عودة حفتر من “الموت” تنقذ أنصاره من الصراع.. لماذا لم يضع حداً للشائعات خلال فترة اختفائه؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/27 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/27 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش

 

عاد الرجل الأول في إقليم برقة من جديد إلى بنغازي بعد غياب دام لأسبوعين، كان قد قضّاهما في باريس، فيما أثار الصمت الإعلامي حيال غيابه المخاوف داخل معسكره.

تسببت إقامة حفتر في المستشفى، والصمت الذي رافق ذلك، على امتداد قرابة 15 يوماً في إثارة القلق في ليبيا، خاصة مع انتشار شائعات حول من سيخلفه. وفي 26 أبريل/نيسان، عاد المشير حفتر، الرجل الأول في برقة وقائد الجيش الوطني الليبي، من جديد إلى بنغازي، التي جعل منها معقلاً له.

 ودخل حفتر للمستشفى في 11 أبريل/نيسان في باريس بعد تعرضه لمشاكل صحية على مستوى القلب.

تم استقبال المشير حفتر، البالغ من العمر 75 سنة، والمحرك الرئيسي لجهود البحث عن تسوية للأزمة الليبية، من قبل جنرالات في الجيش الوطني الليبي على مدرج مطار بنغازي. وقد تزامن ذلك مع استعداد أنصاره للاحتفال بالذكرى الرابعة لحملة "الكرامة" العسكرية التي انطلقت في ربيع سنة 2014 ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في الإقليم.  

سيناريو تشويقي

 تقول صحيفة Le Monde الفرنسية إن  حفتر ظهر مرتدياً بدلة وربطة عنق سوداء اللون، حيث كان مبتسماً وبدا بصحة جيدة، لينفي التخمينات التي اعتبرته ميتاً، أو تلك التي تحدثت عن أنه أصبح عاجزاً. وقد ساهم "الغياب المقصود" لأي صورة أو فيديو يثبت تعافيه من المرض الذي ألمّ به، في انتشار المعلومات الزائفة.

في المقابل، ساهمت عودة المشير إلى بنغازي في وضع حد للاضطراب الذي هزّ صفوف المحيطين به على وقع فرضية الدخول في أزمة تتعلق بخلافة حفتر.

وقد بدا خطر الفراغ في السلطة الذي خلفه غياب حفتر جلياً حين تعرّض رئيس أركان الجيش الوطني الليبي، عبد الرزاق الناظوري، إلى محاولة اغتيال من خلال تفجير سيارة مفخخة في 18 أبريل /نيسان، التي نجا منها الناظوري. كما أن القلق من نشوب صراع داخلي بدا واضحاً على الهيئات الدبلوماسية وخاصة منها الغربية.

وبشخصيته القوية التي يفرضها في شرق ليبيا والتي تغذيها طموحاته الوطنية، يجسد حفتر صورة التيار العسكري والاستبدادي الذي أجبر الأمم المتحدة والعواصم الأوروبية على التعامل معه، خاصة بعد أن احتل منطقة الهلال النفطي (التي تمثل المنشأة الرسمية لتصدير النفط الخام الليبي) في خريف سنة 2016. علاوة على ذلك، يحظى المشير حفتر بدعم كل من مصر والإمارات.

تشكيل سياسي عسكري تحوم حوله التساؤلات

كثّف غسان سلامة، الذي مرت سنة على توليه مهام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، من زياراته إلى ليبيا سعيا لتحقيق تقارب بين وجهات نظر كل من خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني (المدعومة من الأمم المتحدة، ومقرها في طرابلس، غرب البلاد)، فايز السراج. وما زال المشير حفتر يرفض الاعتراف بشرعية حكومة السراج التي يراها غير قانونية وتحظى بدعم "مليشيات" متواضعة على حد تعبيره.

ويسعى غسان سلامة إلى رأب الصدع  بين شرق وغرب ليبيا وذلك انطلاقاً من إعادة توحيد المؤسسات العسكرية التابعة لكلا الطرفين. ويمهد هذا المخطط إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مستقبلية في ليبيا، التي كان من المتوقع في البداية أن تجرى خلال هذه السنة، وتهدف إلى إضفاء الشرعية على هذه السلطة الموحدة.

