بسببها انهارت مفاوضات واشتعلت أزمات.. ما هي اتفاقية 1959 المثيرة للخلافات بين مصر والسودان حول مياه النيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/20 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/20 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش
Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi (R) and Sudanese President Omar Hassan al-Bashir meet ahead of the signing of a number of agreements between the two countries at the El-Thadiya presidential palace in Cairo, Egypt October 5, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh

أطلَّت "اتفاقية 1959" لتقسيم مياه النيل برأسها مجدداً في مفاوضات سد "النهضة" بين السودان، ومصر، وإثيوبيا، لتعيق بذلك مسار المفاوضات بين الدول الثلاث.  

وانهارت جولة المفاوضات بين هذه الدول، والتي انعقدت بالعاصمة السودانية (الخرطوم) في 5 أبريل/نيسان 2018؛ بسبب تحفظات إثيوبيا على إدخال اتفاقية 1959 في المباحثات، التي جاءت بعد انقطاع دامَ 5 أشهر، لتجمِّد مصر مشاركتها في التفاوض.

وحمّلت أديس أبابا القاهرة المسؤولية عن فشل اجتماع الخرطوم الثلاثي، حيث قال متحدث الخارجية الإثيوبية، ملس ألم، إن "سبب فشل المفاوضات هو عدم جدية، وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحه اتفاقية 1959 في المفاوضات".

وفي 12 أبريل/نيسان 2018، رفضت مصر هذه الاتهامات، وأكدت أنها "شاركت في الاجتماع بالخرطوم بروح إيجابية ورغبة جادة في التوصل إلى اتفاق"، بحسب ما ذكره المتحدث الرسمي باسم الخارجية أحمد أبو زيد.

وتنص اتفاقية 1959 على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً، بينما يمنح السودان 18.5 مليار متر مكعب.

تبدُّل المواقف

ولم تكن جولة المفاوضات التي عُقدت الشهر الجاري (أبريل/نيسان 2018)، هي الأولى التي يتم التطرق فيها إلى اتفاقية تقسيم المياه بين السودان ومصر، المعروفة باتفاقية 1959، حيث نوقشت في جولات التفاوض المتعددة. لكن مواقف الدول تتبدل حسب المرحلة التي تدخل فيها الاتفاقية في المفاوضات.

ورغم أن إثيوبيا ليست طرفاً في الاتفاقية، فإنها لم تتحفظ في الجولة السابقة، عليها، بينما جاء التحفظ من الجانب المصري.

وتقدَّم السودان في جولة المفاوضات التي عُقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بالقاهرة، بمقترح لمعالجة الخلاف حول التقرير الاستهلالي لدراسات سد "النهضة"، والذي يحوي دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي المتعلقة بالسد، وفترة ملئه وتشغيله.

وانحصر مقترح الخرطوم آنذاك، وفق وزير الري السوداني معتز موسى، في 3 نقاط، قدم السودان بشأنها مقترحاً متكاملاً لمعالجتها، لدفع المفاوضات قدماً.

وتتضمن؛ أولاً: "حق الدول الثلاث مجتمعةً، في مخاطبة (المكتب) الاستشاري، واستيضاحه حول مرجعية بعض النقاط الواردة في التقرير الاستهلالي.

ثانياً: اعتماد اتفاقية 1959 كخط الأساس، لتحديد آثار السد على دولتي المصب السودان ومصر.

والنقطة الأخيرة: أي بيانات تُستخدم في الدراسة، لا تمنح أي حق جديد للمياه لأي دولة، ولا تحرمها حقاً باتفاقيات قائمة لتقسيم المياه، وإنما هي لأغراض الدراسة فقط".

وجدت المقترحات القبول والترحيب من دولة إثيوبيا في حين رفضتها مصر، بما فيها اعتماد الحقوق المائية للسودان وفق اتفاقية 1959، وذلك وفق الوزير السوداني معتز موسى. وعلى أثرها علقت مصر مشاركتها في المفاوضات.

حقوق تاريخية

وظاهرياً، يبدو الخلاف حول بناء سد "النهضة" على مسائل فنية بحتة، حيث بدأت تحذيرات من خبراء مصريين من أن المنطقة التي سيقام عليها السد والتي تبعد نحو 20 كيلومتراً من الحدود السودانية، منطقة زلازل، ما يجعل السد عرضة للانهيار.

وجاء إعلان إثيوبيا بناء سد النهضة في أبريل/نيسان 2011، في وقت تخشى فيه دولتا مصر والسودان من تقلُّص حصصهما التاريخية في المياه عقب توقيع غالبية دول حوض النيل الـ11 على اتفاقية "عنتيبي"، حيث علَّق السودان ومصر عضويتهما في المبادرة.

وتنص اتفاقية "عنتيبي" الموقَّع إطارها عام 2010، على أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الانتفاع المنصف والمعقول من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل.

ويضم حوض نهر النيل دول: "إريتريا، وأوغندا، وإثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، ومصر، والكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وتنزانيا، ورواندا، وكينيا".

وقال أستاذ العلوم السياسية حسن قاسم السيد، إن "أزمة سد النهضة مرتبطة باتفاقية تقسيم مياه النيل، لكن ذلك التخوف كان مكتوماً فترة طويلة من قِبل المسؤولين السودانيين والمصريين".

