أسعار خيالية للظهور في الفضائيات اللبنانية.. المرشحون الأغنياء إلى التلفزيون، أما الفقراء فعلى شبكات التواصل الاجتماعي

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/25 الساعة 08:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/25 الساعة 08:30 بتوقيت غرينتش
Posters with Lebanese parliament candidates are seen on a building in Beirut, Lebanon April 23, 2018. REUTERS/ Mohamed Azakir

أسعار خيالية للدعاية الانتخابية في سبيل الظهور في الإعلام اللبناني، فمثلاً يكلف الخروج على الهواء مباشرة للدقيقة الواحدة 6 آلاف دولار أميركي، و240 ألفاً للحلول كضيف برنامج حواري، أما الحزمة الدعائية الكاملة فقد تصل إلى 1,5 مليون دولار… هذه عينة من الأسعار التي حدَّدتها وسائل الإعلام اللبنانية للمرشحين في الانتخابات النيابية.

تحرم هذه الأسعار المرشحين المستقلين وغير المقتدرين مادياً من ظهور إعلامي عادل، مقارنة مع مرشحي الأحزاب الكبرى والزعماء الأثرياء ورجال الأعمال والمُمولين الذين ينفقون ملايين الدولارات على حملاتهم الانتخابية.

وتقول رولا مخايل، مديرة مؤسسة مهارات، وهي منظمة تعنى بقضايا الإعلام وترصد الانتخابات "قبل شهر ونصف الشهر، كانت دقيقة الظهور في البرامج الصباحية للمرشح تساوي ألف دولار، واليوم ترتفع الأسعار تدريجياً" مع اقتراب موعد الانتخابات، في السادس من مايو/أيار 2018.

موسم عمل للإعلام اللبناني

وتصل كلفة الدقيقة حالياً في بعض قنوات التلفزة الخاصة إلى 6 آلاف دولار، فيما يتعيَّن على المرشح دفع 3 آلاف دولار مقابل مداخلة لمدة ربع ساعة على المحطات الإذاعية، وفق مخايل.

وحصلت "مهارات" على لائحة طويلة بالأسعار من أشخاص يعملون في الحملات الانتخابية للمرشحين الذين تلقوا عروضاً من وسائل الإعلام.

وتضيف "إنه موسم انتخابي استبشرت به المؤسسات الإعلامية اللبنانية خيراً، لتقدم عروضاً تصل إلى 1,5 مليون دولار".

ولطالما شكَّلت الانتخابات مصدرَ تمويل رئيسياً لوسائل الإعلام اللبنانية، المعروفة باعتمادها على المال السياسي، وتبعيتها للأحزاب والفرقاء السياسيين المختلفين.

وتعيش الصحافة اللبنانية منذ سنوات أزمة جرّاء الجمود الذي طبع المشهد السياسي منذ العام 2011، مع اندلاع النزاع في سوريا المجاورة، وتراجع التمويل الداخلي والعربي.

وهذه الانتخابات هي الأولى منذ العام 2009، بعدما مدَّد المجلس الحالي ولايته ثلاث مرات، جرَّاء توترات أمنية وسياسية قبل التوصل إلى تسوية نهاية 2016، تم على أساسها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

مَن يمتلك المال يحكم

وبرغم انقسام وسائل الإعلام بين الفرقاء السياسيين، تبقى بعض القنوات منفتحة على غالبية التيارات السياسية، ما يرفع كلفة الظهور عبر شاشاتها.

وترى مخايل أن "المتمول هو الوحيد القادر على الوصول إلى السلطة في لبنان، ووحده لديه الحق والقدرة على الظهور الإعلامي".

وقدَّمت وسائل الإعلام اللبنانية لهيئة الإشراف على الانتخابات، المكلفة بمراقبة الإعلان الانتخابي وإنفاق المرشحين، لوائح أسعار لما يُعرف بـ"الإعلان الانتخابي"، لكن يبدو أنها لم تلتزم بها.

وتشير مخايل إلى أن وسائل الإعلام تُحجم عن إرسال عروض مكتوبة إلى المرشحين، خشية ملاحقتها من الهيئة. وغالباً ما "يتم تداول الأرقام شفهياً".

