بوتين صنعه والآن يسبب له ذعراً.. جيش صغير من المشاغبين الروس كبر تحت رعاية الرئيس والآن يهدد كأس العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/25 الساعة 16:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/25 الساعة 17:35 بتوقيت غرينتش

كأي تلميذ في رحلته الميدانية الأولى، حمل حقيبة ظهر مليئة بالأطعمة والملابس الثقيلة التي وضعتها له والدته؛ ظناً منها أنه ذاهبٌ إلى مشاهدة مباراة كرة قدم وحسب.

ولكن رحلة دينيس نيكيتين، أحد النازيين الجدد الروس، التي بدأت بريئة، تكشف عن تحول خطير في مدرجات جماهير كرة القدم الروسية، تحوُل أصبحت فيه عصابات المشجعين لديها القدرة على حشد ما يشبه جيش صغير.

هذه العصابات التي بدأت بتشجيع من بعض الساسة الروس، واعتبر بعض أعضائها أنفسهم جنوداً للرئيس فلاديمير بوتين- تحولت إلى خطر محتمل على استضافة روسيا لكأس العام 2018، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

فعلى مرِّ السنوات الـ12 الماضية، أصبح نيكيتين -الذي يمارس رياضة الفنون القتالية المختلطة ويعيش في العاصمة الروسية موسكو- نجماً صاعداً لليمين المتطرف بعدما شق طريقه مترقِّياً عبر مراتب إحدى أبرز جماعات إثارة الشغب الروسية.

ومنذ انتقال أُسرته من موسكو إلى ألمانيا قبل ذلك ببضع سنوات، تضاءلت اهتماماته واقتصرت على السياسة اليمينية المتطرفة والعنف.

في فرنسا انتصروا على نظرائهم الإنكليز

"إنهم مجرد إناث"، هكذا وصف أحد مثيري الشغب الروس مثيري الشغب الإنكليز، قائلاً: "دائماً ما يزعم الإنكليز أنهم مثيرو الشغب الرئيسيون في عالم كرة القدم؛ لذا ذهبنا لنثبت أنهم مجرد إناث".  

ففي صيف عام 2016، وصلت إثارة الشغب الروسية في ملاعب كرة القدم -التي كانت من قبل مقتصرةً على النطاق المحلي- إلى الساحة الدولية، في بطولة كأس الأمم الأوروبية التي أقيمت بفرنسا.

ففي 10 يونيو/حزيران، وصل نحو 150 روسيّاً إلى ميناء مارسيليا القديم، وتحركوا في مجموعاتٍ منتظمة، مستقبِلين جميع أنصار منتخب إنكلترا الذي هرعوا نحوهم بعنفٍ شديد، لدرجة أن أحد مشجعي إنكلترا أُصيب بتمزُّقٍ في وتر العرقوب، بينما فقد رجلان إنكليزيان الوعي، وأصيب أحدهما بشللٍ في الجانب الأيسر من جسده.

وقال ستيف نيل -أحد الضباط  الإنكليز الذين نشرتهم لندن آنذاك لمساعدة الشرطة الفرنسية- لقناة Sky News البريطانية: "كان شيئاً لم أره قط. لقد جاء الروس آنذاك بنيّةٍ مُبيَّتة لتنفيذ أعمال عنف هجومية. وكانوا منظَّمين جداً وفعالين للغاية. رأينا آنذاك مستوىً مختلفاً من شغب كرة القدم".

فخ مدبَّر للإيقاع بالروس

زعم بعض الساسة الروس أن وسائل الإعلام والسلطات لامت الروس وحدهم على الأحداث بطريقةٍ غير مناسبة، (اثنان من المُشجعين الإنكليز سُجنا بسبب دورهما في أعمال العنف).

بل ذهب نائب رئيس الوزراء الروسي فيتالي موتكو، وزير الرياضة آنذاك، إلى ما هو أبعد من ذلك، واصفاً ما حدث بأنه "فخٌ مُدبَّر للإيقاع بالروس".