ما مصير الطموحات الخفية لرجال حفتر؟

في الأثناء، تطرح عودة حفتر سؤالاً مهماً بشأن التشكيل السياسي العسكري للمعسكر التابع له حول ما إذا كان سيتأثر بما حدث مؤخراً، وذلك بالتزامن مع بروز بعض الطموحات الخفية إثر تواتر الشائعات المتعلقة بالحالة الصحية للمشير، حين كان يقبع في المستشفى؟

كما سيكون من الضروري رصد تطور العلاقة بين حفتر ورئيس البرلمان، عقيلة صالح، على وجه الخصوص، الذي تم انتخابه في يونيو/حزيران سنة 2014. وقد تم نفي صالح إلى طبرق في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في صيف سنة 2014 بين الجيش الوطني الليبي، الذي يتزعمه المشير حفتر، والكتلة العسكرية المهيمنة على طرابلس في غرب ليبيا، حيث يتمتع الإسلاميون بنفوذ مهم. ولطالما كان صالح مؤيداً قوياً لحفتر، بيد أن علاقتهما شهدت توتراً خلال الأشهر الأخيرة.

 

كما تطلّ في الأفق شكوك أخرى حول التحالف الذي أبرمه حفتر مع العشائر الكبرى في برقة، وخاصة مع قبيلة العواقير المرتبطة تاريخياً بمدينة بنغازي. وخلال سنة 2017، تدهورت العلاقات بين قبيلة العواقير والدائرة الضيقة المحيطة بحفتر التي ينتمي أغلب عناصرها إلى قبيلة فرجان المنحدرة من طرابلس.

فضلاً عن ذلك، كان للطريقة التي تمكن من خلالها حفتر من السيطرة على حلفائه السلفيين المعروفين "بالمداخلة" (غير الجهاديين) في برقة، الذين أضحى لهم تأثير في الإقليم بسبب لعبهم دور الشرطة الدينية القمعية، الوقع الكبير على المشهد السياسي العسكري في البلاد.

غياب سلبي للتواصل

وتتساءل Le Monde هل كان حفتر يرغب، من خلال رفض الإدلاء بأي معلومة حول حالته الصحية طيلة فترة بقائه في المستشفى، في الحصول على رؤية أوضح حول ما يحدث داخل معسكره؟

مع العلم أنه كان من الأسهل بالنسبة له وضع حد للشائعات من خلال الرد على تساؤلات الإعلاميين أو من خلال السماح للمشرفين على التواصل لديه بنشر صور أو فيديوهات تؤكد تحسن وضعه الصحي. في المقابل، آثر حفتر الالتزام بصمت مطول.

من جانبه، أكد أحد المقربين من المشير، الذي التقى به في باريس بعد ثلاثة أيام من دخوله إلى المستشفى، في تصريح له خصّ به صحيفة "لوموند"، أن "حفتر أراد أن تتضح الصورة من أجل أن يعرف من القوي ومن الضعيف". وقد سمحت استراتيجية التواصل التي اتبعها المشير الليبي بطرح سؤال للمرة الأولى حول مرحلة "ما بعد حفتر" في ليبيا، كما من المؤكد أن هذه الحادثة لن تمر دون ترك أثر على المشهد الليبي.

وشهدت ليبيا انقسامات بعد انتفاضة 2011 التي أنهت حكم معمر القذافي الذي دام أكثر من أربعة عقود، وباتت مقسمة منذ 2014 بين حكومتين وتحالفات عسكرية متنافسة في شرق ليبيا وغربها.

وتقود الأمم المتحدة مبادرة لإعادة استقرار الوضع وتوحيد الدولة الغنية بالنفط التي يسكنها 6 ملايين شخص وتقول إنها تأمل أن تجري انتخابات عامة بنهاية هذا العام.

وكان حفتر قائداً عسكرياً في جيش القذافي ثم انشق عنه وعاد إلى ليبيا لينضم إلى انتفاضة 2011 قبل أن يوسع تدريجياً قبضته على شرق ليبيا وأجزاء من جنوبها ويسيطر على بنغازي بالكامل العام الماضي بعد حملة عسكرية دامت ثلاثة أعوام.

وتعهد بطرد الإسلاميين المتشددين و"تحرير" طرابلس والقضاء على الفصائل المسلحة في العاصمة بدعم من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإمارات.

ومنذ 2016، يسيطر حفتر كذلك على جل الموانئ النفطية والحقول الرئيسية في الشرق، حيث تتركز معظم موارد ليبيا النفطية.

علامات:
تحميل المزيد