يتحكم في شبكة واسعة من المال والسلطة ويعين الوزراء .. الشخصية الغامضة لـ سعيد الأخ المدلل للرئيس بوتفليقة

استطاع الشقيق الأصغر للرئيس بوتفليقة، أن يصنع لنفسه في السنوات الأخيرة، صورة "الرجل القوي الغامض"، بفضل صمته المطبق حيال ما يثار حول دوره في الحكم، فهو لا يتحدث أبداً للصحافة ويكتفي بالظهور في مناسبات نادرة، مضفياً بذلك الكثير من الغموض حول صناعة القرار في الجزائر.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/19 الساعة 17:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/09 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش

 

يوم الإثنين 9 أبريل/ نيسان ظهر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لأول مرة في زيارة ميدانية بعد توار عن الأنظار لفترة طويلة، في قلب الجزائر العاصمة قام بافتتاح محطة الميترو الجديدة ومسجد تاريخي تم الإنتهاء من ترميمه.. الرئيس يقوم بالأنشطة الرسمية لكن خلف الكواليس كان شقيقه الأصغر هو من يعطي الأوامر للحرس والوزراء ويشرف على كل صغيرة وكبيرة كما يظهر في صور تداولها نشطاء جزائريون.

يصعب أن تقنع مواطناً جزائرياً بسيطًا، أن الشقيق الأصغر للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ومستشاره الخاص، السعيد بوتفليقة، "يؤدي مهامه مثل باقي المستشارين في الرئاسة، وأن كل ما يقال عن نفوذه الواسع مجرد إشاعات".

ويصعب التأكد أيضاً، من كون السعيد بوتفليقة هو "الآمر الناهي في البلاد، يعين ويقيل الوزراء  والضباط، يتحكم في قواعد اللعبة السياسية وتنتهي عنده خيوط إدارة لعبة المال والأعمال"، مثلما تزعم الغالبية المهتمة بشؤون البلاد.

واستطاع الشقيق الأصغر للرئيس بوتفليقة، أن يصنع لنفسه في السنوات الأخيرة، صورة "الرجل القوي الغامض"، بفضل صمته المطبق حيال ما يثار حول دوره في الحكم، فهو لا يتحدث أبداً للصحافة ويكتفي بالظهور في مناسبات نادرة، مضفياً بذلك الكثير من الغموض حول صناعة القرار في الجزائر.

مستشار رئاسي فوق العادة

ولد السعيد بوتفليقة سنة 1957، إبان الثورة الجزائرية، بندرومة الواقعة على الحدود الجزائرية المغربية، وهو أصغر إخوته التسعة، تلقى تعليمه الأساسي بمدينة الأبيار بالجزائر العاصمة، حائز على شهادة الدكتوراه في الإعلام الآلي من فرنسا، وزاول مهنة التدريس في جامعة هواري بومدين بباب الزوار وكان عضوا في نقابة الأساتذة الجامعيين.

مع وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، تغيرت حياة السعيد، إذ ترك مقاعد الجامعة لتولي مسؤولية شبكة الإعلام الآلي برئاسة الجمهورية، قبل أن يصبح فيما بعد المستشار الخاص للرئيس بموجب مرسوم رئاسي غير منشور في الجريدة الرسمية.

ارتفاع منسوب نفوذه في دواليب السلطة تزامن مع تضاؤل السلامة الجسدية لأخيه الرئيس، الذي بدأت متاعبه الصحية تتضاعف منتصف 2011 إلى غاية إصابته بنوبة شلل في 27 نيسان/أبريل 2013، ألزمته الكرسي المتحرك منذ ذلك التاريخ.

 

مرض عبد العزيز، جعل من قرار ترشحه لعهدة رئاسية رابعة سنة 2014، مهمة كبرى، أشرف على تنفيذها السعيد بنجاح، وسمحت له بالانتقال إلى مستوى آخر من النفوذ والقوة داخل سدة الحكم.

مصدر قوته

منذ صغره، حظي السعيد بوتفليقة بمكانة خاصة عند شقيقه الأكبر عبد العزيز، والذي كان دائماً بمثابة الوالد المتوفى أثناء الثورة، وينقل مصدر "عربي بوست" القريب من العائلة أن "الرئيس لم يسبق أن رفض طلباً لشقيقه الأصغر ويضع فيه ثقة مطلقة".