وأشادت شخصياتٌ عامة روسية أخرى بمثيري الشغب؛ لترويجهم صورةً قوية رادعة للاعتداء عن بلادهم في العالم.

إذ كتب إيغور ليبيديف، نائب رئيس البرلمان الروسي، تغريدةً على موقع تويتر، قال فيها: "لا أرى أي خطأٍ واقعٍ على المشجعين الروس الذين كانوا يتشاجرون؛ بل العكس تماماً، لقد فعلوا الصواب. أحسنتم يا شباب، واصِلوا ما تفعلونه".

آنذاك، هدد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بإقصاء إنكلترا وروسيا من يورو 2016 إذا كان هناك المزيد من العنف من قِبل المشجعين.
وقد اتُّخذت الإجراءات التأديبية ضد روسيا -ولكن ليس إنكلترا- بعد مَشاهد وُصفت بأنها "غير مقبولة كلياً" في مباراة البلدين بالبطولة، حسبما نقل تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، الذي قال إن لقطات أظهرت مشجعين روساً يهرعون إلى أنصار إنكلترا بعد تعادل يورو 1-1 في مرسيليا.

وتم التصديق رسمياً على التهديد بالإيقاف ضد روسيا، والذي نص على أنه سيتم تفعيله بالكامل في حال تسبَّب مشجعو روسيا في إثارة المشاكل داخل الملعب خلال الفترة المتبقية من كأس الأمم الأوروبية عام 2016. وشملت العقوبة أيضاً غرامة بقيمة 150 ألف يورو.

وأكد الاتحاد الأوروبي للكرة أن الاتهامات ضد روسيا تتعلق باضطرابات الحشود والسلوك العنصري وإطلاق الألعاب النارية.

بوتين يسخر من الاتهامات الموجَّهة لمشجعي بلاده.. ولكن لماذا يخشاهم؟

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تساءل مبتسماً بسخرية عن كيفية تمكُّن 200 مشجع روسي من الاعتداء على "بضعة آلاف من الإنكليز".

لكن الكرملين كان يدرك كذلك أن هؤلاء الرجال من مثيري الشغب قد يُحرجون الأمة الروسية إذا اندلعت أعمال عنف جماعي في كأس العالم 2018، المقررة إقامتها في روسيا للمرة الأولى، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.

وحاولت الحكومة الروسية، مؤخراً، أن تنأى بنفسها عن مثيري الشغب. وبعدما اجتمع بوتين مع قادة أجهزة أمنية في بلاده، أكد علناً "الحاجة إلى التعلُم من الأحداث التي وقعت بفرنسا".

واكتسبت الشرطة الروسية صلاحيات جديدة لتصنيف حتى أبسط المخالفات -مثل إطلاق الألعاب النارية في مباريات كرة القدم- على أنها أعمالٌ إرهابية.

لقد خانتنا الحكومة!

وذكرت تقارير صحفية روسية أن أكثر من 100 شُرطي روسي وعضوٍ في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي داهموا منازل بعض مثيري الشغب في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016.

وأعقبت ذلك اعتقالاتٌ فورية، وكان من بين المعتقلين أليكسي يرونوف، قائد مجموعة الفايكنغ المناصرة لنادي لوكوموتيف موسكو الروسي لكرة القدم، والذي أمضى بالفعل عدة أشهر في سجنٍ فرنسي قبل أن يعود إلى روسيا.

وصدرت أحكامٌ قضائية ضد أكثر من 200 شخصٍ من مثيري الشغب، تمنعهم من حضور مباريات كرة القدم حتى نهاية كأس العالم المقبلة.  

بالنسبة لمثيري الشغب الذين ظلوا سنوات يحظون بدعم السلطات الروسية سواء ضمنياً أو صراحةً، يبدو هذا الانقلاب من جانب الحكومة وكأنه خيانة؛ إذ قال ألكسندر شبريغن، الذي شارك في شجارات مثيري الشغب بدءاً من عام 1994، واستأجر طائرةً أرسل على متنها مجموعةً من مثيري الشغب البارزين إلى مدينة مارسيليا الفرنسية في عام 2016؛ للمشاركة في الأحداث التي وقعت هناك: "بعد أحداث فرنسا، توقفت الحكومة الروسية عن دعمنا".

