هذا المصارع الأفغاني البطل كان يحمل المصابين بعد كل تفجير رغم إصابته.. ولكن الآن اختلفت الحكاية

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/24 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/24 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش

كان مصارعاً متقاعداً حاز على ميداليات كثيرة، اعتمد على قوة عضلاته في ساحات التفجيرات، فكلما وقع حادث كان من أوائل الواصلين للمساعدة بإجلاء المصابين على كتفيه، إلا في الحادث الذي وقع الأحد 22 أبريل/ نيسان.

ففي اليوم "الكئيب" هذا حيث قتل تفجيرٌ انتحاري 60 شخصاً على الأقل، وجرح أكثر من 120 آخرين، قتل أيضاً المصارع، وكيل حسين اللحداد.

ففي خارج أحد مكاتب تسجيل الناخبين بالعاصمة الأفغانية كابول حيث التفجير، لم يتمكن المصارع من المساعدة، فقد كان من بين القتلى.

وفاته المصارع كانت قاسية للغاية.

كان آخر ما كتبه وكيل، الأب لولدين وبنتين، بعد هجومٍ في يونيو/حزيران الماضي، منشوراً  قال فيه: "أشفق على الأب والأم اللذين ينتظران عودة أطفالهما إلى المنزل. آمل أن تنتهي تلك المآسي، لأنَّ هذا البلد لم يعد يسعه تحمُّل المزيد من المآسي الدموية مثل هذه".

هكذا مات المصارع البطل

حين فجَّر الانتحاري نفسه، كان وكيل (33 عاماً) يزور متجراً في الجهة المقابلة لمكتب تسجيل الناخبين، حيث كان ثلاثة صبية مُتدرِّبون يُصوِّرون الوثائق لقاء مقابلٍ زهيد. قُتِل اثنان منهم، وكان الثالث يصارع من أجل الحياة في المستشفى الإثنين 23 إبريل/ نيسان.

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن التفجير، الذي كان معظم ضحاياه أفراداً ينتمون إلى الأقلية الشيعية الأفغانية. وقال داعش، إنَّه مسؤول عن كل الهجمات تقريباً ضد الشيعة الأفغان في السنوات الأخيرة.

لكن الكثير من المسؤولين الأفغان والأميركيين يقولون إنَّه يوجد في كثير من الأحيان تداخل بين الشبكات المُساعِدة المُستخدَمة في الهجمات المدنية التي يتبناها داعش في السنوات الأخيرة، وتلك التي تستخدمها العناصر بحركة طالبان، خصوصاً شبكة حقاني، التي لها تاريخ طويل في الهجمات المدنية المُميتة حتى قبل ظهور داعش.

وفي موطئ القدم الصغير الذي يحتفظ به داعش شرقي أفغانستان، يقوم بأعمال عنف. ففي منطقة شابرهار بولاية ننغرهار، قال المسؤولون إنَّ ثلاثة أشقاء قضوا على يد التنظيم، الأحد الماضي. وكان والدهم، وهو طبيب، قد قُتِل على يد داعش أيضاً العام الماضي 2017.

ومع تزايد الهجمات التي تُخلِّف أعداداً كبيرة من الضحايا في كابول، أصبحت هذه الولاية أكثر الولايات دموية بالنسبة للمدنيين، مُتجاوِزةً المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها طالبان، حيث تحمَّل السكان المحليون طويلاً وطأة الحرب التي دخلت الآن عامها السابع عشر. وبحسب الأمم المتحدة، قُتِل العام الماضي نحو 500 مدني في هجماتٍ بالمدينة، وأُصيب أكثر من 1350 آخرين.

وفي حين حوَّل العنف الحياة في كابول إلى لعبة حظ، أصبحت مؤخراً حظوظ الشيعة أمثال وكيل أسوأ.

كان رجلاً مسكيناً

المصارع الذي يقع منزله في طريقٍ مزدحم بحيٍّ في غربي كابول.يوجد على كل عمود بالشارع صورة لضحية سقط في هجومٍ ما.

قال والده، حسين اللحداد، الذي كان يمسح دموعه بمنديل أبيض: "كان ابني رجلاً مسكيناً وحسب، يحاول كسب قوته من أجل أطفاله".

ومع وصول المُعزِّين صباح الإثنين لتقديم التعازي، كان أحدهم يقرأ آية من القرآن قبل أن يرفَع كفيه بالدعاء. واتكأ الأب بظهره على الحائط وأغلق عينيه.

اعتذر كثيرٌ من المعزِّين لحضورهم في وقتٍ متأخرٍ، إذ كانوا مشغولين بجنازات وعمليات دفن أخرى. كان لأحدهم ابن عم قُتِل في التفجير، وآخر توفي صهره، وثالث قُتِل جاره.

