كانت مرشحة للفوز بالـ”بوكر العربية”: “الخائفون” رواية تحاول ترويض الوحش وتكشف عن جمهورية الخوف في سوريا

في حوارها مع موقع جائزة البوكر للرواية العربية، التي قد تفوز بها مساء اليوم قالت الروائية السورية ديمة ونوس، إن الحرب الدائرة في سوريا أخرجت الوحش الكامن فينا

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/25 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/25 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش

في حوارها مع موقع جائزة البوكر للرواية العربية، التي كانت مرشحة للفوز بها مساء أمس الثلاثاء، قالت الروائية السورية ديمة ونوس، إن الحرب الدائرة في سوريا أخرجت الوحش الكامن فينا، وإن روايتها "الخائفون" التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة المرموقة "ربما تحاول البحث عن الوحش في داخلنا"، وتجيب عن تساؤل مهم هو: "كيف يمكن لمن عاش لعقود في ظلِّ التوحّش أن ينجو؟! ما حدث في سوريا أخرج تلك الوحوش النائمة، ليتبدَّى أن تلك السنوات الطويلة من الاستقرار الواهم والهشّ، كانت تمريناً يومياً على التوحّش".

ومنذ اندلاع الثورة السورية، في الخامس عشر من  مارس/آذار 2011 حتى الآن، اهتمَّت كلُّ وسائل الإعلام المسموعة منها والمقروءة بأخبار الأحداث التي نتجت من الثورة من قتل ودمار، بالإضافة إلى تسليط  الضوء على اللاجئين فقط من السوريين، ومَن نجح منهم في الهرب من ويلات الحرب، ومَن ظلَّ يحاول الهرب والهجرة.

فماذا عن هؤلاء الذين بقوا داخل سوريا بين الحرب والدمار يعيشون الموت آلاف المرات في يوم واحد، وهم يشاهدون ذكرياتهم في الميادين والمنازل تقصف وتتحول إلى رماد؟!

عن هؤلاء الذين تمسكوا بالبقاء على أرض سوريا تدور أحداث رواية "ونوس"، الصادرة عن دار الآداب للنشر عام 2017، التي جاءت ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2018.

 تقول ديمة في حوارها مع موقع الجائزة: "شغلني موضوع الخوف لسنوات. خاصة في الحالة السورية، حيث خرج الخوف من منطقة الوعي والمنطق فطغى على حيواتنا. ذلك الإحساس الرهيب الذي اختبرته البشرية كلّها، لم يكن طارئاً في سوريا، بل مستقرّاً إلى حدٍّ موجع. والخوف مثله كمثل الفرح أو الحزن، ينتقل من شخص إلى آخر، يورّث، يتجلّى في الخوف مما يخيف حقاً، ثم في الخوف ممّا لا يخيف، ثم في الخوف من الخوف نفسه، من اختبار ذلك الشعور المرعب مرة أخرى، وثالثة ورابعة. الخوف يعالج بالتأكيد عندما تعرف مصادره. أعتقد أنه ارتبط في سوريا بما يسمَّى بـ"الأبد السوري". القائد إلى الأبد، والخوف إلى الأبد أيضاً. لأن الخوف الأبدي، يبقيه هناك، حاكماً إلى الأبد".

لقاء في مصحة نفسية

تبدأ أحداث الرواية بلقاء "نسيم، وسليمي"، بطلا الأحداث في عيادة للتأهيل النفسي؛ حيث يتلقَّى كل منهما العلاج في محاولة للخلاص من أعباء نفسية نتجت من أحداث الماضي والحاضر أيضاً.

تنتمي "سليمي" إلى عائلة ترجع أصولها إلي مدينة حماة، التي عرفت بأحداث المذبحة الشهيرة التي قام بها النظام السوري، في 2 فبراير/شباط عام 1982، ضد الإخوان المسلمين، وهو نفس العام الذي ولدت فيه الروائية ديما ونوس،  ونتج عن تلك المذبحة مقتل المئات من سكان المدينة، فاختار والد سليمي الطبيب الهرب بأسرته الصغيرة من تلك المجزرة إلى مدينة دمشق، ليعيش باقي حياته أسيرَ عقدة الذنب؛ فقد ترك أهل بلدته من دون أن يساعدهم حتى في مداواة جرحى تلك المذبحة.. فهل يستطيع علاج أحد غيرهم في أي مكان؟!