بدأوا كنسخة مصطنعة من النموذج الإنكليزي

وصلت إثارة الشغب إلى ملاعب كرة القدم الروسية متأخرةً نسبياً؛ إذ ظهرت في أوائل التسعينيات كنسخةٍ مصطنعة من النموذج الإنكليزي الموجود منذ عقود: مجموعات متعصبة من المشجعين تحمل شعاراتٍ قماشية وتردد هتافاتٍ عنصرية.

وفي بلدٍ كان خارجاً آنذاك من الظلام السوفييتي بحثاً عن هويةٍ جديدة حازمة، بدا أن إثارة الشغب تُقدِم للشباب، من أمثال نيكيتين، جرعة قومية ثابتة ومجتمعاً ذا قوةٍ مفرطة يمنحهم مكانةً معينة وانتماء.

ووفرت كذلك شيئاً أشبه بمسارٍ مهني عبر أنقاض اقتصاد ما بعد السوفييتية. ورأى بعض الساسة -لا سيما اليمينيين المتطرفين- في مثيري الشغب الروس بملاعب كرة القدم كنزاً قوياً من الناخبين المُهمَّشين، وشرعوا في التودُّد إلى هؤلاء الشبان بنقلهم مجاناً إلى المباريات التي تخوضها أنديتهم خارج ملاعبها، ودفع رواتب لبعضهم من أجل العمل حُراساً شخصيين؛ بل وحتى عرض تعيينهم بمناصب قيادية في الأحزاب السياسية برواتب مجزية.

تدريبات شاقة وشجارات سرية ويمتنعون عن الجعة

بمرور الوقت، تطورت إثارة الشغب في الملاعب الروسية من مجرد تقليد النموذج الإنكليزي إلى ثقافةٍ جديدة من إثارة الشغب.

ففي كتاب Among the Thugs أو "بين مثيري الشغب"، الصادر في عام 1990، والذي يُعرِّف إثارة الشغب في ملاعب كرة القدم الإنكليزية- يصف كاتبه بيل بيوفرد مثيري الشغب في ملاعب كرة القدم بأنهم "بدناء للغاية ويأكلون كمياتٍ لا تُحصى من رقائق البطاطس بنكهة لحم الخنزير المقدد".

وعكس ذلك، يمتنع نظراؤهم الروس عن تناول الجعة ويخوضون تدريباتٍ شاقة، ليس فقط بصالات الألعاب الرياضية؛ بل في شجاراتٍ سرية تُنظم بغاباتٍ محلية، حيث يتقاتل بعض مثيري الشغب الشباب المنتمين إلى فرقٍ متنافسة في ضباب الفجر.

وقال نيكيتين لصحيفة The Guardian: "في مرحلةٍ ما، خرجت إثارة الشغب الروسية من عباءة الهواية". ومن ثم، أصبحت الشجارات أكثر فتكاً.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، مات رجلٌ، عمره 30 عاماً، بعدما كُسِرت رقبته في شجارٍ بين مثيري شغب مناصرين لفريق سيبير نوفوسيبيرسك وآخرين مناصرين لفريق إينيسي كراسنويارسك.

وأنا في التاسعة:  قصة تأسيس أولى المجموعات

حين كان في التاسعة من عمره، مُنِع شبريغن من حضور أول مباراة قدم ذهب لمشاهدتها؛ إذ ذهب لمشاهدة مباراة فريقه دينامو موسكو في ملعب سنترال دينامو بموسكو، لكن الأطفال الذين حضروا من دون ذويهم مُنِعوا من الدخول. ولذلك، أقنع شبريغن رجلاً كبير السن خارج بوابات الملعب في الأسبوع التالي؛ ليتظاهر بأنه والده.