وأضاف في حديثه لوكالة الأناضول: "كل ما يدور من حديث عن انهيار السد أو النوايا الخفية من الجانب الإثيوبي عن تقليص حصص المياه- ما هو إلا تكتيك تفاوضي".

حجم استهلاك السودان

ويرى كثير من المراقبين السودانيين أن تخوّف الجانب المصري من بناء سد "النهضة" يعود إلى خشيتها من توقف الانتفاع بالسلفة المائية التي تأتيها من السودان، ونسبة المياه التي يفشل في استخدامها.

ولم يكن معلوماً في السابق حجم المياه التي يستغلها السودان من حصته البالغة 18.5 مليار متر مكعب، حتى أنهي وزير الري والموارد المائية السوداني، كمال علي، في أغسطس/آب 2011، حالة عدم المعرفة التي كانت سائدة بإعلانه حجم استهلاك بلاده.

وقال آنذاك: "لدينا خطة لاستغلال حصتنا كاملة من مياه النيل، قد نكون تأخرنا في استغلال الحصة بالكامل، حيث يصل إجمالي ما يسحبه السودان من مياه النيل نحو 12 مليار متر مكعب".

سلفة مائية

وقد يبدو إعلان السودان حجم استهلاك حصته من المياه عادياً في ذلك التوقيت، حيث أعلن فيه مسؤول حكومي الرغبة في استغلال حصتها من المياه.

لكن، إذا ما تم توضيح إنه جاء بعد 4 أشهر فقط من إعلان إثيوبيا إنشاء سد "النهضة"، ربما يكون في ذلك رسالة ضمنية للجانب المصري بأن ما قدره 6.5 مليار كانت تأتيها وفق سلفة مائية أُقرت باتفاقية تقسيم مياه النيل في 1959، وأخرى فائضة عن الحاجة قد تتوقف.

وينص الملحق الأول لاتفاقية 1959، الخاص بالسلفة المائية، "على أن يمنح السودانُ مصرَ سلفة مائية لا تزيد على مليار ونصف من نصيبها، بحيث ينتهي استخدام هذه السلفة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977".

وكان المستشار القانوني للمياه بالإدارة القانونية للبنك الدولي، خبير المياه السوداني، سلمان محمد أحمد، قال في تصريحات سابقة: "لم تحدد الاتفاقية وقت سداد السلفة المائية، ولا طريقة سدادها، ولم تتطرّق إلى ما سينشأ في حالة فشل مصر أو تأخرها في سدادها".

وفرّق الخبير أحمد "بين السلفة المائية المنصوص عليها وفق الاتفاقية، والحصة التي فشل السودان في استخدامها".

وأشار إلى أن اكتمال بناء سد "النهضة"، سيعمل على تنظيم انسياب نهر النيل الأزرق (الرافد الرئيس لنهر النيل) طوال العام، بما يمكّن السودان من زراعة 3 دورات زراعية؛ بدلاً من زراعته دورة واحدة كما هو الحال الآن، ويقود إلى استغلال كامل للحصة.

وبذلك، يتوقف عبور 6.5 مليار متر مكعب سنوياً إلى مصر من نصيب السودان والتي ظلت تتلقاها منذ توقيع الاتفاقية.

وأوضح سلمان أن "ما فشل السودان في استخدامه من مياه النيل خلال الـ55 عاماً الماضية يبلغ نحو 350 مليار متر مكعب".

وتساءل قائلاً: "إذا نجح السودان في استخدام نصيبه البالغ 18.5 مليار متر مكعب، فهل سيطالب بأن تعيد مصر السلفة المائية التي أخذتها بمقتضى اتفاقية مياه النيل، والبالغة قرابة 350 مليار متر مكعب؟".

ما بعد السد؟

رغم الفشل المتكرر في الوصول إلى موقف محدد بين دول السودان وإثيوبيا ومصر، وإغلاق ملف السد، فإن المسؤولين الحكوميين في تلك الدول دائماً ما يخرجون بتصريحات متفائلة.

ويبدو ذلك التفاؤل واضحاً في تصريح وزير خارجية السودان (المُقال)، إبراهيم غندور، السبت 14 أبريل/نيسان 2018، بوصفه اجتماع الخرطوم الذي انفض الأسبوع الأول من أبريل/نيسان 2018، بأنه "أفضل الاجتماعات التي تمت فيما يتعلق بملف سد النهضة".

ومن الجانب المصري، هناك تأكيد على الجدية، في تصريح وزير الخارجية سامح شكري، الذي أكد "سعيه للانتهاء من هذا الأمر خلال مدة 30 يوماً، بدأت اعتباراً من 5 أبريل/نيسان 2018 وحتى 5 مايو/أيار 2018".

ودعت مصر لاستئناف مفاوضات سد "النهضة"، في 20 أبريل/نيسان 2018 (دون رد رسمي من إثيوبيا والسودان حتى الثلاثاء 17 أبريل/نيسان 2018).

ربما ينجح الفرقاء الثلاثة في طي ملف سد "النهضة"؛ امتثالاً لتوجيهات رؤساء الدول الثلاث عقب قمتهم التي عُقدت مطلع العام الجاري (2018) بأديس أبابا.

لكن، هل يعني انتهاء ذلك الملف أن الخلافات حول اتفاقية تقسيم مياه النيل لعام 1959، لن تطلَّ برأسها من جديد؟

تحميل المزيد