هذه العلاقة الخاصة بين الأخوين، كانت المصدر الأساسي لقوة السعيد بوتفليقة في رئاسة الجمهورية ومراكز صنع القرار، ومكنته في السنوات الأربع الأخير من اكتساب صفة "الرئيس مكرر".

كريم عيمر الصحفي المتخصص في الشأن السياسي الجزائري أوضح لـ"عربي بوست"، أن "السعيد بوتفليقة كان نافذاً حتى عندما كان أخوه الرئيس بصحة جيدة"، واستطرد قائلاً "الذي حدث، هو أنه كان يمارس السلطة مع أخيه وبعد مرض الأخير أصبح قبطان السفينة".

الحجم الحقيقي لقوة السعيد بوتفليقة، ظهر جليا في الصراع الذي نشب بين أواخر 2013 والنصف الثاني من 2015، بين رئاسة الجمهورية ومديرية الاستعلامات والأمن (المخابرات)، والذي انتهى بإقالة القائد الأسطوري للمخابرات الجزائرية محمد مدين الشهير بلقب "توفيق" بعد 25 سنة من تربعه على عرش الجهاز.

وكان مدين، آخر الجنرالات الصقور الذين قادوا الحرب على الإرهاب سنوات التسعينيات وسيطروا على كل مفاصل الدولة، إلى غاية مجيء بوتفليقة إلى الحكم وبدأ في إزاحتهم عن الحكم الواحد تلو الآخر تنفيذاً لتصريحه الشهير الذي قال فيه "لن أكون ثلاثة أرباع رئيس".

وبرأي الصحفي كريم عيمر، "لم يكن السعيد بوتفليقة لينتصر في المعركة ضد قائد جهاز المخابرات لو لم يسيطر على الحكم بعد مرض أخيه الرئيس"، بمعنى أن ختم التعيينات والإقالات بات في جيبه.

ويرى الصحفي المتخصص في الشأن السياسي الجزائري، عبد الوهاب بوكروح، أن تحييد الرئيس بوتفليقة لجنرالات التسعينيات سمح له ولأخيه الأصغر بممارسة مهامهم في السلطة بكل أريحية، وأضاف لـ"عربي بوست"، أن "ما ساعد السعيد بوتفليقة أكثر هو حيادية المؤسسة العسكرية، والعلاقة الممتازة التي تربط قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة".

وبشأن مصادر قوة السعيد بوتفليقة دائماً، أوضح رجل سياسي ينشط في صفوف حزب موالي للرئيس، لـ "عربي بوست"، أن عبد العزيز بوتفليقة استطاع أواخر العهدة الثالثة إحكام قبضته المطلقة على الحكم وبات من الصعب على رجل من داخل النظام أن يقول له "لا".

وتابع ذات المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، "عند مرض الرئيس، أصبح شقيقه السعيد الوحيد الذي يدخل عنده ويقابله، ليعود بتوجيهات وأوامر إلى الحكومة ومؤسسات الدولة"، وبالتالي "الجميع بات ينفذ ما يأتيهم من السعيد على أساس أنه من الرئيس ولا يمكن لأحد أن يعترض أو يشكك" يضيف محدثنا.

انفراد السعيد بشقيقه الرئيس جعله الرابط بينه وبين مؤسسات الدولة من حكومة وجيش والضيوف الأجانب ورجال المال والأعمال.

الشبكة القوية والعهدة الرابعة

قرار الرئيس بوتفليقة بالترشح لعهدة رابعة، سنة 2014، رغم وضعه الصحي الحرج، جعل من السعيد الواجهة الأولى شقيقه الأكبر وقائد استراتيجية الاستمرار في الحكم لسنوات إضافية.

وللنجاح في المهمة كان عليه ضبط شبكة محكمة تضم أحزاباً سياسية ورجال أعمال وشخصيات بارزة لقيادة الحملة الانتخابية.