وفي أغسطس/آب من عام 1993، حين كان في الرابعة عشرة من عمره، اتصل به أحد الرجال الأكبر منه وأخبره بأنباء عن خطة لتأسيس واحدةٍ من أولى مجموعات إثارة الشغب الروسية: Blue White Dynamite.

ومع ازدياد عدد أعضاء المجموعة، بدأوا في البحث عن مشجعين متعصبين للفرق المنافسة والاعتداء عليهم.

وفي البداية، كانت هذه الاشتباكات -التي كانت تجري عادةً في محطات مترو الأنفاق بموسكو- بسيطة. ولكن حين شكَّل مشجعو نادي سبارتاك موسكو، الأشهر في روسيا، مجموعةً منافِسة، تصاعدت شدة العنف واتسع نطاقه؛ إذ وقعت اشتباكاتٌ شهدت مشارَكة 500 شخص في بعض الأحيان.

وقال شبريغن: "بحلول عام 1995، كان كل نادٍ لكرة القدم في موسكو لديه مجموعةٌ من المشجعين المتعصبين مثيري الشغب، وصارت الاشتباكات أكبر بكثير".

أصبح لدينا جيش صغير

مع تضخُم الأعداد، انفصلت مجموعاتٌ صغيرة عن المجموعات الأكبر؛ ما أسفر عن إنشاء شبكة من العصابات المستقلة، لكنها مترابطة. واليوم، صار نادي سبارتاك موسكو -الأكبر بين أندية العاصمة الروسية البالغ عددها 11 نادياً- لديه 3 مجموعات كبرى من المشجعين المتعصبين: Union، وShkola، وGladiators تضم كُلٌ منها شعبةً شبابية تابعة لها.

وبتعاون المجموعات التابعة لنادي سبارتاك بعضها مع بعض إذا اقتضت الحاجة، يمكنها تكوين جيشٍ صغير تحت راية فريقها، حسب وصف الصحيفة البريطانية.

وظهرت هذه القوة الجماعية بالفعل لأول مرةٍ في عام 1999، حين لعب فريق سبارتاك خارج أرضه ضد فريق ساتورن رامنسكوي. وعندما تلقى سبارتاك الهدف الأول في الدقيقة الثالثة والعشرين من المباراة، بدأ العنف يتصاعد في المدرجات، وتطورت المشادات البسيطة إلى شجارات باللكمات حتى تحولت إلى شغبٍ كامل.

وللمرة الأولى في تاريخ كرة القدم الروسية، توقفت المباراة بسبب الاشتباكات في المدرجات.

بناء على طلب جهاز الأمن الفيدرالي

رسالة على جهاز الاتصال الخاص به تطلب منه الاتصال برقمٍ خاص.. بهذه الطريقة، تلقى الناشط بهذه المجموعات، شبريغن، في أغسطس/آب من عام 1998، طلباً من سياسيٍ معارض يميني بارز للقائه.

وقال شبريغن إنه زار مجلس الدوما -المجلس الأدنى للجمعية الاتحادية الروسية- في اليوم التالي. ورأى في البهو أحد قادة مجموعات إثارة الشغب التابعة لفريق سبارتاك موسكو. ثم دخل الاثنان مكتب السياسي الذي عرض عليهما تعيينهما مساعدين له.

وقال شبريغن إن مجموعته كان تؤمِّن هذا السياسي مقابل تكفُّل حزبه بنفقات الحافلات والقطارات لنقل المشجعين مثيري الشغب من أجل تشجيع أنديتهم في المباريات التي تخوضها خارج أرضها.

وصحيحٌ أنهم لم يحصلوا على أموالٍ في أيديهم، لكن شبريغن قال إن ما أراده السياسي منهم كان واضحاً: تصويت المُشجِعين للحزب والاشتباك لمصلحته عند دعوتهم منذ ذلك الحين فصاعداً.

