات "يمكن ترجمتها للجميع كما يلي: يريدون الاستيلاء على ثرواتنا. يريدون أن نركع لهم"، على حدِّ قول رويزمان، الذي أضاف: "هذه محادثةٌ تجري بلغاتٍ مختلفة".

هذا هو مصير الصحفيين الروس الذي يُسائلون الكرملين

وأنزَلَت تداعيات مغامرات بوتين الخارجية ضربةً في الداخل الروسي في فبراير/شباط الماضي، حين ظهرت تقارير على الشبكات الاجتماعية تفيد بأن مُتعاقِدين عسكريين روساً شاركوا في هجومٍ للنظام السوري ولقوا حتفهم في اشتباكٍ مع القوات الأميركية. وأكَّدَت مواقع إخبارية محلية في إيكاترينبرغ أن اثنين من القتلى جاءا من بلدة أسبيست المُجاوِرة.

وذكرت صحيفة The Washington Post الأميركية أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن قوةً من المُرتَزَقة يديرها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين كانت وراء الهجوم الذي يبدو أنه نسَّقَه مع الكرملين.

ولم يقل الإعلام المملوك للدولة إلا القليل عن الواقعة. أما ديمتري كوليزيف، نائب رئيس تحرير موقع Zank الإخباري، الذي نقل أنباء القتلى، فقال إن القصة جذبت اهتمام القراء في جميع أنحاء البلاد، لكنها أسفرت عن ضجةٍ محليةٍ محدودة. وفسَّرَ الصمت النسبي بالإشارة إلى هيمنة إعلام الدولة، وقال إن "الناس اعتادوا على الحرب" بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية.

وقال كوليزيف: "الآن، ببساطة وببطء، حلَّت حربٌ محلَّ أخرى". وأضاف: "بالطبع هناك بعض الصحفيين الليبراليين مثلنا يحسبون كل هذه التكاليف.. لكن صوتنا خافتٌ للغاية في سياق الصمت المُطبِق لإعلام الدولة وتمجيد كل هذه الأعمال العسكرية".

ولقى صحفيٌ آخر من إيكاترينبرغ، كان يكتب عن القتلى الروس في سوريا، وهو مكسيم بورودين، حتفه هذا الشهر جرَّاء سقوطه من شرفة منزله. وعلَّقَت المُتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت على ذلك على حسابها على موقع تويتر، قائلةً: "هذا هو مصير الصحفيين الروس الذي يُسائلون الكرملين". وقال رويزمان إنه يعتقد أن وفاة بورودين لا علاقة له بعمله كصحفي. وقالت بولينا روميانتسيفا، رئيسة تحرير الصحيفة التي كان بورودين يكتب فيها، Novy Den، إن الصحيفة أجرت تحقيقها الخاص ولم تعثر على دليلٍ على جريمة. وقال مُمَثِّلٌ للجنة التحقيق المحلية إن التحقيق الرسمي لا يزال جارياً.

لم يبق لهم غير المتقاعدين

وفي مدينة كامينسك-أورالسكي، حيث يستعد السُكَّان لأن تضرب العقوبات الأميركية مصنع الألومنيوم بالمدينة، قال سكرتير الحزب الشيوعي بالمدينة، بوريس إيدياتولين(24 عاماً)، إنه لم ينجح إلا في تحفيز المُتقاعِدين – الذين هم أقل من يخسرون في هذه الأزمة – للاحتجاج. وقال إيدياتولين، الذي يعمل في مركزٍ ثقافي، إن الظروف لابد أن تتدهور إلى درجة "ألا يكون لدى الناس أموالٌ حقاً"، من أجل أن تسعى شريحةٌ أكبر من السُكَّان للتغيير السياسي.

وقال ميخائيل أخيموف، زميل إيدياتولين، إنه يلقي باللوم على سياسة بوتين الخارجية في العقوبات ضد روسيا، التي يقول إنها أدَّت إلى ارتفاعٍ في الأسعار. لكن أخيموف، البالغ من العمر 35 عاماً، يقول إنه، بعد مقاطعة الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، ليس مهتماً بمحاولة أن يُسمَع صوته.

وقال: "هناك أشخاصٌ في الحكومة أعطيناهم السلطة. أعتقد أنهم سيقتنعون".

تحميل المزيد