واشنطن بوست: السعودية ترمم آثار “الدرعية” لإعادة صياغة تاريخها وتغيير صورتها أمام العالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/21 الساعة 17:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/21 الساعة 18:12 بتوقيت غرينتش

خارج العاصمة السعودية الرياض، خرجت مجموعةٌ من أطفال المرحلة الابتدائية في رحلةٍ ميدانية في الدرعية، حيثُ ينهمك المهندسون وعمَّال البناء في ترميم قلعةٍ تعود للقرن السابع عشر، ومساجد، وبناياتٍ صلصالية اللون كانت يوماً مقر حُكم العائلة المالكة.

ويقع المكان المصنَّف من قبل منظمة اليونسكو، باعتباره موقعاً للتراث العالمي في رُقعةٍ قاحلة، وحسب تقرير صحيفة The Washington Post يُستبعد أن يُدرَج المكان على رأس قائمة أمنيات أيٍّ من عشَّاق السفر حول العالم، لكنَّ المملكة تأمل أن تبدِّل التصوَّرات المسبقة عنه، بينما تستعد لاستقبال حاملي التأشيرات السياحية والأفواج السياحية الدولية في وقتٍ لاحق من العالم الجاري.

تقع الدرعية كذلك في قلب مجهودات السعودية للتحكُّم بسردية ماضيها، من أجل الأجيال المستقبلية من السعوديين من جهة، وتجديد صورتها في أعين مسافري العالم الفضوليين من جهةٍ أخرى.

هنا تأسست أول سلالة حاكمة

الموقع مهم بشكلٍ خاص بالنسبة للعائلة الحاكمة، لأنَّ فيها تأسست أوَّل سلالة حاكمة سعودية في القرن الخامس عشر. ويرتبط المعمار فيها بقبائل نجد، تِلك المنطقة غير الساحلية الواقعة في قلب شبه الجزيرة العربية، التي تضم الآن الرياض والمدن المجاورة لها.

 

 وبالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وريث المملكة، البالغ من العمر 32 عاماً، فإنَّ الدرعية جزءٌ من مشروعٍ قومي ضخم يهدف لإصلاح اقتصاد البلاد، وجعله أكثر مرونة في وجه انخفاض أسعار النفط.

وقال ولي العهد السعودي، في مقابلة مع صحيفة أتلانتيك الأميركية، في 2 أبريل/نيسان الجاري، ليس هناك ما يسمى بالوهابية! نحن لا نؤمن بأن لدينا وهابية.

وعاد ليقول إن أسرتنا، قبل 600 سنة، أنشأت بلدة من الصفر تُسمى الدرعية، قبل إنشاء الدولة السعودية الأولى، ومن هذه البلدة انطلقت الدولة السعودية الأولى. وأصبحت الجزء الاقتصادي الأقوى في شبه الجزيرة.

 وأضاف كانت الفكرة دائماً هي أنك تحتاج إلى جميع العقول العظيمة في شبه الجزيرة العربية -الجنرالات وقادة القبائل والعلماء- الذين يعملون معاً، وكان أحدهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

وعاد الأمير الشاب ليقول "عندما يتحدث بعضكم عن الوهابية، فهم لا يعرفون بالضبط ما الذي يتحدثون عنه. أصبحت عائلة ابن عبدالوهاب (عائلة آل الشيخ) معروفة اليوم، ومثلها عشرات الآلاف من العائلات المهمة في السعودية اليوم.

ومع أنَّ السعودية قد تبدو وجهةً غير محتملة لقضاء العطلات، إلَّا أنَّها تفتخر بامتلاكها مناطق ازدهرت فيها يوماً ما مجتمعاتٌ مسيحية ويهودية قديمة، وقلاعٌ تاريخية، وساحلٌ بديع يطل على البحر الأحمر، وثقافةٌ متنوِّعة شكَّلتها التجارة القديمة وطُرُق الحج.

وتخطِّط السلطات السياحية السعودية لافتتاح 5 متاحف داخل مدينة الدرعية، ومركز أبحاث مُسمَّى تيمناً بالشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي يُشار لتعاليمه الإسلامية شديدة المحافظة العائدة للقرن الثامن عشر باسم "الوهَّابية" نسبةً لاسمه.

مركز بن عبدالوهاب "الوسطي"

وبحسب واشنطن بوست كان عبدالوهاب شخصيةً محورية في تأسيس الدولة السعودية الحالية، وساعد العائلة الحاكمة في التغلب على القبائل.

 وعمل رجلٌ من سلالة عبدالوهاب، يُدعى عبدالمجيد الشيخ، دليلاً سياحياً في الدرعية على مدار الاثني عشر عاماً الماضية. ويقول الشيخ إنَّ مركز الأبحاث سيكون مكاناً للباحثين والأكاديميين الإسلاميين، ليتعلَّموا مبادئ تعاليم عبدالوهاب، وكيف ساعد في توحيد القبائل المختلفة تحت راية الإسلام.

وفي عرضٍ قصير يُعرَض لزوار الدرعية، يُوصَف عبدالوهاب باعتباره قوةً وسطية، كشخصٍ أعاد إحياء تعاليم الإسلام الحقيقية، كما كُشِفت للنبي محمد منذ نحو 1400 عام.

ويزعم الكاتب ديفيد كومينز -وهو أستاذ في جامعة ديكنسون بنسلفانيا الأميركية والذي يوصف نفسه بأنه باحث متخصص في الإسلام في السعودية- أن تفسيرات عبدالوهاب للإسلام "تنص أنَّك إن لم تفعل كذا يجب قتلك، أنَّك بذلك تكون كافراً.

ويضيف ديفيد "لا غموض في هذا الجزء من كتاباته. أن يعيدوا الآن كتابة أسس عقيدة بن عبدالوهاب ليقولوا إنَّها غير ذلك، يعني أنَّ عليهم تحريرها بشكلٍ مكثَّف".

بالنسبة للزوَّار السعوديين، فإنَّ المركز قد يصبح طريقةً لإعادة تفسير تعاليم عبدالوهاب، بينما يدفع ولي العهد بإصلاحاتٍ اجتماعية من شأنها أن تقيِّد من تأثير الوهابية. وبالنسبة للأجانب، فإنَّها وسيلة تُقدِّم بها الحكومة روايتها الخاصة عن أحد أكثر شخصيات البلاد إثارةً للجدل.

وتقول ناتانا ديلونغ-باس، وهي أستاذة بكلية بوسطن ومؤلفة كتاب "Wahhabi Islam"، إنَّه ولأكثر من 10 أعوام حاول حكَّام المملكة خلق شعورٍ من "الوسطية والوطنية" بين المواطنين السعوديين.

وقال صلاح الطالب، وهو مسؤولٌ بالهيئة العامة للسياحة يُشرف على الاستثمارات في قطاع السياحة، إنَّ زيارة مواقع مثل الدرعية ستساعد الزوَّار في "تصحيح" الصورة التي قد تكون في مخيلتهم عن السعودية.

وقال: "بمجرَّد أن يأتوا هنا ويروا البلاد، أعتقد أنَّ أدبيات التسويق تخبرنا أنَّهم سيعودون ويخبرون عائلاتهم وأصدقاءهم وأقاربهم عن تجربتهم، ومن هنا سيبدأ الوضع بالتغيُّر".

 

 

 

تحميل المزيد