عاد هذا الاتفاق بالنفع على مسيرة شبريغن؛ إذ يقول إنه أسس في عام 2007 مجموعةً تحمل اسم Union of Russian Fans أو "اتحاد المشجعين الروس" بناءً على طلب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

وعلى الرغم من صعود أسهمه في السياسة آنذاك (إذ صُوِّر مع بوتين في 3 مناسبات منفصلة على الأقل قبل تورُّطه المزعوم في أحداث العنف بمارسيليا والذي أدى إلى اعتقاله)، واصل شبريغن المشاركة بنشاطٍ في عنف الشوارع.

هجمات بالكمامات ضد غير السلاف 

الانتقال الذي مرَّ به شبريغن من شغب الملاعب إلى العنصرية هو مسار شائع؛ إذ قال ميخائيل أخميتيف، الأستاذ بمركز سوفا البحثي الروسي المعنيّ بدراسة القومية والعنصرية في روسيا: "إن كثيراً منهم يشاركون في أنشطة يمينية متطرفة مثل إيفان كاتانيف الشهير بـ(المقاتل)، الرئيس السابق لمجموعة Fratria التي تضم مشجعين متعصبين لنادي سبارتاك موسكو، وفاسيلي ستيبانوف الشهير بالقاتل رئيس مجموعة Gladiators".

وشهدت السنوات الأخيرة زيادةً ملحوظة فيما يسمى هجمات "العربات البيضاء"، التي تشهد صعود مجموعاتٍ من العنصريين مرتدين كماماتٍ وأقنعة على متن القطارات واعتداءهم على أي شخص من أصولٍ غير سلافية.

وذكر تقريرٌ صادر عن مركز صوفا في عام 2014، أن عمليات العربات البيضاء تُرتكب "على يد مشجعي كرة قدم جزئياً على الأقل، وتزداد احتمالية حدوثها في أيام المباريات".

وبالنسبة للشبان الذين هم على شاكلة شبريغن والذين صاروا مفتونين بالمشجِعين الأكبر منهم في المباريات، فالطريق إلى التطرُف سريعٌ وواضح، وثمة العديد من الكيانات السياسية المتحمسة لضم هؤلاء المُشجِعين والاستفادة منهم.

لن نقتل المهاجرين فهناك وسيلة أكثر فاعلية

نيكيتين من جانبه، يرى أن إثارة الشغب غير قابلةٍ للانفصال عن نشاط اليمين المتطرف. فبعد عودته إلى روسيا في العقد الأول من القرن الجاري، واعتناقه الفكر المتطرِف بسبب الوقت الذي قضاه في الاشتباكات بدوائر إثارة الشغب الألمانية، صار متورِطاً بدرجةٍ متزايدة في العنف ضد المهاجرين.

وقسّم وقته بين خوض اشتباكاتٍ ضد المشجعين المتعصبين مثيري الشغب والاعتداء على الأقليات في الشوارع. وحين سأل مُعدّ تقرير The Guardian نيكيتين عن الفَرق بين عنف المشجِعين مثيري الشغب والعنف العنصري، قال: "إذا قتلنا مهاجراً واحداً كل يوم، فهذا يعني أننا سنقتل 365 مهاجراً في السنة.  لكنّ عشرات الآلاف منهم سيتوافدون على أية حال. وهنا، أدركت أننا نحارب العواقب وليس السبب الرئيسي؛ لذا نقاتل الآن من أجل العقول، ليس في الشوارع؛ بل عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

لماذا يوزعون الحلوى؟

تعاقد الكرملين مع شركات علاقات عامة عالمية من أجل تغيير الانطباع الدولي عن مشجعي كرة القدم الروس.

وزرعت هذه الشركات مشجعين ودودين يوزعون الحلوى والشاي الدافئ والبطاطين في المباريات وينشرون صور السيلفي المبهجة على منصة إنستغرام. وبرغم هذه المظاهر العلنية، يعتقد البعض أن الحكومة تستمر في دعم المشاغبين سراً. وقال سولوبوف: "صحيحٌ أن الحكومة تحاول تجميل صورة كرة القدم الروسية قبل كأس العالم.