وإلى جانب الأحزاب التقليدية المعروفة بولائها المطلق للرئيس ودعم قائد أركان الجيش، حظي عبد العزيز بوتفليقة بمساندة منظمات أرباب العمل ورجال الأعمال وعلى رأسهم "منتدى رؤساء المؤسسات" الذي يقدر رأس ماله بحوالي 20 مليار دولار ما يعني أن مشكلة تمويل الحملة الانتخابية لم تشكل مصدر إزعاج يذكر.

فاز بوتفليقة بعهدة رابعة بنسبة 81.53 بالمائة، دون أن يشارك في حملته الانتخابية، وناب عنه عبد المالك سلال بصفته مديراً للحملة، في مخاطبة الشعب والترويج لأهمية الاستمرار ومنافع الاستقرار، وبدأت مرحلة أخرى من النفوذ والقوة لشقيقه الأصغر.

وبالنسبة للمختصين في شؤون الحكومة الجزائرية، كل الشخصيات التي نالت حقائب وزارية أو مناصب سامية في الحكومة ومؤسسات الدولة منذ 2014، كانت بمثابة مكافأة نظير مساندة الرئيس خلال العهدة الماضية وبالأخص العهدة الرابعة.

إطار في حملة بوتفليقة للعهدة الرابعة كشف لـ"عربي بوست"، بأن "الرأي العام قد يتفاجأ من تعيين شخصية ما كوزير في الحكومة، لكن المؤكد أنه حصد ما زرعه خلال المواعيد الانتخابية"، مضيفاً "السعيد بوتفليقة لا ينكر أفضال الغير، وهو من يكافئ الأوفياء لشقيقه الأكبر".

ويتردد في الدوائر الضيقة أن تعيين اللاعب الشهير رابح ماجر مدرباً للمنتخب الجزائري لكرة القدم، جاء بقرار من السعيد بوتفليقة بسبب مساندته للرئيس بوتفليقة خلال العهدات الرئاسية الماضية وبالأخص للعهدة الرابعة.

حقيقة وليس خيالاً

ومع غياب دليل قاطع على تسيير السعيد بوتفليقة لشؤون البلاد وتحكمه في الحكومة وعالم المال والأعمال، وما شكله الأمر من تجاذبات كبيرة على الساحة السياسية الجزائرية، جاء صيف 2017، ليكشف عن الحقيقة.

دخل الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون في حرب معلنة مع رجال الأعمال وعلى رأسهم رئيس "منتدى رؤساء المؤسسات" علي حداد، بسبب رغبته في الفصل بين المال والسياسة.

وفي تحديه لتبون قال علي حداد خلال اجتماع  مغلق عقده مع بعض معاونيه في 18 يوليو2017 سرب منه تسجيل صوتي "أنا دعمت العهدة الرابعة، ومن حقي الحصول على المشاريع ولست سهلاً كي ينال مني تبون".

حدثت الأمور بسرعة، وأعلنت رئاسة الجمهورية تخليها عن وزيرها الأول بطريقة غير مباشرة، في 30 يوليو 2017، وبالضبط بمقبرة العالية بالعاصمة حيث حضر كبار قادة الدولية لجنازة المجاهد ورئيس الحكومة الأسبق رضا مالك.

أمام نعش الراحل، ظهرت صورة للوزير الأول عبد المجيد تبون وعلى يمينه السعيد بوتفليقة محاطاً بعلي حداد وعبد المجيد سيدي سعيد رئيس المركزية النقابية، يرمقه بنظرة غضب شديد، قبل أن يغادر رفقة حداد في سيارة واحدة.

فهم الجزائريون يومها أنه "تم التخلي عن تبون وانتصر رجال الأعمال"، واتضح بشكل جلي مدى قوة السعيد بوتفليقة ونفوذه، عندما نزل بيان رئاسة الجمهورية يوم 15 أغسطس/آب 2017، يعلن إقالة عبد المجيد تبون وتعيين أحمد أويحيى خلفاً له.

الصحفي أحمد أمير فسر هذا التغيير لـ" عربي بوست"، بأن " السعيد بوتفليقة يسيطر كلياً على الحكم، هو الآمر الناهي في السياسة والاقتصاد والمال"، مؤكداً أن "الميدان من يثبت ذلك.. فمن طرد تبون من الحكم ؟".