تلفزيون الفقراء

ووفقاً للقانون، فإن تلفزيون لبنان الرسمي وحده المخوّل استضافة مرشحين من دون مقابل، وهو ما يعطي مساحةً للائحة طويلة من المرشحين الذين لا يجدون سبيلاً للوصول إلى وسائل الإعلام الخاصة. لكن تلفزيون لبنان لا يمنحهم حكماً جمهوراً واسعاً، إذ إنه بين الشاشات الأقل جذباً للمشاهدين.

ويقول رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات، القاضي المتقاعد نديم عبدالملك "ليس لدى الهيئة أي علم بمثل هذه الأموال الطائلة" التي تطلبها وسائل الإعلام.

ويقر بأن "وسائل الإعلام لا تلتزم بالقانون، لناحية أن تذكر عندما تقوم بأي إعلان انتخابي أنه مدفوع الأجر، وما الجهة التي طلبته منها، كما لا تلتزم بصورة عامة بتقديم التقرير الأسبوعي للهيئة حول إعلاناتها".

وقد تأخَّر تشكيل هيئة الإشراف، فلم تتمكَّن منذ البداية من رصد مخالفات المرشحين والإعلام. واستقالت منها في 20 أبريل/نيسان، الممثلة الوحيدة عن المجتمع المدني لأسباب عدة، بينها عدم توفر الموارد اللازمة، وعدم قدرة الهيئة "على مراقبة لا الإعلام ولا الإعلان ولا الإنفاق" الانتخابي.

في مقرِّ هيئة الإشراف على الانتخابات في بيروت، ينهمك 25 موظفاً يومياً في مراقبة وسائل الإعلام، وتضع إحداهنَّ صحيفة أمامها وتقرأها بتمعّن. وتُسجل أخريات، على غرار منال عز الدين (34 عاماً)، على جداول أمامهنَّ توقيت ظهور المرشح على التلفزيونات والإذاعات، والمدة المخصصة له، والمخالفات.

وتقول عز الدين لفرانس برس "نلاحظ كمراقبين أن الوسيلة الإعلامية تستقبل ضيفاً أكثر من غيره، بحسب خطِّه (السياسي)، ويتكرَّر استقبالها له"، مضيفة "هناك مرشحون لا تسمع بهم ولا تراهم لأنهم لا يحظون بأي ظهور إعلامي".

التوجه نحو شبكات التواصل الاجتماعي كحلٍّ

تختلف الانتخابات الحالية عن سابقاتها بإقرار النظام النسبي في قانون الانتخاب، ما قد يتيح لناشطي المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة الوصول إلى البرلمان في حال نيلهم حداً معيناً من أصوات الناخبين.

لكن المبالغ الكبيرة التي تطلبها وسائل الإعلام تحول دون ظهور هؤلاء على وسائل الإعلام التقليدية، ما يجعلهم يركزون على شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وإنستغرام، لعرض برامجهم.

وتقول لوري حيطايان، المرشحة المستقلة على لائحة "كلنا وطني" في بيروت، "هناك صعوبة في أن نجد تلفزيونات أو إذاعات أو صحفاً تضيء على الوجوه الجديدة".

وتوضح "ليست لدينا أموال طائلة، من يستطيع اليوم أن يدفع 20 ألف دولار مقابل نصف ساعة فقط؟ من غير المتمكنين، أي السلطة والأحزاب التقليدية التي نعرفها منذ سنوات؟".

وتضيف "لا يمكن للانتخابات أن تكون للأغنياء فقط".

ويركز مرشحو المجتمع المدني اهتمامهم على جيل جديد من الشباب ينتخب للمرة الأولى، وفق حيطايان، و"يحصل على معلوماته عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

ويقول رائد عطايا، المرشح عن لائحة تجمع بين الحزب الشيوعي وشخصيات محلية في جنوب لبنان "حين أعلنا اللائحة، نقلنا مباشرة على صفحاتنا على فيسبوك، ولم تأت أي وسيلة إعلامية" للتغطية.

ويضيف "لا عدالة أبداً، نحن نواجه حيتان المال ورأس السلطة والفساد".

علامات:
تحميل المزيد