"نسيم"، طبيب شاب وكاتب يكتب تحت اسم مستعار؛ خوفاً من ملاحقة الأجهزة الأمنية ومن التعرض للاعتقال للمرة الثانية. وقد ظلَّ نسيم يعاني الخوف من الاعتقال، ثم الخوف من الموت تحت الأنقاض من دون أن يعرف له اسم أو هوية، الأمر الذي جعله يتصالح مع فكرة الموت لدرجة مرعبة.. فقد قرَّر أن يكتب نهايات عائلته بالموت، ويكتب نعياً لكل من يعرفه، فقد عودته النزاعات الطائفية والحرب التي حدثت عقب الثورة أن الموت هو النهاية الوحيدة لمن يعيش على أرض هذا الوطن.

أوراق نسيم رواية داخل الرواية

تنشأ علاقة صداقة بين سليمي ونسيم فيعطيها الأخير أوراق روايته الأخيرة لكي تقرأها، ومن هنا تبدأ ذروة الأحداث؛ فمن أول سطور الرواية التي تقرأها البطلة ووضعتها الكاتبة داخل الأحداث تحت عنوان "أوراق نسيم"، تشعر سليمي أن بطلة الرواية تشبهها، وأنه يكتب عنها، ما يشعر القارئ أيضاً أنه بصدد القراءة عن حكايتين مختلفتين، وهنا المفاجأة، فالحكاية واحدة بالرغم من إصرار الكاتبة على التنقل بين الحكايتين، لكن يظل هناك تشابه، بل تطابق بين الروايتين، وقد جعلت الكاتبة كلَّ حكاية تكمل تفاصيل الأخرى، حتى تصبح بناءً واحداً في النهاية.

برَّرت ونوس لجوءها إلى هذه الحيلة الفنية ووجود بطلتين في الرواية بقولها: "لأنهما نسخة واحدة، كما كل السوريين. تتشابه القصص والمصائر والمشاعر أمام الخوف المشترك الذي عاشوه. الخوف هو الأمر المشترك الوحيد الذي تقاسمه السوريون على اختلاف بيئاتهم وطوائفهم وخلفيّاتهم. ولم يكن "العيش المشترك" الذي فرضه النظام السوري كشعار كاذب إلا "الخوف المشترك".

مخاوف النساء في الحرب

بين واقع حياة البطلة وبين أوراق نسيم، التي لا تقل صدقاً عن الواقع رصدت الكاتبة مخاوف المرأة السورية تحت وطأة الحرب؛ كأن تعتاد المرأة غياب الرجل، أو كما كانت تشعر سليمي وتكرر طيلة الأحداث، أن حياتها بلا رجال.. ولم تقصد الكاتبة بهذه الكلمات العداء للرجل، لكنها أرادت أن تعبر عن دور الرجل خلال الحرب، فهو إما تابع للنظام وأحد رجال الجيش النظامي السوري أو يصبح ضد النظام فتتبعه المؤسسات الأمنية بالقتل أو الاعتقال وبالتالي تفقده المرأة بطريقة أو بأخرى.

كما استطاعت الكاتبة من خلال ذكريات سليمي عن طفولتها أن ترصد الواقع الاجتماعي السوري، وترصد الفوارق الطبقية بين أبناء الطبقة الحاكمة وأبناء العامة، بالإضافة إلى الخلافات المذهبية بين أهل السنة والعلويين.

لعنة قوة الذاكرة

تكمن معاناة سليمي بطلة الرواية في قوة ذاكرتها؛ فهي لا تستطيع أن تنسى الحكايات والتفاصيل التي عايشتها، الأمر الذي يحول حياتها إلى جحيم.. فقد أصبحت صور "مذبحة حماة" وصور الحرب والدمار التي لا تزال مستمرة جزءاً من ذاكرتها، بالإضافة إلى أن تلك الذاكرة تتدفق بالعديد من الشخصيات المتكررة بالملامح نفسها، بين واقع البطلة وبين أوراق نسيم، الأمر الذي قد يشعر القارئ بصعوبة في السرد والارتباك والتخبط أيضاً. لكن هذا التخبط  يبرز الحالة النفسية التي ترصدها الكاتبة لشخصيات ما زالت تعيش تحت القصف يومياً.