وتابع أمير "العلاقة بينه وبين رجال الأعمال واضحة، فهم دعموا الحملة الانتخابية بأموال ضخمة، مقابل حصولهم على مشاريع استثمارية وتسهيلات بنكية، ويعتقدون أن ذلك من حقهم".

ويبقى استمرار التحالف بين السعيد بوتفليقة ورجال الأعمال استراتيجياً بالنسبة له، خاصة إذا رغب شقيقه الرئيس في الترشح لعهدة رئاسية خامسة، إذ تعتبر الأموال مصدراً حيوياً للحملات الانتخابية.

ليس إلى هذه الدرجة

في 11 نيسان/أبريل 2018، نزل وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل ضيفاً على قناة "فرانس 24″، حين تلقى سؤالاً عن كون الشعب الجزائري يعتقد أن السعيد بوتفليقة هو من يسير البلاد؟ ليجيب قائلاً "أخ الرئيس مستشار مثل باقي المستشارين وأنا من موقعي أؤكد أن الرئيس هو من يسير البلاد وأتلقى منه تعليمات وأرفع إليه تقارير".

ودافع الوزير الأول والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، في أكثر من مناسبة عن شقيق الرئيس، واعتبر من يتحدثون عن نفوذه المطلق وطموحه للترشح من أجل خلافة أخيه "أناس ليس لديهم ما يقومون به في حياتهم وأنهم يأكلون لحم الرجل"، مضيفاً "إنه يقوم بدوره كمستشار لا أكثر ولا أقل".

وقال أويحيى إن من يعتقدون باستحواذ السعيد على السلطة لا يعرفون شخصية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة "الذي لم يتنازل يوما عن ذرة من صلاحياته"، وهنا تستذكر مقولته "لن أكون ثلاثة أرباع رئيس"، ومدى انطباقها على شقيقه المدلل.

من جانبه فند المدير العام الأسبق لشركة سونطراك النفطية، أن تكون رئاسة الجمهورية قد انتصرت على قائد جهاز المخابرات الجنرال محمد مدين المدعو توفيق، سنة 2015، وقال في حوار لصحيفة "لوماتان" الناطقة بالفرنسية "أن بوتفليقة خضع لضغوطات الولايات المتحدة وبريطانيا لإزاحة توفيق عقب الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له المنشأة الغازية بتيقنتورين سنة 2013، ووفاة 38 مواطن أجنبي بعد تدخل القوات الخاصة الجزائرية للقضاء على الإرهابيين وتحرير الرهائن".

ورأى مالطي، أن قرار بوتفليقة بتنحية قائد المخابرات، "لم يكن مستقلاً ولا يمثل انتصار للرئاسة على مؤسسة المخابرات"، مقللاً بذلك من الرواية التي تنسف الفوز في هذا الصراع للسعيد بوتفليقة على وجه التحديد.

وتجلت إحدى مظاهر عدم امتلاك شقيق الرئيس السلطة المطلقة، عند استقالة الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، عمار سعيداني، الذي عرف بهجوماته الشرسة والمتكررة على الجنرال مدين قائد المخابرات السابق، وحسب ما تردد من محيط الأخير، فإنه طلب في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2016، من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تنحية سعيداني من على رأس الحزب بشكل فوري وإلا فستكون العواقب وخيمة.

وغادر سعيداني الأمانة العام للحزب بعد أقل من 20 يوماً، وقيل حينها "إن الرئاسة خضعت لتهديدات توفيق الذي مازال يمتلك عشرات الآلاف من الأتباع داخل المؤسسة الأمنية".

وبرزت في السنتين الأخيرتين، ادعاءات تفيد بوجود خلافات حادة بين قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، والشقيق الأصغر للرئيس ومستشاره الخاص، بسبب فرضيات تتعلق بالانتخابات المسبقة.

ورغم إشاعات عديدة بقرب إقالته لا يزال الفريق أحمد قايد صالح من منصبه، مؤكداً أن "حياد المؤسسة العسكرية لا يعني ضعفها، ولا يمكن أن تتخلى عن دورها التقليدي في اختيار رؤساء البلاد".