تحديات الأردن الراهنة.. جيران المملكة يزيدون من جراح الاقتصاد ويصدرون إليها المشكلات

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/27 الساعة 16:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/27 الساعة 17:29 بتوقيت غرينتش

"رفعوا سعر الخبز، الدخان، التموين، رفعوا سعر كل شيء، والرواتب كما هي".

كان الشاب الأردني يتحدث للكاميرا من أحد أسواق عمان، معلقاً على ما وصل إليه "الغلاء الفاحش" في الأردن في الشهور الأخيرة. ورداً على موجة الغلاء، اندلعت في وقت مبكر من هذا العام 2018 احتجاجاتٌ في مدينة الكرك ومدن أخرى اعتراضاً على الحالة المتعثرة دوماً للاقتصاد الأردني.

ورصد تقرير لمجلة Economist التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني في اللحظة الراهنة، والتي يرجع معظمها إلى تطورات الأوضاع في الإقليم الجغرافي للمملكة الهاشمية، إذ ألحقت الفوضى التي عمَّت سوريا والعراق الضرر بصادرات المزارع في الكرك، غربي المملكة. وأدَّى هجومٌ إرهابي شنَّه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2016 إلى إبعاد السياح عن الأردن.

تقع مدينة الكرك على تل أسفل أطلال قلعة صليبية، وتتتميز المدينة الهادئة بأنَّها محاطة بمزارع خصبة إلى جانب أنَّها وجهة سياحية جذابة، الأمران اللذان من شأنهما توفير فرص عمل بها. لكنَّ المشكلات التي أحاقت بباقي المملكة أضرت كثيراً بالمدينة.

كانت موجة ارتفاع الأسعار التي أُعلِن عنها في شهر يناير/كانون الثاني الماضي جزءاً من برنامج الإصلاح الذي يدعمه صندوق النقد الدولي. وتمثَّلت في ارتفاع أسعار الخبز إلى الضعف تقريباً، إضافة إلى قفز الضرائب المفروضة على الوقود من 24% إلى 30%.

المواطنون يشكون من رفع الأسعار

الخيوط الخارجية للأزمة من الحروب إلى تراجع المساعدات

يقع الأردن عند ملتقى بلاد الشام ودول الخليج، لكنَّ موقعه الجغرافي تحول إلى نقمة بدل أن يكون نعمة. وقال جعفر حسن، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية: نحن اقتصاد تحت الحصار.

في عام 2010، استحوذت سوريا والعراق على 20% تقريباً من الصادرات الأردنية. لكن بعد استيلاء داعش على جزء من العراق عام 2014، اضطر الأردن لإغلاق حدوده. وانخفضت الصادرات بنسبة 68% في العامين التاليين. أمَّا في ما يتعلق بالصادرات إلى سوريا، فهبطت من 169 مليون دينار (239 مليون دولار أميركي) عام 2010، أي قبل اندلاع الحرب الأهلية بها، لتصل إلى 31 مليون دينار (43.3 دولار أميركي) فقط العام الماضي.

ويعاني الاقتصاد الأردني حالياً من انخفاض في المساعدات الخارجية، خاصة الخليجية منها، بالنظر إلى اهتزازات اقتصادات الدول المانحة ذاتها، فضلًا عن الموقف الأردني "المحايد" من الأزمة الخليجية، كما انخفضت عائدات السياحة بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في الإقليم، في مقابل ارتفاع تكلفة إيواء اللاجئين السوريين في الأردن، والذين يقدر عددهم رسمياً بـ1.3 مليون لاجئ، بالإضافة إلى العديد من قضايا الفساد التي هزت الاقتصاد الأردني، والتي كان لها أثر كبير في اهتزاز مصداقيته.

يساعدون الأردن لأنهم يعتبرون استقراره جوهرياً للمنطقة

في عام 2015، وللمرة الأولى، تجاوزت صادرات الأردن إلى السعودية مليار دولار أميركي. ثم تراجعت أسعار النفط وانحدر الاقتصاد السعودي حتى دخل في حالة ركود. وهبطت الصادرات العام الماضي بنسبة 27% بعد وصولها الذروة عام 2015. وكل ذلك من شأنه المساهمة في خلق ما يُسمِّيه أحد الوزراء "جو من اليأس".

وساهمت المساعدات الخارجية التي حصلت عليها البلاد في تمويل السياسة السيئة. بالرغم من قلة موارد الأردن، فإنَّه يستخرج "إيجارات استراتيجية" من الغرب ودول الخليج التي تعتبر استقرار البلد أمراً جوهرياً بالنسبة للمنطقة. في عام 2011، قدَّم مجلس التعاون الخليجي المُؤلَّف من ستة أعضاء 5 مليارات دولار لمساعدة الملك على الصمود أمام الربيع العربي. وفي عام 2016، جمع الأردن مساعدات إنمائية بلغ نصيب الفرد منها 290 دولاراً، أي أكثر من ضعف ما جمعته دولة هايتي المقفرة أو أفغانستان التي دمَّرتها الحرب.