وعن أزمة الذاكرة ولعنتها قالت ونوس: "الذاكرة مؤلمة حقاً. ترخي ظلالها على الحاضر، تتراكم وتفيض وتشلّ القدرة على ابتداع يوم طبيعي وهادئ. ذاكرة الشعوب في بلدان متحضّرة وديمقراطية، تدوّن، تسجّل، تصوّر في أفلام، تُجمع في مراكز الأبحاث. بينما في بلداننا، ممنوع لتلك الذاكرة أن تخرج إلى أبعد من جدران البيت. حتى لجدران البيت "آذان" في مدننا. تلك الذاكرة الصعبة، حبيسة الروح كانت. لا نلفظها خوفاً على أنفسنا من اختبارها مرتين، خوفاً على من نحبّ من أذى قد تسبّبه، خوفاً من الخوف أيضاً! كلما تراكمت أكثر، عصية عن البوح، كلّما تعاظم إحساسنا بثقلها، نحملها على أكتافنا ونسير بها. أجساد السوريين مبلّلة بتلك الذاكرة. حتى لغة أجسادهم كانت طوال عقود ثقيلة ومرتبكة".

رواية اللامكان لكل الأمكنة

ذكرت الكاتبة أكثر من بلدة ومدينة سورية، لكنها لم تتوقف أمام جغرافيا المكان بدقة الوصف أو رواية تاريخه الذي يمثل ذاكرة للمجتمع السوري، وليس هناك خير من الأعمال الروائية حافظاً لتلك الذاكرة.. تجاهلت الكاتبة هذا الجزء بالرغم من تأكيدها طوال الأحداث على أن الانتماء ليس بالاسم والهوية، بل بالذكريات، لذلك لا بد أن نذكر أن المكان جزء أصيل من الذكرى ولا تستطيع أن تتشكل بدونه.

لم تتوقف الكاتبة بالتحليل والذكر عند الأحداث السياسية والدموية التي تعرَّضت لها سوريا، حتى مذبحة حماة أشارت إليها بالاسم فقط؛ فالقارئ يستطيع البحث والقراءة عنها عبر محركات البحث، كذلك الأمر بالنسبة للثورة وما تبعها من أحداث. وإنما اقتصر اهتمامها على أثر تلك الأحداث في الأبطال؛ فقد فرضت عليهم الحرب مخاوف كثيرة ومختلفة عن  تلك التي يعرفها الناس.. ففي الحياة العادية نخشى المرض خوفاً من الضعف وربما الموت، ولكن في الحرب يخشى أبطالنا المرض لأنهم لا يملكون مشفى لعلاج مرضاهم، ويخشون الموت خوفاً من ألا يستطيعوا دفن موتاهم، ويخافون الإحساس بالضعف ولو للحظة واحدة تؤدي بهم إلى محاولة الرحيل كغيرهم، خوفاً من فقدان أسرهم الصغيرة… هذه الحسابات تحولهم إلى شخصيات تخاف من الخوف نفسه، ومن هنا يأتي عنوان الرواية الخائفون.

تظل الأحداث والشخصيات في تشابك، ويتساءل القارئ من صاحب أوراق نسيم؟! وهل سليمي شخصية واحدة أم شخصيتان؟ وباقي شخصيات الرواية من خيال سليمي أم من واقعها؟

أسئلة عديدة طرحتها الكاتبة من خلال الأحداث، لكنها تحدد حقيقة واحدة، وهي أن خيال الكاتب لا يأتي من الفراغ؛ فهو وليد ما عايشه وما يحياه كل يوم. وفي الحرب خيال الكاتب هو اليقين، فمعاناة الأبطال واحدة، ونهايتهم متكررة ومتشابهة.

 لم تضع الكاتبة نهايةً محددة للأحداث، وهي نهاية  تليق بالوضع الحالي، فما زال الشعب السوري يعاني ويلات الحرب والدمار، لذلك تركت الكاتبة النهاية  مفتوحة للمستقبل يراها القارئ وتراها معه.

عدد صفحات الرواية: 176 صفحة

الرواية متوفرة pdf

 ديمة ونوس كاتبة سورية ولدت في العام 1982، وهي ابنة الكاتب المسرحي  السوري الراحل سعد الله ونوس، عملت مذيعة في برنامج "أضواء المدينة" في قناة تلفزيون المشرق السورية، ولها العديد من المقالات في جريدة السفير والأخبار اللبنانيتين.

من أهم أعمالها مجموعة قصصية بعنوان" تفاصيل"، ورواية بعنوان "كرسي".

علامات:
تحميل المزيد