حاول المُعزّون مواساة الوالد بالتأكيد على أن ابنه كان في نظر الشيعة شهيداً ضحَّى بحياته لأجل قضية نبيلة.

قال أحدهم الذي كان يمشي بعرجٍ: "لا يحصل الجميع على منزلة الشهيد".

وقال آخر: "نعم، من حسن حظه أنَّه أصبح شهيداً. أما أنه تركنا نحترق هنا- إنه أمرٌ منفصل".

هو القائد بالنسبة للكثيرين

في غربي كابول، حيث يعيش كثيرٌ من الشيعة، كان لوكيل حضورٌ كبير، ليس فقط من أجل شهرته كمصارع، بل أيضاً باعتباره مدافعاً عن مجتمع يزداد ضعفاً. وبدأ بعض الشباب الشيعة في حمل الأسلحة في التجمعات الدينية، إذ لا يثقون في السلطات بعد الآن لحمايتهم، وكانوا ينظرون إلى وكيل باعتباره قائداً.

قال شير جان أحمدي، نائب رئيس اتحاد المصارعة في أفغانستان: "لقد كان تلميذي لـ20 عاماً، بدأ المصارعة عندما كان في الثالثة عشرة من عمره".

جمع وكيل العديد من الجوائز على مدار مسيرته المهنية في المصارعة، وتُزيَّن الميداليات حوائط منزله ومكتبه. وفاز بالبطولات المحلية حين كان مراهقاً، وفي شبابه هيمن على فئته من وزن 214 باونداً (97 كغم). وفاز بالميدالية الفضية في إحدى البطولات الدولية الأخيرة التي شارك فيها ونُظِّمت في باكستان.  

حين اعتزل المنافسة بعدما مزّق عضلة ساقه قبل أربعة أعوام، لم يستطع الانفصال عن الرياضة كلياً، وبدأ التدريب في نادي مصارعة محلي، إذ يصل 150 متدرباً يومياً للتدريب في الساعة السادسة صباحاً.

وشارك عبر حسابه الشخصي على فيسبوك مقطعاً روسياً ساخراً؛ فيديو لسيدةٍ عجوز تسرع إلى بساط المصارعة لضرب مصارع  كان يثني رقبة ابنها أثناء مباراة جمعتهما.

وعمل أيضاً في تجارة الأواني الفخارية

كان لدى وكيل أيضاً طموحٌ في مجال الأعمال، وبدأ بتجارةٍ صغيرةٍ في الأواني الفخارية، ثم توسَّع إلى وكالة سفر تخصصت في نقل الحجاج إلى مكة في السعودية، ونقل الشيعة إلى مدينة كربلاء في جنوبي العراق. وقدم رحلات مجانية لأفضل طلاب المصارعة لديه.

مع تسارع الهجمات على دور العبادة الشيعة في أفغانستان، وجد المصارع السابق أن هناك حاجة أكثر إلحاحاً لقواه الجسمانية. وأصبح متطوعاً للاستجابة لحالات الطوارئ، وغالباً ما كان ضمن أوائل من يصلون إلى موقع الحادث.

عندما اقتحم انتحاريون مسلحون ببنادق وقنابل يدوية أكبر مزار شيعي في كابول قبل عامين، التقط مصورٌ صورةً لوكيل وهو يحمل فتاة جريحة. كانت ملابسه المزخرفة غارقة بالدماء، وعيناه حمراوين من الدموع والدخان.

وحين تعرَّض مسجد آخر لهجوم، في يونيو/حزيران الماضي، أظهر مقطع فيديو التُقط عبر الهاتف وكيل يُسرع حاملاً على كَتِفه رجلاً بمنتصف عمره ملطخاً بالدماء ليضعه في سيارة شرطة. وبعدما جلس على الأرض وهو مغطَّى بالدماء مرة أخرى قال إنَّه ربما خلع عظام ردفه، ثم انحنى شخصٌ لمساعدته.

وسأله الشخص: "هل أنت على ما يُرام؟".

وأجاب وكيل بينما كان يقف على قدميه ويسرع عائداً إلى الدخان المتصاعد من المسجد: "نعم، أنا بخير".

في وقتٍ متأخرٍ من مساء الأحد الماضي، اجتمع مئات المشيعين في مقبرةٍ عائلية مُحاطة بالأسوار، حيث زرع وكيل واثنان من أقربائه قبل أسبوعين الأشجار للترحيب بالربيع، حُمِّل جسده من سيارة إسعاف وبعد صلاة  قصيرة وُريَ التراب في قبره.

قبل أيامٍ قليلة من مقتله، كان وكيل قد أعرب لأخٍ أكبر منه يُدعى غلام سخي عن مدى التعب الذي كان يشعر به قائلاً: "لثلاثة أشهر أو ستة أريد الذهاب إلى مكان وألا أسمع أي شيء".