شوارع سنية وأخرى شيعية، قنوات ري سنية وأخرى شيعية.. الجروح التي لن تندمل في يثرب  

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/24 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/24 الساعة 10:43 بتوقيت غرينتش

لا تزال الحواجز والأراضي المحرمة المتفحمة تقسم العائلات السنية والشيعية في بلدة يثرب، حتى بعد عملية مصالحة استمرَّت لثلاث سنوات، وكان يقصد بها تضميد جراح المجتمع الذي مزَّقته الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ويخطط المسؤولون لتقسيم الطرق وقنوات الري، بل ويحشدون لتقسيم إدارة المقاطعة الزراعية النائية إلى قسمين، بحسب تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.

وبالرغم من أن المعركة الحامية لإخراج داعش من الأراضي العراقية قد أحرزت نصراً بقدر كبير، فإن قصة يثرب تُظهِر كيف يمكن أن تكون عملية المصالحة شاقة وبعيدة المنال.

قبائل يثرب تسعى للانتقام لقتلاها

تصف الصحيفة البريطانية يثرب بأنها ليست مقعدة، فهي ليست بالمدينة الكبيرة التي هدمت فيها أحياء عمرانية واسعة في المعارك التي استمرَّت لشهور، كما حدث في الموصل أو الرمادي؛ كما أنها ليست منطقة معقدة ديمغرافياً، ولا بد من عقد مصالحة بين سكانها.

ومع ذلك، فقد أنفقت ملايين الدولارات لإحراز السلام فيها، وتجول عشرات المسؤولين العراقيين والوسطاء والجهات التابعة للأمم المتحدة، بل وحتى الميليشيات المحلية بين قبائل يثرب المنقسمة لسنوات.

غير أن مزارعين مثل قاسم السعدي لا يزالون يتخبَّطون بين سلام قيل لهم إن عليهم قبوله، وبين رغبة ملحة في الثأر من جيرانهم الذين يعتقدون أنهم انضموا إلى داعش حين غزت الجماعة السنية أرضهم.

ويقول السعدي، وهو يجوب وسط ركام ما كان منزل عائلته، وحقل النخيل المحترق خاصته: "تريد منا الحكومة وشيوخنا أن نستعيد هؤلاء الناس إلى صفوفنا، وهذا واجبهم هم"، ويضيف: "آهٍ لو عرفت مَن فعل هذا بمنازلنا، ومن قتل أعمامنا وأخوالنا وإخوتنا وأبناء عمومتنا؛ لشربت من دمه".

تقول الصحيفة البريطانية، إن تحقيق التعافي للمجتمع العراقي، الذي مزَّقته عشرات الوفيات في صفوف أبنائه، والدمار الشامل الذي لحق به من أصعب التحديات التي تنتظر العراق حين تتسلم الحكومة القادمة عملها، بعد انتخابات مايو/أيار المقبل.

ويعد تحقيق المصالحة أمراً ضرورياً لضمان عودة حوالي 2.2 مليون نازح أخرجوا بفعل المعارك، ومن بينهم آلافٌ تربطهم صلات عائلية بالمسلحين. غير أنه في يثرب، كغيرها من المناطق، غالباً ما يعيق السكان المحليون عودة العائلات ذات الصلة بالمسلحين.

الانقسام الطائفي داخل نفس القبيلة

وتقر المنظمات الإغاثية والقوى الغربية جميعاً بأهمية رأب الصدع الحادث في المجتمع العراقي، غير أن القليل فقط من هذه الجهات أبدى استعداداً للتعاون مع بغداد لحلِّ هذا الإشكال. وتشعر هذه الجهات بالقلق من أن بعض الطرق التي تتبعها الحكومة، مثل جمع أقارب مسلحي داعش في مخيمات نزوح، وإجبار العائلات الأخرى على العودة إلى منازلهم قبل أن يشعروا باطمئنان كامل لهذا القرار، ربما تشكل خرقاً للقانون الدولي، وتشكل طريقاً قصيراً لخلق موجة أخرى من الراديكالية. وهذا يضع الكثير من العمل على كاهل منظمات المجتمع المدني والقبائل والسياسيين من ذوي المصالح المتضاربة.

ويقول أحد الدبلوماسيين: "هذا أمرٌ ملح. ومشاهدة المجموعات تحاول المساعدة يمنح المرء شعوراً يشبه شعور مشاهدة الناس يعيدون ترتيب الكراسي على ظهر سفينة تايتانك". ومن بين الإشكالات التي تزيد من تعقيد المصالحة في يثرب هو أنها تتألف من شيعة، وهم الطائفة المهيمنة على العراق، وسنة، ومن هذه الطائفة ينحدر تنظيم داعش. ومعظم مجتمعات يثرب تنتمي إلى نفس القبيلة، ويرى السكان المحليون أن هذا الأمر يجعل التئام جروح المدينة أكثر صعوبة.

ويقول حارث خلف، الذي يتولَّى رئاسة حي يثرب: "المشكلات التي تظهر داخل القبيلة أكثر صعوبة في الحل من المشكلات بين القبائل المختلفة. ألا تشعر بغبن أكثر حين يهاجمك ابن عمك مقارنة بهجوم الغريب عليك في الشارع؟".