وفي شهر فبراير/شباط، تعهَّدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات بقيمة 6.4 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة، أي بزيادة نسبتها 28% مقارنةً بالاتفاق السابق.

لكن المساعدات الأجنبية تتراجع الآن.

لكن هناك ثلاثة ملفات صعبة بين الأردن والخليج

استنزف اللاجئون جزءاً كبيراً من تلك الأموال. إذ وفَّر الأردن مأوى لـ656 ألف سوري فروا من الحرب. ويُقدِّر جعفر حسن أنَّ الحكومة أنفقت 10 مليارات دولار لاستيعاب تدفق اللاجئين. وفي تلك الأثناء، نضبت مساعدات دول الخليج، التي تواجه تحدياتها الاقتصادية الخاصة.

قرار الملك عبد الله الثاني بإرسال قوة صغيرة فقط للانضمام إلى المعركة السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، لم يكن مرضياً للرياض.

ودور الأردن كمحاور وسيط مع إسرائيل، استولت عليه دول الخليج الآن، فهي تجري محادثاتها بشكل مباشر (حتى وإن كان بتكتُّم) مع خصمها السابق.

وكل ذلك ساهم في تآكل القيمة الاستراتيجية للأردن.

وصدمة ثالثة تلوح في الأفق، وترصدها Economist. فمع استمرار بقاء أسعار النفط منخفضة، يحرص معظم أعضاء مجلس التعاون الخليجي على استبدال مواطنيهم محل العمالة الوافدة لديهم، ما قد يؤثر على الـ800 ألف أردني العاملين بدول الخليج. والعام الماضي، حوَّل هؤلاء إلى البلد 2.4 مليار دولار. وحتى التقليص البسيط لعدد هؤلاء سيكون بمثابة كارثة خطيرة.

وكل هذه العمالة الأجنبية تفاقم مشكلة البطالة

يأمل الأردن أيضاً في توفير فرص عمل في البلاد عبر خطة بـ140 مليون دولار لتقليص عدد العمال الوافدين بنسبة تصل إلى 25% على مدى السنوات الخمس المقبلة. لكن الكثير من الأردنيين يشعرون أنَّ هذه الأعمال الدنيّة لا تليق بهم. وشكا عضو في البرلمان من تدفُّق العمال السوريين أثناء تناول القهوة في مقهى جميع العاملين فيه يتحدثون باللهجة المصرية. ويعيش أكثر من 600 ألف مصري في الأردن، إلى جانب آلاف من الأجانب الآخرين الذين يرسلون 1.5 مليار دولار (أو 4% من الناتج المحلي الإجمالي) إلى بلادهم سنوياً.

هكذا تبدو المشروعات الجديدة غير مبشرة

يبدو أنَّ الحكومة تعترف بحجم المشكلة. إذ يعتزم البرلمان تمرير قانون جديد للإفلاس والضرائب قريباً. وهناك حديث حول منطقة تجارة حرة مع كينيا في العقبة، وتهدف "خطة نمو" خمسية لاستثمار مليارات الدولارات في بنية تحتية جديدة، معظمها شراكة بين القطاعين العام والخاص.

 يُقر جعفر حسن، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية أنَّه "يوجد الكثير من التشكك حول كل هذا. الأردن اليوم لا تنقصه الخطط بقدر ما تنقصه القدرة على تنفيذها".

وقال الخبير الاقتصادي زيان زوانة إن "خطة التحفيز التي تطبقها الحكومة اليوم هي عبارة عن "نهج لسياسات اقتصادية فاشلة جربتها الحكومة سابقا، بينما يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري أن معدلات النمو خلال السنوات الأخيرة كانت "مدمرة" للاقتصاد الذي بدأ يدخل في مراحل "خطرة" في ظل استمرار النمو المتواضع لسنوات طويلة.

وهكذا تبدو المؤشرات الإيجابية رغم كل شيء

وعلى الرغم من تلك المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد؛ فإن هناك مؤشرات إيجابية، فالأردن لا يزال يتمتع حتى الآن بالاستقرار الأمني، ويحافظ على نوعٍ من الاستقرار الاقتصادي؛ يتمثَّل في احتفاظه بربط سعر صرف عملته المحلية (الدينار) بالدولار الأميركي. لكن هذا التفاؤل مشروط بعدم تفاقم تلك المشاكل وزيادة الضغط على ميزان المدفوعات وزيادة العجز في الموازنة، وإلا فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض حجم الاحتياطيات الدولية من العملات الصعبة؛ مما قد ينجم عنه تخفيض سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى.

علامات:
تحميل المزيد