واستدرك: "لكنهم مهتمون أكثر بكثير بوقوع أحداثٍ مماثلة لأحداث الثورة الأوكرانية هنا في روسيا، وقلقون من أن ينزل المشاغبون اليمينيون في هذه الحالة إلى الشوارع في مواجهة السلطات؛ لذا تستمر الحكومة في دعم مجموعات المشجعين العنيفة سراً. وأعتقد أن القوة السياسية تظل في أيدي المشجعين اليمينيين".

هل يستطيعون السيطرة عليهم؟

في العام الماضي (2017)، عيّن الكرملين عميلاً من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لكل نادٍ من أندية العاصمة الروسية؛ للعمل مع ضابطٍ وسيط بين السلطات والمشجعين -عادةً ما يكون أحد المُشجِعين البارزين من كل مجموعةٍ- سعياً للسيطرة على أعضائها.

ولكن، يتساءل بافيل كليمنكو، الذي يعمل لحساب منظمة فير، عن مدى فاعلية هذا النظام.

وربما يصعب على الدولة الروسية السيطرة الآن على ما تجاهلته في السابق؛  إذ قال يوري أبراشوف، العقيد السابق في الشرطة والمدير التنفيذي الحالي لجهاز أمن الفعاليات الذي يتولى الترتيبات الأمنية في الأحداث الرياضية: "اعتقدت الدولة أن مجموعات المشاغبين قوةٌ منظمة يمكن استخدامها في الحفاظ على النظام. لكن هذه المجموعات قطعت وعوداً لم تفِ بها".

وعلى الرغم من رقابة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وقرارات منع حضور المباريات والمجهودات الأخرى لحصار نشاط المشاغبين اليمينيين، ما زال خطرُ اندلاع أحداث عنف في كأس العالم قائماً.

إذ قال كليمنكو: "ربما لا تكون هناك أي هجمات منظمة سلفاً؛ لأن المشاغبين خائفون من الأجهزة الأمنية. لكن طريقة عمل هذه الكيانات تعني أن السيطرة على الجميع ليس بالأمر السهل".

بريطانيا تقدم الأمل 

ومثلما أخذت سيطرة العنصرية على كرة القدم في إنكلترا تضمحل شيئاً فشيئاً بدايةً من تسعينيات القرن العشرين، يمكن أيضاً أن تشهد سلوكيات المشجعين في روسيا تحولاً في نهاية المطاف. لكنّ إعادة كل ما تسبب فيه المشجعون المشاغبون إلى سابق عهده، قد تستغرق عقوداً من الزمن.

يقول الصحفي ماكسيم سولوبوف، الذي كان متظاهراً مناهضاً للفاشية قبل أن يتجه إلى الصحافة: "بعضهم بدأ يفقد الاهتمام بالحركة اليمينية، ولم يعد يريد شيئاً سوى متابعة كرة القدم. صحيحٌ أن هذا التغيير بطيء، لكنهم بدأوا يبتعدون عن السياسة بالفعل".

لكن الهوس بالتركيز على ما إذا كان المشجعون الإنكليز سيُقابَلون بالعصابات في مدينة فولغوغراد الروسية أم لا، يجب ألا يفوت القصة الأكبر بكثير: وهي أن المشجعين المشاغبين كان لهم دور في تطبيع العنصرية والتشجيع عليها لصالح اليمين المتطرف، بدعم ظرفي من الحكومة ذاتها التي تسعى حالياً للسيطرة عليهم.

فعلى مرِّ عقدين من الزمان، كانت مجموعات مثيري الشغب الروسية بمثابة آلةٍ لتجنيد الشبان وغرس الفكر اليميني المتطرف فيهم، مما زرع بذور الأيديولوجية العنصرية في قلب الثقافة الكروية بالبلاد.

ربما تكون السلطات الروسية قد أضعفت هذه المجموعات، لكن المجموعات القوية منها لن تزول على الأرجح، وسيتطلب محو نفوذها عقوداً. وحسبما  قال شبريغن: "بعد الصيف، لن يُركِز أحدٌ علينا".

 

علامات:
تحميل المزيد