قصة يثرب التي استباحتها داعش

حين اجتاح تنظيم داعش العراق عام 2014، عقدت طوائف يثرب التي تعايشت مع بعضها لعقود العزم على المقاومة في بادئ الأمر. غير أن المناطق السنية سرعان ما اكتسحها التنظيم بعد أن تعاون الكثير من أبنائها معه وانضموا إليه وفرضوا حصاراً على المناطق الشيعية.

وفي غضون شهور، ساعدت الميليشيا الشيعية سكان يثرب من الشيعة على إخراج التنظيم، ومعه ما يقرب من 60 ألف سني ممن تعايشوا، طوعاً أو كرهاً، مع حكم الجهاديين. ويلقي سكان المدينة من السنة باللائمة على الجيش العراقي لانسحابه وإفساحه المجال أمام داعش للاستيلاء على المدينة، ويقولون إنهم أيضاً شاهدوا أحبة لهم يخطفون ويقتلون.

غير أن رجال القبائل من الشيعة في يثرب أصرُّوا على تطبيق قوانين الثأر القبلية، وهي دفع الدية عن القتلى، والتعويض عن الممتلكات التالفة، ومصادرة الأراضي السنية، وطرد أقارب مقاتلي التنظيم. وسرعان ما تدخلت مجموعات المجتمع المدني ولجنة المصالحة الوطنية العراقية؛ مخافة أن يؤدي استخدام القوانين القبلية إلى خلق عداوات طويلة الأجل. فهي قوانين يمكنها أن تحل نزاعات عائلية، وفقاً للجهات المتدخلة، ولكنها تعجز عن تقرير مصير آلاف البشر.

بالمال.. الصلح خير

وعلى ذلك عقدت العديد من الاجتماعات مع شيوخ يثرب، ويقول أحد الوسطاء مازحاً إنه فقد القدرة على إحصاء عددها. وتدخّل الساسة المتعجلون للحصول على نتائج، مما زاد من تعقيد الأمور.

وفي عام 2015، حاول الحاكم السابق لمحافظة صلاح الدين، التي تقع فيها يثرب، أن يحل الأزمة بتخصيص 5 مليارات دينار (أي ما يعادل 3.36 مليون دولار) للضحايا الشيعة في يثرب. غير أن القبائل لم تحصل إلا على نسبة من المبلغ، وذهب بعضه إلى بلدات أخرى واختفى البعض الآخر كلياً.

وتُحاجِج القبائل بأن هذا المبلغ لا يعد تعويضاً قبلياً، واستمرت في عرقلة عودة النازحين السنة. وبعد عامٍ آخر من الاجتماعات، تولت ميليشيات عصائب أهل الحق الشيعية، التي تهيمن على يثرب، زمامَ الأمور.

وبحلول نهاية عام 2017، حاولوا فرض صفقة جديدة، تدفع بموجبها القبائل السنية مجتمعة 4 مليارات دينار عراقي على سبيل "الرضوى"، وهي تعويض قبلي يدفع على سبيل التعاطف وليس للتكفير عن ذنب.

وعاد ما يزيد على 30 ألف سني، غير أن العديد منهم وجد منزله مدمراً وحقوله متفحمة وفي حلقه غصةٌ من الصفقة. ويقول أحد الشيوخ السنة: "نحن ضحايا داعش مثلهم تماماً. ولكن بعد 3 سنوات من الانتظار دفعنا ما طُلب منا والسلام، وإلا لما كنا لنرجع أبداً".

ولا تزال الأرقام المحددة محل جدل، غير أن الوسطاء يعتقدون أن هناك من 15 ألفاً إلى 30 ألف سني كان ينبغي أن توفر لهم فرصة للرجوع.

صفقات قاسية أفضل من الموت

بل إن الشرط الأشد قسوة في الصفقة كان أن يذهب العائدون من السنة إلى المحكمة للتبرؤ من أقاربهم المتهمين بالانضمام إلى داعش. ويمكن أن تقدم العائلات المتلهفة إلى العودة على فعل ذلك دون أن تدرك أن هذا يعني وصم الشخص المتبرئ منها بأنه "إرهابي" في القانون العراقي، مما يجعل من السهل إعدامه، أو الاقتصاص منه بيد القبائل.

يقول أحد الوسطاء: "المصالحة لا تقتصر على تمكين الناس من العودة؛ فلو لم يتم هذا على نحو صحيح، فكل ما سنفعله أننا سنخلق مشكلات جديدة".

ويرى مسؤولون عراقيون أن الصفقات القبلية يمكن أن تكون قاسية، ولكن الحلول البديلة لها على نفس القدر من القسوة.

ويذكر أحد الوسطاء المدعومين من الحكومة حين ساعد أقارب تنظيم داعش على العودة إلى أماكنهم دون صفقة قبلية، فلم يكن إلا أن قتلت عائلة بأكملها، بمن فيها من أطفال، بعد أيامٍ معدودة.

ويقول هذا الوسيط: "ربما نكون ضد تلك التسويات القبلية، ولكن ليس أمامنا خيارٌ آخر". ويصر السيد يثرب على أن الجميع سيرجعون إلى يثرب يوماً ما، ولكن ذلك لن يحدث سوى بفرض ميليشيا محلية قوية تطبيق الصفقة، وسلمت للأعراف القبلية.

ويقول: "حين تتحلى الحكومة بالقوة تضعف القبلية؛ أما حين تضعف الحكومة، فتقوى شوكة القبيلة".

 

علامات:
تحميل المزيد